مصيرالمغاربة في سوريا
الوطن 24/ بقلم: نورالدين الحاتمي
الآن، وبعد أن إنتهت جماعة الدولة الإسلامية في كل من العراق وسوريا، وانفرط عقدها وتقطعت اوصالها، وعاد النظام السوري إلى إحكام سيطرته على كامل التراب السوري معلنا بذلك فشل المشروع [الصهيوصليبي] المتحالف مع الرجعية العربية، وفشل مشروع الثورة السورية المزعومة.
الآن، وبعد أن إنتهى كل هذا وأيقن الشباب العربي المسلم الذي غرر به و رمي في المحرقة، وتأكد له أنه كان ضحية مؤامرة شارك فيها جمع من رجال الدين ورجال السياسة، واجمعوا عليهم.
الآن، وبعد أن إفتضح كل شيء، وأصبح المغاربة الذين تورطوا في هذا الصراع وغرقوا في مستنقعه عالقين هناك، يقتل كثيرا منهم الندم والحسرة، ماذا سوف يكون مصيرهم؟ هل ستتخلى عنهم دولتهم ؟ هل ستتركهم لمصيرهم المجهول والمظلم ؟ وهل من المعقول أن يتم التخلي عنهم؟
موضوع المغاربة في سوريا بالذات، موضوع جدير بالإهتمام وحري بالمناقشة، لأن له طابعا خاصا، حيث خرجوا من وطنهم وإلتحقوا بتلك البؤرة على عين الدولة، التي لم يكن ممكنا لها منعهم. وهم إنما فعلوا ذلك تحت تأثير مخدر النصوص الدينية وأفيونها، الذي افرط الشيوخ في إستعماله وتوظيفه، وفعلوا ذلك بنوايا حسنة وطيبة، تتمثل في رغبتهم في دعم إخوانهم والوقوف معهم في مواجهة الات القتل الجهنمية التي يملكها النظام، ولا يملكون منها أي شيء.
لم يذهب المغاربة إلى سوريا ـ فيما أعلم ـ وهم يضمرون سوءا للدولة أو يحملون لها شرا، وهم إ نما سارعوا إلى هناك وحملوا السلاح ـ وليسوا جميعهم ممن حمل السلاح ـ من أجل نصرة شعب، صور الإعلام العالمي أنه على وشك الإفناء، وقد ندبهم إلى ذلك وحرضهم عليه شيوخ ينتمون إلى مؤسسات ودول، مما أقنعهم بأن الرحيل إلى سوريا والمشاركة في ثورة[[ مشروعة]] هو عمل مشروع.
بالنظر إلى القانون الجنائي وفلسفته، فإن الجرائم ذات الطابع السياسي ينبغي التعامل معها بكثير من الحذر، ويجب حمل تكييفها على ما فيه مصلحة المتهم، والذهاب إلى تمتيع المتهم فيها بأقصى ظروف التخفيف، وذلك لأن هذا المتهم إنما ورطه في هذه الجناية، أو تلك، حسن نيته ورغبته في تغيير منكر ـ كيفما كان هذا المنكر سياسيا أو غيرسياسي ـ
والذين التحقوا بسوريا لا يمكن إعتبارهم ـ تحت أي مبرر كان ـ مجرمين بمعنى كلمة مجرمين، لقد كانوا في الجملة يريدون حقا فأخطئوه وضلوا طريقه، وليس من أراد الحق فأدركه كمن أراد الباطل فأدركه .
والحديث هنا ينصب على الذين إنتبهوا إلى خطإما وقعوا فيه وسعوا إلى تصحيحه بأن خرجوا من سورية وتركوا تلك الفصائل المتناحرة فيها، وأعلنوا عن ندمهم على ما فعلوا، وأنهم ما كان ينبغي لهم الوقوع فيما وقعوا فيه.
وأعتقد أنه حتى في الفقه الإسلامي، من تورط في جريمة سياسية متاولا، يبث في أمره وينظر في شانه، ويعطى فرصة آخرى لتصحيح مساره وإصلاح حاله.
والمغاربة العالقون في سوريا أو الذين خرجوا منها، وهم راغبون في العودة إلى أوطانهم، بعد أن طلقوا تلك الافكار السامة والقاتلة، ونضجت عقولهم وفهمت أكثر، ينبغي أن يرحب بهم وأن يفسح لهم حتى يعودوا .
صحيح أن الدولة لا تمانع، من حيث المبدأ، أن يعود هؤلاء إلى دورهم ووطنهم، لأن هذا حقهم بالقوة قبل أن يكون بالفعل، غير أن الأمر هنا يتعلق بالمغاربة الذين تزوجوا من سوريات وانجبوا منهن، ولا تعترف الدولة بزيجاتهم ولا بأطفالهم من الناحية القانونية، فهؤلاء يطالبون بحقهم، بأن يصحبوا أطفالهم ونساءهم وأن ويعودوا بهم إلى وطنهم ـ قاعدتهم الخلفية. وهذا الأمر يحتاج من الدولة ، فقط، أن تتحمل مسؤوليتها حيال مواطنيها فتسوي وضعيتهم القانونية.
أن عددا من المغاربة خرجوا من سوريا، وهم يعيشون في إسطنبول ريثما تنظر الدولة في أمرهم، وهم لا يعترضون حتى على إعتقالهم وعرضهم على المحاكمة بل وقضائهم العقوبة المقررة في حقهم من قبل المحكمة. كل أملهم أن يعانقوا اهلهم وذويهم ويهنئوا بطعم الحياة معهم وبجانبهم .
إن اناسا نضجت أفكارهم واعتدلت واستوت، لا يمكن أن يشكلوا تهديدا لأمن وإستقرار البلاد، بل بالعكس قد يساهمواـ بطريقة وبأخرى ـ في ضمان هذا الإستقرار، ويساهموا في محاصرة هذا الوباء، بما اختبروه وجربوه، ومن رأى ليس كمن سمع، وليس الخبر كالعيان كما تقول العرب.
ومن جهة آخرى، فإن الأجهزة الأمنية في المغرب من القوة والتمكين بحيث يصعب إن لم يستحل على أية جهة، في مستوى السلفية الجهادية، أن تشكل تهديدا. والتهديد الوحيد والقادم هو الممثل في الحركات الإحتجاجية التي باتت أمرا واقعا وغدت لغتها لغة الغالبية من الناس.
الإسلاميون جميعهم، اليوم، لم يعودوا ـ بما فقدوه من المصداقية ـ قوة يحسب لها، فضلا عن شرذمة من الناس، يضخم الإعلام صورتها، ليمارس بها السياسة. السلفيون الجهاديون اليوم لا وزن لهم ولا قيمة. وبالتالي، فإن التخوف من عودة هؤلاء الشباب العالقين في سوريا وتركيا لا مبرر له.
أن بقاءهم هناك معناه فناؤهم وإنتحارهم، وإن إرجاع أو السماح بعودة هؤلاء إلى أرض الوطن، ليس فقط إنقاذا لهم، بل تشجيع للذين لا يزالون في الداخل السوري على أن يحذوا حذوهم، ويخرجوا من ذلك الخطر، خاصة وأن المتواجدين في سوريا يعيشون وضعا صعبا وسيئا للغاية، وهم محتارون بين أن يعلنوا رغبتهم في الإنسحاب من الحرب، التي لا ناقة لهم ولا جمل، وبين أن يكتموا تلك الرغبة إلى أن ينجلي الغبار فيتأكدوا من أن نضال إخوانهم في تركيا أتى أكله واثمر عودتهم.
إذا كان هؤلاء قد اذنبوا فإن الدولة تستطيع أن تعيدهم لتعاقبهم وسط أهلهم واقربائهم وتستطيع أن تأخذ منهم كل المواثيق العهود بما تراه هي مناسبا. المهم أن لا تتركهم فريسة لأعدائهم هناك، لقد كان الوطن ـ ولايزال ـ غفورا رحيما ، وقد غفر للكثيرين فليغفر أيضا لهؤلاء.