موت الفنان.

الوطن24/ بقلم: ادريس الروخ
انتهى كل شيء ولم يعد بين الانسان والإنسان أية صلة، تكسرت بنية حياتنا وتلاشت وارتطم كل جزأ منها بقلوب سوداء وعقول متحجرة، انتهت حكايات الاحساس والحب والعقل والتواصل والتقارب والتعاون والاتحاد.. وما الى ذلك من كلمات لم يعد لها اَي معنى في قواميس اللغة اليومية التي ما فتئنا ان أصبحا نغرق في دهاليزها،
لا شيء يمكن فعله بعد. انتهت اللعبة والكل دخل دائرة الموت البطيء، يحيلنا مجتمعنا إلى قطع غيار مستعملة غير صالحة للدفع بعجلة التنمية، فكل شيء تحول فجأة إلى معدن رخيص صدئ مصيره مقبرة الأغراض المنبوذة حيث يرمى فيها ليلقى حتفه رويدا رويدا، ويلعب به الزمن كما لعبت به الأقدار المبرمجة على تعكير وتعتيم وتشويه صورة الفن والفنانين،
شرخ كبير في داخلنا وجرح أعمق في قلوبنا وكسر خطير اصاب عمودنا الفقري …تعفن المخ ولم يعد لديه القدرة على التمييز بين الكائن والممكن.. بين الفعل ولا فعل بين الحقيقة والسراب بين العدل والظلم بين الانسان وشبيهه…بين واقع كنا نعيشه املا في ان يتغير إلى حلم كنا نحمله وبين خيال منبعه كوابيس مقرفة تحولت في لحظة إلى واقع مرير..
في زمن قياسي تحول الحب الى حقد.. والحقيقة لم يكن للحب موطن أصلا.. فقط انكشف الغطاء وأبان عن شيء لم نراه من قبل، اتضحت الصورة بفعل ما يحدث حاليا من تقلبات وتحولات اجتماعية في ظل أزمة تحديد الوجهة مكان ما، وعوض ان يبقى المعدن براقا كما رأيناه وأصيلا كما اعتقدنا وحقيقيا كما ظننا، تبدد البريق وعاد المعدن الى موطنه وأبان عن طينته الموغلة في الوحل..
ان ما يعانيه مجتمعنا من انخراط البعض في تدمير البعض الاخر ..وصراع للتواجد بصيغة الآنا الموغلة في الحقد والتعالي والسيطرة على المعلومة وعلى نشرها وعلى توسيع دائرة الاستيطان في المنظومة المجتمعية حاليا، ليس له في الأصل تفسير واضح ، وليس له علاقة مباشرة مع مرض بعينه (…)، – وان كانت علاماته قد باتت وأعراضه قد اتضحت اكثر من اَي وقت مضى – انها حالة مترسبة في عقول من لا قلوب لهم وفي قلوب من لا عقول لهم (وهده الفئة وان كانت قليلة فتأثيرها على المشهد العالم لحياة المواطنين يكون بليغًا خصوصًا في زمن التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي وفي ظل الغموض الدي يطال مستعملي الإنترنيت والدين لهم القدرة على زرع جذور الفتنة داخل مجتمعنا منذ زمن طويل والذين تفننوا في الركوب على الأخبار المبهمة والمعلومات الخاطئة وفي احيان كثيرة تغيير الحقائق ( المبنية على نية سليمة ) الى حقائق فاجعية بعد تلوينها وتغيير موقعها وخلق مساحة شك حولها..
وبالأخص الأخص عندما يصلون بفيروساتهم القاتلة الى من كنا نعتقد انهم من دعاة الحرية والكرامة والدفاع عن الحقوق والذين ضننا (وضننا خاب خيبة كبرى) ان لديهم مبادي لا يستطيع أحد او تيار او اتجاه او مرض كيفما كان ان يتسلل إليهم ويستحوذ عليهم ويغير مابداخلهم وفي رمشة عين ينقلب على نفسه وعلى من وثق به ليتحول الى ذئب في صورة حمل.
فأين نحن من الفن إذا كانت عواصف الجهل وتسونامي السياسة وإعصار المبالغات الكلامية بالفضاء الأزرق تدفعنا للاستسلام – بحجج واهية – والانقلاب على رؤوسنا كالنعام وتشكيك الناس فيما نحن نؤمن به من اجل حياة الفنان دون الحط من كرامته وترك يديه ممدودة لطلب الاعانة ونشر صورة لاستعطاف القلوب وخلق الحدث ودون الحاجة للبكاء والتشهير والانحناء رغبة في كسب عاطفة الاخر. يقول مارتن لوثر كينج: لا يستطيع أحد أن يمتطي ظهرك إلا إذا انحنيت له.
فالعظمة لا تخلق من فراغ انها تأتي من عقل وقلب مؤمن بالحرية، مؤمن بالمغامرة والدفاع عن الاخر، والوثوق بقدرة ما تنتجه من فن في تغيير الطباع وانطباع الاخر عنك وعن ابداعك وحثه على التساؤل والدفع به الى الحياة بدلًا من ان يدفعك الى الموت.
فالفنان يحيى بفنه وافكاره واعماله وجمهوره ولا يستطيع ان يبني احلامه على ارض الواقع إذا كانت احلامه مجرد سراب لا يستطيع الإمساك به..
فإما أن تكون كما قال شكسبير او لا تكون، وخير لك ان كنت ستكون ذميما حقيرا جشوعا طموعا ضعيفا للمبادئ متنازلا مدبرا وليس مقبلًا (…)الا تكون