ما المشكلة في فتوى السريري الأخيرة

الوطن24/محمد الهداج
شارك الاستاذ محمد الهداج مؤلف كتاب الخطاب العربي والحداثة.بمقالة يرد بها على الجدل الذي اثارته فتوى الشيخ مولود السريري .وهذا نص التدوينة.
من عجائب اللغة أن الناس تقضي بها أغراضا حتى لو لم تع طريقة قضائها لهذه الأغراض، فقد تقول لصاحبك القريب من النافذة: “هل تستطيع أن تفتح النافذة” فيقوم بفتحها، ولو تخيلنا قادما من المريخ يسمع هذا الحوار لربما عجب من نهايته، وربما رأى فتح النافذة من المُخاطَب عملا غير معقول، وأن الاستجابة المناسبة هي أن يُجيب: “نعم أستطيع”، لكن آدميا سيرى أن الجواب الأخير مزحة. وقد يزيد عجب زائرنا من المريخ تعجبا عندما يسمع أبا يقول لابنه الصغير:”إغسل أسنانك” فيجيبه الصبي: ” لا أريد أن أنام”.
حاول اللغويون من أهل الفلسفة واللسانيات وغيرهم أن يضعوا تفسيرات لمثل هذه الظواهر التي تجعل الأمر يتنكر في سؤال، أو تجعل المقصود مختفيا تماما من سطح الخطاب ومما حاول البعض تفسير هذه الظواهر بها هو زعمهم وجود قواعد ضمنية تتحد الدلالة باعتبارها أو بخرقها، ففسروا بقاعدة التأدب مثلا ظاهرتنا الأولى، فبدل الوقوع في الحرج بإصدار أمر جافّ لقرين أو غريب يتم تهريبه في لباس سؤال.
هذه المقدمة لازمة لتناول ما أحدثته فتوى الشيخ السريري بخصوص المسح على الجوارب، فما الذي أغضب الكثيرين من كلام الرجل بالضبط؟ هل هو خطأ فتواه، أم أن كلامه خرق قاعدة ما عند الناس.
معلومٌ رأي الرجل في أن ما نصطلح عليه بالتقاشير لا يقع تحت مسمى الجوارب ولذلك يفتي بعدم جواز المسح عليها، وهذه فتوى فقيه تقع في دائرة المعتاد من عمله، لكن الجديد أنه قال بأن الصلاة خلف الماسح على التقاشير باطلة، وهذه الإضافة هي مصدر الغضب، لأنها، على عكس ما قد يعتقد البعض، بداهة، والتصريح بها شذوذ من الفقيه عن سلوك أهل العلم عموما.
فالمالكي والشافعي يرون أن الولي ركن في الزواج لكنك لن تجد أي عالم مستحق للوصف يقول أن الحنفي الذي يتزوج بغير ولي زواجه باطل وعشرته زنًا، فالفقهاء اختلفوا فحرم بعضهم ما رأى البعض جوازه، لكنهم كانوا يكتفون بذكر الحكم ولا يصرحون بلازمه، لأنه من الواضحات، ولأنهم يعلمون أن الأمر اختلاف في الاجتهاد، وكل مجتهد مأجور ولا أحد يستطيع أن يحمل الناس على رأيه، لأن الاجتهاد لا يكون إلا وفق أصل، والاختلاف في الأصل يستتبع اختلافا في الفتوى.
والعجيب في القصة أن الشيخ، الذي كان جزءٌ من سبب انتشار ذكره بين الناس هو كشفه لزيف دعاوى من يريدون تحويل “اجتهاداتهم” إلى يقينيات بتمريرها تحت عباءة “مذهب السلف”، قد وقع في المحظور وجعل يحكم ببطلان أعمال الناس بدل أن يكتفي بذكر منزعه.
وبما أن المناسبة شرط فقد كان بودنا أن نرى اهتمام الرجل بالتقاشير يمتد ليشمل أهالينا في غزة والذين لم نسمع منه حتى دعوة لهم على منبر أو في درس.