لمـاذا تـنـتحر القـيـم في المغـرب؟
الـوطن 24/ بقلم: د. محمد الشرقاوي
رحل الكبار من جيل النبوغ، ومات معهم الفكر العميق والذوق الرفيع واللغة الراقية هدرا في زمن ما بعد الوضاعة. وتحوّل المشهد العام الوضيع إلى تسارع وتيرة المنفعة الذاتية وحصد المكاسب المادية ولو على حساب المبادئ والمثل العليا، التي أضحت تعني للجيل الحالي مجرد خرافة واهية قديمة من عصر أحجيات الجدّات المتداولة في ذاكرة التراث الشفوي.
انتحار القيم مسألة بنيوية مقصودة من الأعلى إلى الأسفل: حكومة تضم في جلّ وزاراتها وجوها شغوفة بتكديس الأرباح ومزايا الريع وتطويع العمل السياسي لإرادة المصلحة المالية. ومجلس نواب تحوّل إلى غرفة ترديد الصدى يشمل في صدر المجلس مدانين قانونيا بالتهرب من أداء الضريبة ومن تقوّضت مصداقيتهم الوطنية وتلطّخ سجلهم السياسي.
وفي الجامعة، برزت وجوه شاذة عن البحث العلمي تنسج على منوال خطاب ديماغوجي يقرّبها زلفى من مراكز السلطة. وليست للقاعدة استثناء عندما يتفوّق الفن الصاعد بهز المؤخرات على الفن الهابط لمن يغنون ويسألون: هل سافرت “راحلة” تحت ضوء “القمر الأحمر”، أم ركبت “قطار الحياة”، أم أنها تئن بأي جرح هي “تجري وتجاريه”؟
أمثلة متعددة على مسخ مغرب القيم والمعايير إلى مغرب الإسفاف والتطبيع مع الحقارات البئيسة وضحالة الشكل والمضمون. وباستغلال تكنولوجيا التواصل، أصبح المجال العام خشبة مسرح مواتية لمن يجلب الأنظار بشطحات ساذجة وفرجة بئيسة بؤس شيوخها ومريديها على حد سواء.
في هذه الأجواء التطفلية، تكبر الطفيليات على غرار الفطريات التي تتقوى من العفن، وتطغى في منافسات اليوتيوب للوصول إلى أكبر عدد من المشاهدات. اختلط الحابل بالنابل، وكثر حملةُ الكاميرات والميكروفونات وزادوا بزيادة ادّعائهم أنهم “صحفيون”. فانتحرت الصحافة أيضا بسبب ارتفاع ضغط أعصابها بعد أن تم استبدال معايير الموضوعية والحرفية بالحماسة الجنونية بتلفيق أي محتوى ينفخ في عدد المشاهدين وحجم “Adsense”. فغدا اليوتيوب والفيسبوك بمثابة العجل الذهبي الجديد الذي صلى عليه اليهود قديما.
في مغرب العجائب، مصلحة اللحظة هي عصب الدولة والمجتمع والحاضر. ومن يذكّر بقيم الرصانة يبدو كائنا غريبا سقط عبر ثقب في طبقة الأوزون.
تهافتكم على تفاهتكم سيعجّل بتهالككم وتجاهلكم لبكتيريا تنهش الأخضر واليابس