ماريا الغجرية.

الوطن 24/ بقلم: نادية بوشلوش عمران.
فاتنة متمردة متسلطة كالرياح.
دخلت غازية لجميع القارات، لجميع البلدان، راضية مرضية عليها، ولكل القرى بدون تذاكر ولا تأشيرة دخول، لم يوقفها أحد، لم يعترضها أحد، لا عساكر ولا جمرك ولا ملك ولا صعلوك
دخلت، تزمجر، تعتب، تعربد تصرخ، ترقص تغريد تصلي، تقهر، تمر بكل حي وبكل زقاق، باردة، كالموت، مزمجرة كالوحوش، طاغية كالملوك، معذبة كالملائكة، ملعونة كالشياطين، تركض، تزحف، تقاوم تحنط، تقهر تحطم كل شيء تلمسه، تسري به السماء، تعرج به للأرض، تلوح به يمينا وشمالا
دخلت قاهرة، تقهر من يضحك، توجع من يبكي، تحطم كالبرق، تغني كالرعد، تقطف كل شيء، إنها الرياح، باردة قوية متماسكة طاغية جبارة،
سبع ليالي، مرت بكل شيء حطمت وحكمت وعدلت وظلمت وقهرت وتلعتمت
فوووووووووو
فوووووووووو
طلاسم وأصوات قاهرة بإذن ربها
دخلت، حتى زارت منزلي، فتسلل نسيم منها عبر شق الباب، بأريج الورد، دغدغني على وجنتاي وقبلني وسافر، مرة أخرى من شق الباب، التئم مع الرياح، كان الليل في منتصف هذا، وأنا أستمع لغنائها بالخارج بصوت قوي
فوووووووووو
فوووووووووو
شقت طريقها بين الجبال، قهرت الصخر والوديان، قهرت العساكر والحاكم والمسكين وحتى ذاك يوحنا السكير، لادت بن كالحية و كالجنية
فوووووووووو
فوووووووووو
فوووووووووو
لهاته الليلة، أتت تريد يوحنا المسكين السكير، وبعد عربدته في حانة مارݣا القديمة، وفي منتصف الليل، خرج متمايلا، سكرانا، يتمايل يمينا شمالا، ببدلة عمله الزرقاء. يطنطن رأسه بأغنية فلاينسية إسبانية
Mora te quiero Mora
بصوته الأجش، الذي يعلوا اللحظات وينخفض لأخرى حتى ما كاد يسمع منه سوى حشرجة، ومواء كالقطن
يوحنا كان يحمل في يده قنينة نبيذ أحمر، يريد قطع المسافات لبيته في آخر البلدة، في منحدر جبلي، وما كان إلا أن التقت به كالحية مزمجرة
فوووووووووو
فوووووووووو
فوووووووووو
تزيده تمايلا لليمين ومرات الشمال، تلاعبه كالحسناء، تطير بدلته الزرقاء ويجري ورائها مناد إياها:
إنتظري، لن ترحلي للبيت قبلي، خوديني معك للبيت،
تزمجر الريح في وجهه
فوووووووووو
فوووووووووو
كانت على أشدها حينها، بينما كان يوحنا، يحاول جاهدا الجري وراء بدلته المتطايرة في الهواء، تارة وتارة تسقط على الأرض، يتعثر بحجارة، يحاول الوقوف، ويسقط مرة ومرات، تتدحرج منه القنينة، يسخط، يخيل إليه، أن ماريا صديقته الغجرية السمراء، هي من تريد القبض عليه وإسقاطه، لنزع ماكان بجيبه من بعض النقود، يخيل ليوحنا أنا ماريا الغجرية تدحرجه هو وقنينته لأسفل المنحدر
يصب يوحنا، كل لعناته على ماريا
تبا لك يا أيتها الغجرية الجميلة، تبا لعينيك الساحرين، تبا لقوامك الممشوق ولصوتك الرخيم الساحر الذي يقيم الموتى من قبورهم وتهتز لهم الشياطين في مغارتهم وترقص له الصبايا في المهد وتغني به الطيور في السماء، وتهتز الخصور للرقص، وتشرد الأسماع وتحن له الملائكة.
تبا لك يا غجرية وألف تبا، يوما ما عرفتك، أعترف يا ماريا، بأنك ساحرة، فاتنة قاتلة مثيرة غامضة، تشبهين اللوز والزيتون والبنفسج وشقائق النعمان
تسخين مني حينما أكون بقربك في الخانة أشرب
تبا لك يا لعينة
ماريا
،لكنك.، لن تنجحي الليلة من سرق قنينتي ،هي لي ،لوحدي ،سأسكر حتى الصبح يا ماريا ،و ليكن ما يكون ،سأقتل كل إشمئزازك مني و كل ما تقولينه عني في بلدتي ،لن تسمح لك الفرصة يا ماريا بالثرترة مع أصدقائك الغجر
عليك اللعنة، سأرقص، سأغني، كل ما يدور في المحظورات، هو مرغوب الليلة يا ماريا
يجن، محاولا تعقب قنينة النبيذ
يشير بيده في كل الاتجاهات، ويصيح متوعدا إياها :
ماريا
يصيح
ماريا
ماريا
هيا هيا، اغربي عن وجهي الليلة، دعيني وشأني
أتفواااا
تبا
لو كنت تعلمين يا ماريا، وكيف تعلمين؟ كيف يا ماريا، على أن سقراط يسكن في روحي ويحكي لي كل ليلة حكاياته مع حسناوات روما، ويحكي لي عنك يا ماريا
أجل، يحدثني سقراط عنك كل ليلة، وينصحني بحبك وبعبادة الحب من أجل عينيك
وكيف ستعلمين يا ماريا وأنت في الحانة ترقصين لغيري
كيف
أه
أه، يا ماريا، لو تعلمين كم هو خصرك لامع فتان، منعرج متقلب، به منحدرات مخيفة وفاتنة يا ماريا
أه يا ماريا لو تعلمين
وأنت ترقصين، أهزلو تعقلين وتلوح لي بمنديلك الأزرق الغجري وأنت في لحظات يكرم المجنون، ستقولين لي بأنك تحبين يوحنا
ماريا
، تبا لك الليلة، لاهية ملهية تبا لك يا ماريا
، هيا إبتعدي، اغربي، بحق السماوات، وبحق عيسى وبحق الغجر وبحق الحب والعذاب
أ تعلمين يا ماريا:
تقولين يا ماريا، أنا سكير ومجنون وماجن ……، قولي ما شئت، فأنت تعجبينني لحد الثمالة، تهتز كل مشاعري حين تتقدمين قومك كل صبح وأنت تمشي والخلخال على قدميك يهتز
يهتز قلب يوحنا معه
والليلة لا أريد حديثا عنك، لكن ضحكتك تسقطني، تبعترني تقسمني الأجواء من الكلمات المتقاطعه
ماريييييييياااااا
ماريييييييياااااا
اغربي عن وجهي يا غجرية.
يسقط يوحنا بقوة الريح، تتدحرج مرة أخرى القنينة وتنكسر، يسيل الخمر شاقا سيله بين الحجر والتراب، تشم رائحة النبيذ الأحمر.
يندب حظه، يوحنا يوم، عرف ماريا، يرثي نبيذه.
يعترف، بأن ماريا كالريح، غازية فاتنة قوية جبارة متسلطة متملكة، تخرجه من حالة العقل لحالة السكر والمجون.
إلا أن تلك الغجرية سحرت قلب يوحنا، وهو الليلة لا يعرف كيف يعود لبيته بدون نبيذ ومن دون ماريا
تبا.