مغالطات بلال التليدي لإخفاء حقيقة الوهابية السرورية في الرد على مقال “شيعة المغرب.. ممانعة الواقع وانسداد الأفق”

الوطن 24/ بقلم: إدريس عدار*

نشر موقع عربي 21 يومي السبت 5 أكتوبر 2019 ( ) والاثنين 7 أكتوبر 2019 ( ) في إطار ملف عن “الإسلام السياسي الشيعي.. قراءات في تحولات السلوك السياسي” مقالا لبلال التليدي تحت عنوان ” شيعة المغرب.. ممانعة الواقع وانسداد الأفق”، وقد عنت لنا العديد من الملاحظات المنهجية والمعرفية، وهي متداخلة طبعا لأن صاحب “المكتوب” لم يضع أي ميثاق بينه وبين القارئ، حتى نستطيع أن نميز فيه بين المعلومة الصحيحة والاستنتاج الأصح، ولكن ملأه بكثير من التلبيس والغموض حتى يضيع المتلقي وسط استعمالات كثيرة لمفاهيم بشكل إنشائي أفقدتها مدلولها الحقيقي.
ويُقرأ النص من بوابته قبل الولوج إلى عمقه إن كان له عمق أصلا. في مفتتح حديثه تحدث عن الإرهاصات الأولى لاحتكاك الإسلام السياسي بالتشيع والثورة الإيرانية. لا يهمنا هنا التحليل الفارغ من المحتوى ولكن استعمال عبارة “الإسلام السياسي”. حين يستعمل “إخواني” عبارة “الإسلام السياسي” فهو أوتوماتيكيا شخص مدلس، لأنه هو جزء من الظاهرة. لن نكشف سرا إن قلنا إن بلال التليدي ظل لمدة طويلة عضوا في المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية (برلمان الحزب) وقياديا في حركة التوحيد والإصلاح وكاتب افتتاحيات صحيفة التجديد، لسان حال هاته الحركة، التي توقفت منذ سنتين تقريبا.
فصاحب “المكتوب” ينتمي للإسلام السياسي، ونافح كثيرا عن التيار رافضا هذه التسمية، التي أطلقها خصوم الحركة الإسلامية، واستعمال هذا المفهوم محاولة للتدليس، حتى يعتقد القارئ، الذي لا يعرفه، أنه كاتب محايد، وواقع الحال أنه جزء من لعبة مارست “التزييف” في حق التاريخ بل حتى الجغرافية، فهو صاحب كتيبات “ذاكرة الحركة الإسلامية المغربية”، التي جمع فيها رؤية حركته وحدها وسطى على كل إرث الحركة الإسلامية، التي لم يتعرف عليها إلا بعد أن تعرضت لعمليات النسيان.
لقد ارتكب الكثير من التفاهة وقلة العلم في المقال، الذي ملأه بكثير من البضاعة المسروقة، المسبوق إليها بكثير من الوقت بل حتى قبل أن يولد وُجدت كتابات في نفس السياق.
وحتى نحسم مع لقلقة اللسان والجمل الإنشائية والعبارات المسروقة نسائل الكاتب عن الجديد فيما كتبه؟ هل هناك معلومة جديدة أوردها اعتمادا على مصادره الخاصة؟ هل هناك فكرة أبدعها بناء على ما توفر بين يديه من كتابات سابقة؟ ما كتبه التليدي عبارة عن مسروقات مما كتبه السلفيون في منشوراتهم وهم طرف خصم معروف بالتطرف في الخصومة، ولم يضف التليدي سوى صناعة لفظية ليمنح لذلك المحتوى ما يوهم القارئ أنها مقاربة موضوعية.
والموضوعية هنا لا موضوع لها لأن التليدي في الوقت الذي حرص على إصدار حكم قيمة في موضوع ينتمي الى العقائد وعلم المذاهب كان يمجد في تنظيمه السلفي الذي له صلة بالسلفية الوهابية، لذلك حين أراد أن يتحدث عن زين العابدين سرور وهم متهمون بأنهم جماعة سرورية دلس على القارئ وقال حتى جاء الكاتب المعروف من المشرق.
قال التليدي في مقاله “وتعود الإٍرهاصات الأولى لاحتكاك الإسلام السياسي بالتشيع والثورة الإسلامية في إيران، إلى بعض مواقف مؤسس الحركة الإسلامية في المغرب، عبد الكريم مطيع في المهجر، ومحاولته مد الصلة بجهات دبلوماسية إيرانية بين سنة 1979 و1981، والتي كان من ممهداتها كتاب “الثورة الإسلامية قدر المغرب الراهن” الذي ألفه سنة 1980، ومحاولات لإدخال كتب ومجلات شيعية إلى المغرب، وهي المرحلة التي تحدثت فيها شهادات عديدة من قيادات ومراكز الحركة الإسلامية المغربية، عن بداية اختراق التشيع لبعض أطراف الحركة الإسلامية خاصة الوسط الطلابي.
بيد أن هذه المحاولة التي رصدها أحد الكتاب المشارقة الذين زاروا المغرب في هذه المرحلة، وساهم من خلال محاضرات وعروض لمواجهتها، ولفت قيادة الحركة الإسلامية في الداخل لخطورتها، لم تتكلل بالنجاح، بسبب اضطرار الأستاذ عبد الكريم مطيع للارتهان إلى جهة أخرى (ليبيا)، وإعلانه عن انتقاداته للثورة الإسلامية في إيران وللانحرافات العقدية لقادتها”.
ونحن نسأل لماذا أخفى التليدي إسم سرور، هذا الذي جاء بجواز مزور الى المغرب، إذ دخل باسم عبد الله الغريب، ليحرض المجموعة ضد ايران ابان الحرب العراقية-الايرانية في مهمة استخباراتية وهابية ثم سرعان ما تبنت “جمعية الجماعة الإسلامية”، وهي أيضا اسم مسروق من جماعة أبي الأعلى المودودي، أفكاره ونشرتها في جريدة الإصلاح وروج عبد الإله بنكيران، مؤسس الجماعة الإسلامية، في مكتبته المعروفة بديور الجامع بالرباط لكتاب سرور: وجاء دور المجوس، ولما نفذت نسخه التي كانت بالآلاف تم نسخه وتوزيعه كمنشور تعليمي داخل التنظيم.
ولكن التليدي يخلط بين المنقولات ويقدم صورة مخملية عن جماعته السلفية ويعتبرها سليلة السلفية الوطنية علما ان الربط بين الحاضر والسلفية الوطنية هي دعوة ونصيحة من بعض الكتاب الشيعة يتمنى فيها أن يتعلم هؤلاء من السلفية الوطنية، لكن جماعة التليدي التي تربى فيها كانت لا تبالي برموز السلفية الوطنية وتعتبرهم من علماء البلاط ولكن التليدي اليوم يحاول تحريف التاريخ وربط جماعته الإخوانية الوهابية على منهج سرور بالشرعية التي مثلتها السلفية الوطنية. ومن الخلط العجيب الذي وقع فيه التليدي الجاهل بالأديان والمذاهب أنه يعتبر أن قضية انتشار التشيع وانسداد آفاقه لها علاقة بطبيعة الاستغناء بالفقه والعرفان، علما أن العرفان كالتصوف ليس من ضرورات المذهب، ولكنه جعله من أسس المذهب وهذا جهل واضح بالمذهب، علما ان القضية منذ العصور الأولى تتعلق بالخلاف حول الإمامة كما في التاريخ وليس بما صارت إليه أحوال الإمامة بمفهومها التاريخي. وفي هذا تظل القضية لها علاقة بالقناعات حول خلافات تاريخية.
ومن مغالطات التليدي أنه يتحدث عن قضايا تتعلق بقناعات شخصية ولكنه يتحدث عن المغاربة كما لو أنّ القضية لها علاقة بشعوب وليس قناعات فردية خاصة، ثم بدل أن يظهر موقفه باعتباره موقفا تاريخيا لجماعته السلفية يحاول أن يمرر مغالطاته باسم الشعب المغربي وتارة باسم الدولة مع أنهم هو أنفسهم لا زالوا يشكلون حالة شاذة في المجتمع المغربي ويقدمون أنفسهم على أنهم يمثلون التدين المغربي، لكن تدين التوحيد والإصلاح هو تدين السرورية وليس السلفية الوطنية، وتدين جماعة إخوانية وليس تدين المغاربة، فلقد كانوا أول جسم غريب رفضه المغاربة لدا لجؤوا إلى التدليس وجعلوه أسلوبهم في الدعوة.
ما كتبه التليدي على الرغم من أنه منقول جملة وتفصيلا كعادته في السرقات الأدبية فهو يعبر عن موقف طائفي عقائدي لجماعته السلفية السرورية من مغاربة يخالفونهم الرّأي، ولكن جماعة التوحيد والإصلاح لا زالت تكتب تقارير بمواطنين مغاربة لمراكز وجهات خارجية وتعتبر ذلك وطنية، وهم منزعجون من كل المخالفين ولكنهم يدبرون خطابهم بلغة فيها الكثير من التدليس المصطلحي.
ثم انه يتحدث عن جماعته كما لو أنها منشقة عن الشبيبة الإسلامية وهذا غلط فهم سرقوا حركة وسطوا عليها، فالجماعة التي تم اختطافها والحركة التي تمت سرقتها تؤكد أن التليدي هو ابن نحلة تدليسية وهو لكي يعرف القارئ من هو، هو من الشباب الذين أحاطهم بنكيران به ويشكلون أبواقا للتمدح به، فالتليدي يستطيع ان يكتب تبجيلا عن شخص مثل بنكيران ويسميه زعيما وطنيا، ولديه كتاب موضوع على السريع في مدح بنكيران، ولكنه يستطيع ان يهجو مخالفا لنحلة جماعته فيزدريه، وهو يحسب نفسه صاحب رأي ولكنه ناقل وملفق رأي من خلال الخردة الموجودة بحنكة المدلس الناقل وليس المبدع صاحب الرأي المستقل .
أما ما يتعلق بقراءته السطحية في البعد السياسي فهي مكرورات مل منها القارئ ولا تقدم ولا تؤخر ولكن يبدو ان التليدي جاء متأخرا وهو يفوته التاريخ ويستحضره مجزوءا ومخلوطا كما لاحظنا ذلك.
إنه يقرأ المشهد السياسي بعيون طائفية بليدة ويسلك في طريق التكرار مسلك الحناطير
ليبقى السؤال: من هو الغبي الذي ينصت لكاتب هو ناطق عن جماعة سرورية وهابية عن جهة مخالفة بغض النظر عن مضمون وفكر هذه الجهة؟
مقالة التليدي فيها جبن وتملق لأنها تدخل الدولة طرفا في تعزيز وجهة نظر الجماعة الطائفية التي تعبر عن عقائد شاذة في المغرب ولكنهم حين دخلوا اللعبة السياسية كذبوا على المغاربة وأخفوا المصادر التي تمتح منها تجربتهم الملتبسة.
يوم زار مصطفى الرميد، القيادي في التجربة ووزير العدل حينها، دار القرآن، التي يتزعمها محمد المغراوي، تمدح فيه كثيرا، مع العلم أن هذا الشخص يمثل الوهابية التقليدية، وهو نفسه لما زار بنكيران طلب منه أن يدافع عن الإسلام برؤية الوهابية ويضمن له البقاء في الحكومة أبد الدهر. وكان عبد الإله بنكيران، لما سأله حميد برادة في برنامج تلفزي على القناة الأولى باللغة الفرنسية عن كاتبه المفضل، قال: ابن القيم الجوزية، تلميذ بن تيمية. أخفى حينها عنوانه الكبير لأن المفرنسين يعرفون صاحب الفتاوى الكبرى، ويعرفون أنه شيخ التكفير بينما لا يعرفون صاحب زاد المعاد.
لكن بعد أن دانت له الحكومة وأصبح يصول ويجول، قال في تجمع حزبي بمدينة أكادير إنه لا يخاف من القول بتبني أفكار بن تيمية والموت من أجلها.
العقائد التي تتبناها حركة التوحيد والإصلاح هي عقائد الوهابية السرورية، وليست عقائد الأشاعرة. فهذه النحلة خالفت المغاربة في مئات المسائل العقدية. وسبق للكاتب المغربي إدريس هاني أن فضح هذه الجماعة في كتاب ضخم من حوالي 800 صفحة تحت عنوان “سراق الله”، ولم يتم توزيعه إلا على نطاق ضيق جدا لأسباب تبقى غير معروفة إلى الآن، وفيه الصورة الحقيقية لجماعة لا زالت تدلس على المغاربة.
يتحدث التليدي بلغة المذهب المالكي تملقا وتدليسا لأنهم جماعة لا فقه لها وتمتح من الحنبلية الوهابية وكانت أول جماعة تنتهك المذهب المالكي، فمن عاد إلى خطاباتهم يدرك أنّهم كانوا يحيلون على فتاوى ابن تيمية مباشرة ومن دون واسطة.
وأكبر عملية تدليس قام بها التليدي على طريقة جماعته المعروفة بهذا النهج هو التعبير عن مواقف الجماعة السرورية كما لو أنها موقف المغاربة.
لقد وجدت الوهابية السرورية، نفسها محاصرة من المغاربة فاتجهت نحو الفصل بين العدالة والتنمية والحركة الدعوية التوحيد والإصلاح فصلا تكتيكيا ليس لأنهم يفصلون بين السياسي والدعوي – والتليدي مثال عن ذلك – بل لأن جماعتهم الدعوية جماعة مرفوضة وشاذة وغير مرغوب فيها عند المغاربة.
مارس خلطا عجيبا، فحديثه عن عبد السلام، مؤسس جماعة العدل والإحسان، وموقفه “الإيجابي” من الثورة الإيرانية، هو من باب التوريط لا أقل ولا أكثر، وإلا فإن شيخ الجماعة استوحى جل أفكاره من سعيد حوى وأبي الأعلى المودودي، وله موقف سلبي من التشيع عبر عنه في كتابه نظرات في الفقه والتاريخ وصف فيه الذهنية الشيعية بالتحجر على إفراد علي وبنيه بالإمامة مثل وراثة بني أمية للملك..والشأن نفسه يقال بالنسبة لراشد الغنوشي، الذي كان يبحث عن “مساند” رسمي مثل مساندي فرق الكرة، وكان يبحث عن التمويل ولما وجده في الرياض كتب مؤلفا تحت عنوان “القضاء والقدر عند شيخ الإسلام بن تيمية”. طبعا كاتب مثل بلال التليدي يمكن أن يجمع بين النقائض.
الباحث الموضوعي هو من يتخذ مسافات بينه وبين الموضوع، أما صاحب “المكتوب” فهو إبن حركة أخذت على عاتقها منذ البداية أن تكون خصما لمن انتقدهم، ولا يعود ذلك إلى أحداث الحرم المكي سنة 1987 كما زعم، لأن زيارة سرور كانت بداية الثمانينات وفق أجندة مدروسة. ولا يمكن أن يكون محايدا من تورط في تمجيد الإرهاب بل دعمه، ويكفي أن نذكر حادثة واحدة للدلالة على ذلك وإلا هو نفسه يسمي الأحداث الإرهابي ب”الثورة السورية”، فقد شارك أيام الثالث والرابع والخامس أبريل سنة 2012 باسطنبول في مؤتمر الحملة العالمية لنصرة سورية، الذي خرج بتوصية جمع التبرعات ومنحها لهيئة الشام التي هي جزء من تنظيم القاعدة.
وخلاصة الأمر أنها قراءة تتصف بالسطحية والتدليس واللعب بالألفاظ للإيحاء بالحياد والموضوعية، لقد التقطناه متلبسا في مهمة سرورية ملتبسة وكناطق عن منظمة وهابية وليس باحثا نزيها.
* كاتب صحفي