من خطوات التأسيس الأولى للحركة الإسلامية المغربية (9)

الوطن24/الشيخ عبد الكريم مطيع
كان الهدف في مرحلة التأسيس أن تغطي حركتنا كل المجالات الاجتماعية، ولو ببذرة يسيرة تنمو مع الزمن، كي تتسع حاضنتنا في وسط سبقتنا إليه التنظيمات اليسارية (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية)، والشيوعية (حزب على يعطة)، والوطنية (حزب الاستقلال)، والماركسية المتطرفه (حركة إلى الأمام بامتداداتها بين طلبة الثانويات ذوي النزعة الثورية العنيفة)، وكان مشاعا بين العامة والخاصة أن المتدينين متخلفون ومتزمتون وغير منفتحين، فرأيت أن أكسر الحصار المضروب علينا بهذه الأحكام الاعتباطية المسبقة بأمرين:
أولهما أن يحاول الطلبة والتلاميذ تخصيص قاعات للصلاة في ثانوياتهم وإعدادياتهم باتفاق ودي مع مديري هذه المؤسسات وحراسها العامين، الذين كانت لي بهم صلة ود وتعاون إداري، كلما تعذر عليهم حل بعض المشاكل المتعلقة بإداراتهم أعنتهم عليها، وقد نجحت الفكرة فلم تمر فترة شهرين أو ثلاثة حتى كانت أغلب المدارس الثانوية والإعدادية بها قاعات للصلاة يشرف عليها أبناؤنا.
والثانية إظهار حركتنا بمظهر لا يعادي الفنون الثقافية المعاصرة السوية فكرا وأخلاقا، كي تنفتح لنا القلوب والعقول والمجتمع، وكانت مدرسة أبي ذر الغفاري الابتدائية بحي مارتيني نقطة البدء في هذه المسيرة، مع تجربة لي سابقة في عهد الاستعمار إذ كنت في حوالي السادسة عشرة من عمري عضوا بفرقة المنار المسرحية التابعة لحزب الاستقلال، وشاركت بدور ثانوي في عرضها لمسرحية “مسمار جحا” للكاتب الشاعر المسرحي الحضرمي علي أحمد باكثير، وكان من مسؤولي الفرقة حينئذ محمد التازي (الدكتور فيما بعد)، ومحمد الكتاني (عضو الديوان الملكي في عهد الاستقلال)، والمخرج أحمد العبدي الركيبي (نائب مفتش التعليم العربي في المكتب التربوي الذي كنت أشرف عليه قبل خروجي من المغرب). وتجربة أخرى لي في نفس المرحلة الشبابية في مجال التدريب على رياضة الكاراتي ببعض نواديها.
مناسبة ما ذكرت أنني عند ما كنت أجالس خلية معلمي مدرسة أبي ذر الغفاري بحي درب مارتيني التي أسسها ويشرف عليها الأخ محمد الرامي وكان من كرام إخوتنا جدية وحياء وثقافة وتضحية، وجرى الحديث عن الانفتاح على المجتمع اكتشفت أن معنا في الخلية أخوين أحدهما ممثل في فرقة مسرحية رائدة وله علاقة صداقة بمدير المسرح البلدي الوحيد بالدار البيضاء المقام منذ عهد الاستعمار، والثاني مدرب كاراتي في بعض نواديه، وتمخض الحديث بيننا في الخلية على أن يقوم الأخ الممثل بتكوين فرقة مسرحية تعرض فصلا من فصول مسرحية “ملحمة عمر بن الخطاب” لعلي أحمد باكثير، وأن يضاف إلى ذلك عرض لرياضة الكاراتي تقوم به مجموعة من الإخوة المعلمين يدربون عليها. على أن يقوم الأخ الممثل بتذليل صعوبات الحصول على موافقة مدير المسرح البلدي وتساهله في قضية الرسوم المادية المقررة للعروض المسرحية عادة، إلا اننا وجدنا عند المدير أكثر مما أملناه إذ أعفانا من جميع الرسوم المستحقة، فتمت العروض المسرحية والرياضية على شكل أعراس امتلأت بها أركان المسرح البلدي وضاقت على سعتها بآلاف الحضور الذين سعدوا برؤية شكل جديد من الفن الإسلامي الملتزم.
إلا أن هذين النجاحين كان لهما عواقبهما الإيجابية والسلبية، في المجال السياسي لدى الأحزاب القائمة، ولدى الأجهزة الرسمية عليا ودنيا، وعلى صعيد المؤسسات التعليمية بين الطلبة والأساتذة والمديرين، مما قد تتاح ظروف شرحها مستقبلا إن شاء الله