كيف يغزو فكر عبد الكريم برشيد. ..ذاكرة الحداثيين الدراميين؟
الوطن24/ انجاز د – الغزيوي أبو علي
إن قراءة أولية لمشروع الاحتفالية، تكشف لنا بوضوح على أن الصعوبات التي تقف في وجههم، وتعترضهم أطروحات لا تتعلق بالكتابة ولا بالنقد، بل تتعلق بالمرجعيات التي تقربنا إلى عملية التحصيل والاستيعاب لا يعدم القول إذا أكدنا أن الخطاب البرشيدي في تمثلاته يتسم بالوعي المعرفي والاجتماعي وبالصراع حول كينونة الكتابة الإبداعية والنقدية والتنظيرية، فالغزوهو تمثل وصيرورة نفسية معرفية تشتغل ضمنها مجموعة من آليات المقاومة، بحيث تتحول الأحكام والمعارف الجاهزة إلى ميكانيزم للدفاع عن الذات، وإبراز العوائق النقدية الشكلية التي تؤول في النهاية إلى عائق مركزي، لأن الخوف من عبد الكريم برشيد هو الرغبة في معرفة العالم الجديد، والاطلاع عليه للانخراط في الروح الاحتفالي.
إن التفكير الاحتفالي يرتبط في ذهنه بخلخلة المعتقد النصي الكلاسيكي والميلودرامي الرومانسي، لأن الصعوبة يجب أخذها بالحسبان والانتباه إلى أشكال الحضور البرشيدي وتجلياته في الوطن العربي والكوني، وما يتطلبه هذا العائق كما قلت هو تحويل وتغيير أفق انتظار المخرج والممثل والمتلقي، لكونها ممارسة نقدية وتنويرية، إنها ممارسة تحرض المبدع برشيد وتدفعه حسب تعبير هيدجر، إنه كائن ومبدع ومسؤول عن قناعته، وحريته، قادر على المغايرة وابداع الأسئلة من القلق الأنطولوجي، لأنه غاية وليس وسيلة، يفكر في انسجام مع ذاته المغايرة أي يبدع بطريقة منطقية ومتماسكة.
إذا كانت الاحتفالية تقدم ذاتها على أنها ممارسة للتفكير، فتفكير برشيد هو نقدي وتنويري وتقدمي ومنطقي إذن كيف نخشى الاحتفالية؟ أم نخشى عبد الكريم برشيد؟ أم نخشى الاختلاف وليس الخلاف؟
كيف لنا أن نعمل على قهر ذلك العائق ونغير صورة الإبداع؟ وكيف نجعل المتفرج ينخرط في مجال الاحتفال والاحتفالية؟ أسئلة كثيرة هي التي دفعتني وحفزتني لإنجاز هذا العمل، عمل أضعه بين يدي القراء من أجل تقريب صورة المبدع والناقد عبد الكريم برشيد، ومن ذهن القارئ العربي وأذكى الإحساس الفلسفي والأدبي والمعرفي بالرغبة وبالإرادة حسب تعبير شوبنهاور، لكن في اللحظة ذاتها هي العمل على إحداث قطيعة بين رهانات التفكير الإبداعي ورهانات النقد الثقافي والتداولي السائد.
لإن التفكير في إبداعات عبد الكريم برشيد هو التفكير في اللغة الدرامية وفي الذات الواعية، وأيضا مجال الوجود المعرفي، باعتباره منتجا للدلالة والمعنى، وللذات والآخر، فالتفكير هو إثارة إشكالات تهم الحقل الدرامي، كما تهم الحقل النقدي.
فالعلاقة بين الأشياء والذات ليست طبيعية، ولا محاكاتية، بل التفكير البرشيدي أقول دليل للبرهنة على أن الاحتفالية لا تتكلم نفسها، بل تتكلم الجماعة والكون، والحياة، إنها كائن فينا يفكر فينا وبنا، وأن لغتها هي لغة ايحائية تؤنس الطبيعة والأسطورة، والرمز، من هنا ينتج الفكر الاحتفالي لغته، القابل للتعبير لكي يشكل قوام الإبداع وقوامه، إنه جوهر روحي، خاصيته الأولى هو التفكير المغاير كما يقول جيل دولوز.
إن الفكر الحداثي البرشيدي هو وجه لعملة واحدة، لأن وجود الفكر يتوقف عن وجود الآخر، فلا وجود لفكر دون اختلاف، فهو نشاط وفعالية التي تمارس وجودها في المدن العالمية، وسلطتها الجوهرية على مجالات متعددة أنطولوجية وسيكولوجية، وإبستمولوجية، فالاحتفالية هي فطرية ومكتسبة تكمن وظيفتها في تحرير الجسد والروح من كل طغيان يذكر.
إنها بنية متغيرة ومتطورة مثل الطفل، وهي منظومة من المبادئ وليست مستودعا للأفكار والشعور كما يذكر جون لوك، بل هي مرآة تعكس بشكل إيجابي معطيات التجريب والتنظير، فهي أيضا نشاط وفاعلية، وبنية تاريخية درامية، منفتحة على كل الأزمنة والأمكنة والعصور.
ينتمي الفكر البرشيدي إلى مجال المعرفة الدرامية التي تتخذ الحقيقة غاية لذاتها وبذاتها، غير أن هذا المفهوم مرتبط أساسا بالمجال الفلسفي والاجتماعي والنفسي، يتناول الحقيقة التاريخية “عطيل والخيال والبارود، ويتناول الأسطورة سالف لونجة” والتاريخ، ابن الرومي في مدن الصفيح، وامرؤ قيس في باريز فهذه المسرحيات تتناول علاقة الحقيقة بالواقع، لأنها تتيح للفكر واللغة أن تخالف النقاد المحافظين الذين يعتمدون “الذوق، والتطابق والزبونية، والزمالة، والمحسوبية وغيرها من الظواهر كما رأيناها في المسرح العربي بالدار البيضاء، لأن الوهم و العذب أضداد الحقيقة، رغم أن الخطأ رفيق الحقيقة، ما دامت الحقيقة تخرج من رحم الأخطاء، إذن فالحقيقة تختلف طرق بلوغها باختلاف شرائح المتفرجين ومستويات إدراكهم.
فبرشيد يؤسس، إذن الاحتفالية المرتبطة بالعقل الاجتماعي، وبالتعاقد الذي هو مطلب كوني وإنساني، فالاحتفال هو أرض الواقع الاجتماعي، والشرعية العادلة التي تضع الإنسان بواسطة طريق الاتفاق وفي الفترة التاريخية المعينة: فالاحتفال هو الصيغة الوضعية للمسرح كما يحدده المؤلف أو المخرج أو الممثل، والحق الممكن المعبر عنه من طرف المجتمع والقوانين الدراماتورجية، فيسعى حقا موضوعيا، فالشعور الوجداني لا يعرف الأشياء، بل هو الطريق الأول في التفكير طريق أنطولوجي، وإثبات لوجود الأشياء الغير الوهمية فالحقيقة هي مطابقة الشيء لصورة نوعه أو لمثاله الذي أريد له.
فالاحتفالية هي الإدراك والحكم، وتمثل حسي غير كاذب، ناشئ عن كيفية تأويل الإدراك الميتانصي، وانتقال في المستوى الدلالي إلى المستوى التناصي، لأن الحداثة الدرامية عند برشيد هي عبارة عن وعي بالذات التي تمارس وجودها، دون وهم ايديولوجي كما يقول ماركس، فمحاولة برشيد هي ضرب من قيام تفكير منطقي لعدم تطابق الأشياء والكلمات، ووجود مسافة بين الحقيقة والوهم، لأن القراءة النقدية البرشيدية هي كشف عن الوهم حسب تعبير ماركس ونيتشه، لأن الساكن وراء ديار البناءات الماورائية التي تختلف بوجود ماهيات غير ثابتة، فالإنسان – برشيد – العاقل، والواعي، والمبدع ليس أداة غريزية، وليس أضداد حسب نيتشه، لأن الاحتفالية ليست من صنع برشيد، فهي ملك للناس الذين يلعبون فوق ظهر الأشياء، ويهبطون إلى الأعماق، من هنا ينتهي برشيد إلى وضع السؤال من جديد، لماذا نخشى الاحتفالية؟ هل نخشى فكره أم برشيد نفسه؟
إن هذه الأسئلة ليست خدعة ولا إخفاء الحقيقة، وليست مؤشر الخداع الوجود الدرامي، رغم أن الوجود يكون دوما مجرد خداع مجازي يتم عبره خلق القيم وتوليدها كما تقول الجنيالوجيا، فالاحتفالية هي قوة وفعالية ممارساتية ويرى نيتشه إن ما يهمنا هو معرفة الكيفية التي تنتمي بها الأشياء، لا معرفة ماهيتها، فبرشيد كما يرى نيتشه هو سيد نفسه، وسيد الجميع، لأن بياناته الجديدة هي التبشير بنظرية فوكو، ودولوز، ومدرسة فرانكفورت باريس، وبلجيكا، لأنها عبارة عن معايير يتم بفضلها إنتاج أسئلة جوانية في مجتمعات متنوعة، ومن ثم تصير هذه البيانات بداية جديدة لتأسيس نظرية جديدة للحقيقة تخرجنا من المنطق الوصي الذي سببه كثيرا من النقاد المحافظين، قراءة تريد أن تزيل عمق الأشجار، وذلك من أجل إضفاء صورة الإنسان على الأشياء التي هي الحياة.
من هنا فإن عبد الكريم برشيد يرى أن الحياة الاجتماعية لا يمكن فصلها على الحياة المأساوية أو الملهاوية، لأن الحياة هي الأصل الذي يتحكم في كل فعل أو فكر انساني حسب نيتشه فالحياة معناها ضمنيا أن هناك أشياء مسكوت عنها خصوصا مع الانفتاح الاجتماعي، فمع هذه الأمكنة الممكنة والمتعددة يطرح مشكل الصراحة، هل يجب قول كل شيء في المسرح؟ ولماذا الوزارة الوصية تقصي المختلف؟ فالسؤال إذن هو تجاوز الحقيقة لذاتها، من أجل تأثير في الحياة، لأن الحقيقة ليست أزلية، بل هي وسيلة لإعادة الاعتبار للمختلف، والمؤجل حسب تعبير بول ريكور، فالقيمة الاحتفالية هي خلخلة للمفاهيم التي شيدت الثقافة المسرحية العربية، وهي الوعي والشعور، والذاكرة والإرادة، والقوة وهي التي زحزحت بدورها هذا الفكر المغلق إلى أبعد ما تقوله الميتافيزيقيا.
عندما يتقاطع برشيد مع المسرحيين المحليين والمؤدلجين، حيث يأخذ التفكير البرشيدي حقيقته من اللاحقيقة، وبهذا المعنى فإن الاحتفالية هي ماهية الحقيقة، تمر عبر ماهية الاختلاف وليس الائتلاف، لأنها تخفي مجازها المضاد وتقربنا من منطق الهوية، والشخصية المتعالية والمتولدة من هذا الأجناس البشرية، والمدنية، والحضارية، والتاريخية، والاجتماعية… لأن الفكر الجينيالوجي يقول بنعم للاختلاف ولا يقولها للتطابق وللتماثل، إذن فالبيانات البيضاوية (الدار البيضاء) هي مطرقة الحقيقة أمام أصنام النصوص الوهمية والمفبركة، وتاريخ جديد لا ينهار أمام الإيديولوجيات والتقابل بين الصباح والمساء، ولا بين الواقع والخيال، والوهم والحقيقة، فعالم البيانات هو الاختلاف بحيث أنه لا يمكن أن نستحم في النهر مرتين (هيرقليدس)، إنه منطق التحول والتبدل، ونقد للحقائق الكائنة، والبرجماتية الذاتية.
رفض برشيد التصور الأرسطي – الأوروبي الذي يدعي بمركزية الدراما، عارضا براعته الاختلافية التي تغاير الشكل النسقي الكلي الذي تتخذه المواقف السابقة، وهذه الثورة الكوبيرنيكية لو تجعل الشيء الممسرح ثابت، بل متحرك ومتحول يخضع للتطورات وللتغيرات، الشيء الذي يعطي للقطيعة الإبستمولوجية أبعادها الحقيقية والعميقة، وقد أكد برشيد أن الاحتفالية هي الملاحظة البصرية، والتجربة الإنسانية، والحيوانية، والطبيعية، تستنطق فينا العقل الباطني ويقول جاليلي <<إن الطبيعة لا تفصح بحقيقتها لنا من الوهلة الأولى، بل نحن نجبرها على ذلك>> (الفكر الإسلامي و الفلسفة) 1989 ص155 (وزارة التربية الوطنية – مطبعة إديال – الدار البيضاء) فالمبدع برشيد أنطق بلغة أهل الأنوار أو المسرح التنويري، فهي الطريق إلى ممارسة الحرية الإبداعية، لأن التنوير هو حق الاختلاف، وليس الانغلاق، فالاحتفالية ليست مركزا كما قلت في العديد من الندوات الوطنية، بل هي ثمرة إبداع وخلق ودربة وممارسة ركجية، وليست للترفيه ولا التسلية بل للتثقيف واختزال تعقيدات المفاهيم الانسانية حسب تعبير ادوارد سعيد: التنوير في إشكالاته و دلالاته – موريس أبو ناضر – ص – 346.
فالكلام عن برشيد على هذا النحو يفرض التخلص من كل تصور سابق، وجعل الإبداع أمرا غير ثابت، بل هو عبارة عن تجارب فريدة تاريخيا، يستلزم امتلاك أدوات قادرة على أن تحلل المحاور التالية، لماذا نخشى أو كيف نواجه؟ وكيف نحلل ونؤول، وكيف نتخلص من سلطة الاحتفالي؟ وهل الاحتفالية خرجت من معطف برشيد؟ أسئلة كثيرة تحتاج إلى قراءات وتحليلات الممارساتية الدرامية التي تسمح لنا بتتبع تكوين المعارف لدى برشيد، وكيفية التخلص من هذا المأزق الايديولوجي المهيمن على الساحة الثقافية كل هذا يتيح التبصر فيها كاستراتيجيات مفتوحة وقابلة أن تستوعب كل الاختلافات المنهجية والديداكتيكية. فبرشيد عبد الكريم في بياناته البيضاوية يطرح أسئلة لتكون عبارة عن أنماط من العلاقة مع المدينة والجسد، والروح، والفكر، والحرية، ومع تقلبات حقيقة العلوم الانسانية والدرامية، للنوع – البشري – والحيواني – العرب والفكر العالمي ع2 – 1988 ص70.
إن المسرح الاحتفالي لا يؤخذ من الكتابات النظرية فقط، بل أيضا من خلال استقراء النماذج الرصينة والمتقدمة في المسرح العربي. (الاحتفالية وأبجدية النقد المسرحي ص53، فدعوة برشيد في هذا الفضاء الدرامي هو تأسيس نقد جماهيري كما عند لينين، وهيجل، وماركس وماو)، فالجمهور هو السيد، والقاضي، والمتحرر، فهو المفسر للإبداع والشريك في إعادة القراءة في مسرح البورجوازي، وفي المسرح الملحمي، وهذه الرؤية الثقافية الجماهرية نجدها عند أوكستوبول، وأنتونان أرتو، وصمويل بكيث، لأنهم يمدون الجماهير بالطاقة التحليلية والنقدية والتأويلية، لأنه هو الناقد الأكبر فلا أحد يمكن أن يشاهد عملا دراميا، ثم ينتظر حتى يقرأ النقد ليحكم عليه، إن المسرح بالأساس لقاء بعد موعد، وأن المجيء ليلا إلى هذا الموعد هو حكم ضمني على العمل المسرح. (نفس المرجع)، وهذه الصيحة الابستيمية تقربنا إلى أدونيس، وخليل حاوي، والبياتي والسياب، فهم جعلوا الحياة في المقابل الموت، والموت معيرا للبعث، أو الفداء أو الانتصار للحياة والحرية ضد الموت، لا الموت بعث جديد، وقيام فلسفة درامية تنويرية جديدة هنا يطرح السؤال ما نوع الجماهير التي يريدها عبد الكريم برشيد؟ هل هناك ثقافة جماهرية أم جماهير ثقافية؟ أسئلة تقربنا من الواقع المادي المتغير وليس عالم المثل (الأفلاطوني، فالواقع هو المعقول والمحسوس وليس المجرد، يمكن معرفته وإدراكه بالتأمل الطاقي العقلاني والموضوعي دون السقوط في مستوى السوقية (من قضايا المسرح المغربي) 1973 ص5. فالرؤيا البرشيدية ليست صورة لامادية إنها مطابقة للفكر الجدلي ومعياره هو الاقتران بالجمالي، والفني، والدلالي، فالواقع كما يرى كانط صار مجموعة من الظواهر يتعين إعادة بناءها، كما أمسى الإبداع المغاير قدرة ممارساتية على تشكيل معارف درامية بواسطة أدوات إجراجية لبناء نخبة صناعية درامية (صناعة النخبة بالمغرب) عبد الرحيم العطري ص54.
إن المطلوب الأول في فلسفة الاحتفالية الإحاطة بالأسس البعيدة التي تستند إليها الهندسة الدرامية، فبرشيد لم يكن مخرجا، ولو يعانق الجماهير، بل يركن إلى أسطوانة من أسطوانة البيت كأنه واصل بن عطاء، وهذا ما جعلني أن أطرح السؤال التالي، هل المسرح ولد بوالدة الفرد أم الجماعة؟ ويرى الدكتور ابراهيم الهنائي أن الاحتفالية شأنها شأن التيارات التي ولدت مع المسمى الاحتفالية، كمسرح الشوك، ومسرح الفقير، ومسرح الشهادة، ومسرح الفردي، ومع خريجي المعاهد، فالمسرح هو جماهيري يخاطب العامل والطالب في شخصية الأنا الممثل، لذا فبرشيد لا ينبغي أن يقف بعيدا عن التنظير، وأن يقترب من الإخراج، لأن مسرحياته لم تعد تمسرح كما في السبعينيات، والثمانينيات، أما اليوم فقد أصبحت مبنى حكائيا أو خطابا سردمولوجيا سواء على المتن الحكائي أو المبني الحكائي الدرامي، فبرشيد لم يواجه الجمهور كأرطو، والطيب الصديقي بل حاول أن يستنطق البياض والسواد كمؤلف وليس كمخرج، كما يقول المسرحي ابراهيم الهنائي، فالمسرح هي أماكن تشتغل وتتخذ حركات متباينة، وبهذا فقد تفهمت الاحتفالية مطلب عبد الكريم برشيد بضرورة إمكان تفسير العالم وتغييره عن طريق مبدأ الإخراج وليس التنظير ولا البيانات، إن الغرض من هذا المقال هو أن نوضح كيف أن العالم الاحتفالي ليس ملكا لبرشيد ولا يرتكز على مبدأ واحد موحد، بل يتأسس على التعدد الجسيمات الأولية كتنظيمات متنوعة، تتعدد بتعدد الصانع، والمصنوع كما عند المرحوم الطيب الصديقي في مسرحياته الخراز – الإبداع والمؤانسة، مومو بوخرسة وغيرها من المسرحيات، فهو الممثل والمخرج، وليس الكاتب المنعزل عن الجمهور، إذن لابد أن ينزل من برجه لكي يعانق الفلاح والعامل والطالب، والتلميذ كأنه مطلب كلياني وليس براني، لأن سلوك الفرد في التنظيم الاجتماعي يخضع لتأثيرات وظائف القواعد و القيم الاجتماعية والسائدة في ذلك التنظيم الاجتماعي والواقع الاجتماعي يكون هو البناء كما يقول بارسونز (معن خليل عمر- نقد الفكر الاجتماعي المعاصر – 1978 ص143). ومهما يكن من أمر فعبد الكريم برشيد قام ولا يزال يقوم بمحاولات ومدارات فكرية درامية خدمت المسرح المغربي والعربي، ولكن لم يمارس طقسه الإخراجي ليعانق المهمش كما عند الفكر الوظيفي أو عند أصحاب الفكر الصراعي، أو عند أهل الفكر الاجتماعي الرمزي أو الوجودي ولم يلامس النظم الاجتماعية الأمازيغية المترابطة والمساندة للفرجة الدرامية، ويبقى عبد الكريم برشيد رائد من رواد الحركة المسرحية بجانب الطيب الصديقي، وعبد الرحمان بن زيدان، ومحمد الكغاط، ومصطفى الرمضاني، وتيمود وبلهيسي، وكريم الفحل، وابراهيم الهنائي وحسن العلوي المراني، وغيرهم من المسرحيين، فبرشيد في بياناته الأخيرة تعد نقلة نوعية في التعامل مع أسئلة الإنسان، والهوية، والحرية والوجود والوعي والإرادة والشعور، والذات، والجسد والروح، والحياة، والموت، واللغة، ففهم الإنسان هو فهم أصله، يعني فهم أصل هذه الأنا التي يكشف عن الكلام والفهم للذات المميزة عن الموضوع، فبياناته هي سريالية تكشف عن الأنا المخالف اختلافا جوهريا للأنا المتعالي، فالأنا البرشيدية هي رغبة رسالية تلغي السائد الذي يسعى الرغبة واللذة، والمتعة، والعشق والمنطق والشيء سيقول إذن أنا مبدع وكاتب أنا أحيا فحسب، وليس المخرج الجماهيري الذي ينكشف للآخرين كوعي بالذات الجماعية.