من أجل فهم فلسفة القيم

الوطن 24/ بقلم: الدكتور إدريس الكنبوري

هناك شعورعام اليوم في بلادنا بوجود كارثة أو أزمة. تشعر بذلك في أسلوب الحركة في الشارع وفي وجوه الناس، وعند جميع الأطفال بسبب توقيف الدراسة التي جعلتهم يدركون بأن هناك شيئا استثنائيا جدا يحصل.

لكن ردود أفعال المواطنين غير متوازنة. الجميع يشكو من طغيان الجشع والإحتكار والتسابق على المواد الإستهلاكية. هناك غياب الشعور بالحس الجماعي والتضامن والمواطنة.

ما السبب؟ أو الأسباب؟

الأسباب حضارية كامنة في الليبرالية المتوحشة، الليبرالية التي تشجع على الفردانية والتسابق ومن يكون الأول ومن يربح في حال خسر الآخرون.

لكن القيم الليبرالية وضعت لمجتمع الرفاه، مجتمع الوفرة، مجتمع الإمكانيات.

ولم توضع لمجتمع الأزمة، مجتمع الفقر، مجتمع الندرة.

لذلك ما أن تحصل أزمة حتى يفقد المجتمع البوصلة، لأن القيم التي تربى عليها وضعت لوضع غير هذا الوضع.

لقد أصبحت تلك القيم الصالحة لمجتمعات الندرة والتضامن قيما تقليدية، متخلفة، متجاوزة. لكن القيم الحديثة، المتطورة، تفشل في أدنى تجربة صعبة.

عندما لا تكون هناك قيم عليا، فوق الدولة والمجتمع، قيم دينية نابعة من المشترك الروحي، يتحول الإنسان إلى حيوان. كل قيمة غير دينية مصيرها الفشل، لأنها قيم نابعة من الداخل. بينما القيم الأخرى مصدرها خارجي مثل الدولة أو القانون، وعندما تتراخى الدولة أو يتراخى القانون يهجم الحيوان.

لقد رأينا أشرطة لأشخاص مصابين بكورونا يتعمدون إيذاء الآخرين عمدا في دول متقدمة معروفة باحترامها للقانون.

لأن القيم قيم مادية، ومن الطبيعي أن يقول في نفسه: نعيش جميعا أو نموت جميعا.

هذه ليست حالة عامة، لكنها دليل على عدم كفاية القيم الحضارية الحديثة.

ونحن اليوم في أصعب محنة، وفي اختبار شديد.

لقد هجمنا على القيم الدينية، وطالبنا بإلغاء التربية الإسلامية، ورفضنا التقاليد، ولكننا لم نضع بديلا سوى الانتهازية والفردانية.

ورفضنا السنة لحساب القرآن فقط، ولم ندرك بأننا اخترنا الأصعب: القرآن. فلم نخلق لا قيما من السنة ولا قيما من القرآن.

ورفضنا الأحاديث الكاذبة والخرافية عند مسلم والبخاري، ولكن رمينا الأحاديث الصحيحة في الزبالة، لأننا نريد أن نهدم فقط لا أن نبني.

وعلمنا أبناءنا كراهية تاريخهم وماضيهم وشوهنا رموزهم في عيونهم، لكننا علمناهم الكراهية فقط، ولم نضع لهم شيئا جديدا يحبونه.

في كل الأزمات الحضارية الكبرى تكون الأسباب ثقافية فقط، لا غير. واليوم أعتقد أن مهمتنا أن نعيد بناء. سلم القيم من جديد. آن الأوان لكي نتوقف عن الندب أو الكيد أو الصيد في الماء العكر، وأن نفكر في أنفسنا بشرف وأمانة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *