ملاحظات على الرؤية الاقتصادية لعزيز أخنوش

الوطن 24/ بقلم:عبد الرحيم العلام

عبد الرحيم العلام

في الوقت الذي يسود فيه السجال حول مواضيع أقل ما يقال عنها أنها هامشية، هناك سجال أهم يدور في أوساط صانعي القرار والفالعين السياسيين والاقتصاديين حول مغرب ما بعد كورونا، إذ شرعوا في التنظير لسبل معالجة الأزمة القادمة خاصة على المستوى الاقتصادي.

لكن للأسف جزء من هذا النقاش يظل نخبويا ولا يجد تفاعلا معه على المستوى الشعبي، رغم أن هذا النقاش هو ما سيقرر النموذج الاقتصادي لمغرب المستقبل.

فمثلا وبينما يتساجل الناس حول “القرفة”، نزل مقال مهم صاحبه يجمع بين كونه رجل سياسة ورجل اقتصاد، والحديث هنا عن مقال السيد أخنوش الذي يطرح فيه تصوره لما بعد كورونا.

مبدئيا هذا أمر محمود، أن يتقدم رجل اقتصاد وأمين عام حزب سياسي ببسط أفكاره أمام الرأي العام من أجل التفاعل، فهذا هو المطلوب، من أجل تسهيل التخاطب. لكن ينبغي تسجيل بعض الملاحظات:

الملاحظة الأولى: لم يستطع كاتب المقال أن يتطرق لأفكاره دون أن يربطها بالخطابات الملكية، فهو لا يكتب فكرة إلا وجعل مرجعا لها خطابا ملكيا ما، وكأنه يبحث عن شرعنة لفكرته من خلال الإحالة على الملك، حتى صعُب على القارئ التمييز بين أفكار صاحب المقال وبين الخطابات الملكية؛

الملاحظة الثانية: يتحدث صاحب المقال في الكثير من الفقرات مثل أي مواطن أو كاتب رأي، حيث يزخر مقاله بعبارات: ينبغي، ويجب، وعلينا…. والحال أنه ينتمي إلى حزب سياسي شارك في جل الحكومات منذ تأسيسه، وكان حريّ به أن ينفذ هذه “الينْبغيات” في مجال التعليم والصحة وووو؛

الملاحظة الثالثة: لا ينتقل الكاتب من فكرة إلى أخرى إلا بعد استعراض حجم من الإشادة بما تم إنجازه في العديد من القطاعات نتيجة “التفكير العقلاني”، لكن السيد أخنوش لم يتحدث عن الاخفاقات الكثيرة، سيما تلك المرتبطة بالقطاع الوزاري الذي يشرف عليه، ما دام المغرب الذي يعتبر فلاحيا، ومع ذلك لا زالت المنتجات الفلاحية تشكل نسبة 11 في المائة من واردته، ولا زال هناك عجز بين الصدارات والورادات عل المستوى الفلاحي، بل إن المغرب يستورد منتجات فلاحية كان في إمكانه تصديرها من قبيل السكر والزيت والحبوب والحليب؛

الملاحظة الرابعة وهي الأهم: يرفض صاحب المقال سياسة التقشف، قائلا: “يجب أن يتوقف ذلك الخطاب، الذي يولي الأسبقية لمداخيل الدولة ويضع على كف المعادلة الاختيار بين إنقاذ الدولة أو المقاولات. فالترويج لسياسة تقشفية يعتبر خطأً جسيما”، معتقدا أنه من غير الممكن استمرار “التحكم التام في عجز الموازنة العمومية”. وبما أن سياسة التقشف غير ممكنة حسب السيد أخنوش، فإن الحل هو بالنسبة إليه هو المزيد من الديون، ما دامت مجموعة من الدول قد لجأت إلى نفس الأمر، يقول : “إن مستوى الدين في لحظة ما لا يهم بقدر ما يهم منحى الدين على المديين المتوسط والبعيد. كما أن لجوء الدولة إلى الاقتراض من أجل التغلب على أزمة خارجية، لا مفر من تداعياتها، أمر جد طبيعي”. يرفض الرجل أن يكون للاستدانة معيار محدد، أو سقف معين، بل المهم هو إنعاش المقاولات. وهذا في حد ذاته توغل ما بعده توغل في الاقتصاد النيوليبرالي، الذي يهتم بالمقاولات على حساب العديد من المعطيات الأخرى وخاصة أنه يأتي على حساب مداخيل الدولة. فعندما يتحدث السيد أخنوش عن أن لا أهمية لمستوى الديْن وأنه يبنغي القيام بتجاوزات، فهو يشير إلى أنه ينبغي تجاوز القانون التنظيمي للمالية الذي يربط الاقتراض بحجم الاستثمار وأداء أصل الدين (الفصل 77).

كانت هذه مجموع ملاحظات حول المقال، حيث يبدو أن نخبتنا الاقتصادية والسياسية ستعيد نفس أخطاء الماضي، بأن تثقل ميزانية الدولة بالديون والمزيد من الديون، حتى يرتبط الاقتصاد المغربي أكثر بالخارج ويخضع لسياسيات المؤسسات الدائنة واشتراطاتها. فبدل أن نتجه إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وتجاوز التبعية، والابتعاد عن نمط الاقتصاد النيوليبرالي، ها نحن أمام أفكار تتحه مرة أخرى إلى الديون من أجل تجواز الأزمة، وكأنه لا حل إلا الديون الخارجية، وكأن أزمة كورونا لم تعلمنا أن التعويل على الخارج هو الفشل سواء.

للأسف، وبدل أن تكون نقاشات وحوارات حول هذه المواضيع وغيرها، التي تهدف إلى اجتراح المقترحات، والبحث عن سبل لتجاوز الأزمة، ومساعدة بعضنا ا علىض تجاوز المشكلات النفسية، فإن مواقع التواصل الاجتماعي ـ دون تعميم طبعا ـ مشغولة جدا جدا بمناقشة هل القرفة تقضي على الفيروس وهل الصيام يسببه؟ للأسف!