مِنْ على الكُرْسي … المشهد الأول

الوطن 24/ بقلم: ذ. ادريس بن شامة Minalakorssi@gmail.com

      كرسي بحديقة دأبت على الجلوس عليه للتمعن والتفكر في خلق الله، في الحقيقة لم يعد كما صممه صانعوه لأنها نزعت منه بعد الخشبات، وهكذا كل شيء عمومي في بلدي لا يبقى سوى ايّام وايدي التخريب تطاله.

      هذا الْيَوْمَ كنت جالسا رفقة صديقي مراد نتحدث ونتدارس أمورا شتى؛ وبغية الجلوس في الهواء الطلق لأجل الزيادة في الوقاية والحماية ضد هذا الوباء الذي يجتاح العالم.

      جلسا هذا اليوم في الكرسي الذي بجوارنا شابان في الثلاثين من عمرهما، شاب ممسك بدخينته ((سيجارته)) يمتصها مصا، وينفت دخانها في الهواء، الذي كانت تحمله رياح خفيفة في اتجاهنا، حتى إننا تضايقنا من رائحة التبغ.

قال لي مراد: هربنا من المقهى وفضائها الملوث وجلسنا على كرسي الحديقة في الهواء الطلق رغم ما أصابه من تخريب، وتبعنا الدخان إلى هنا.

       ليت الأمر يقف عند هذا الحد، بل إن صاحبنا رمى عقب الدخينة مشتعلة على الأرض، فالتقطها صبي صغير لم يبلغ السنتين من عمره يلعب بالقرب منا، ووضعها بين شفتيه مقلدا المدخنين.

         لم أتمالك نفسي ونهضت مسرعا، واتجهت نحو الطفل وانتزعتها منه ورميتها في سلة المهملات القريبة بعد أن أطفأتها؛ عسى أن يقلدني ذالك المدخن ونظرت إلى صاحبنا دون أن أكلمه ولسان حالي يعاتبه ويؤنبه.

 قال لي: اسمح لي، أهو ابنك؟ وأردف دون أن ينتظر جوابا إنها العادة ((البلية)) اعذرني.

 جلست مكاني دون أن أنبس بكلمة وكان خطأي فيما ظننت بعد ذلك.

         فارقت صديقي وعشرات الأسئلة على مثل هذه السلوكات المنحرفة من مدخنين عديمي اللباقة الذين يشاركون غيرهم دخان دخائنهم. وآخرون خُرقا وبلهاء يرمون أعقاب سجائرهم مشتعلة أمام أطفال صغار أبرياء؛ وهم بهذا الفعل كمن رماها في بستان فيه أشجار أوشكت على إنضاج ثمارها فحرقها.

       سألني ذلك الاخرق أهو ابنك، وإن لم يكن ابني فهو ابن المجتمع وكلنا مسؤولون على تربيتهم وتنشئتهم تنشئة سليمة.

     أنا هنا لن أتكلم عن أضرار التدخين وأعدِّدُها، ولن أذكر آراء الفقهاء وعلماء الدين.

    – أن تدخن التبغ او أشياء أخرى هذا شأنك !

    – أن تضر بصحتك هذا شأنك !

    – أن تبذر مالك في هلاك صحتك هذا شأنك !

    – أن تكون رائحة فمك كريهة، ونَفَسُكَ كريه مهما استعملت         

          من مطهرات وأدوية هذا شأنك!

      ولكن تَتَبَّع السلوك الحضاري وحسن لباقة المدخنين في احترام الغي، قد تقولون لا توجد فضاءات خاصة بالمدخنين مثل البلدان الأخرى. نعم وقد أخبرتني ابنتي ا التي تدرس بالخارج ذات يوم، عن أماكن خاصة بالمدخنين. وقد أرسلت لي الصور اللاتي أرفقتها مع هذا المشهد.

      حكت لي وقالت: كنت ذاهبة إلى المعهد الذي أدرس به؛ وكان الطريق الذي أسلكه يمر وسط حديقة عمومية، والجو بارد فرأيت أناسا متحلقين حول مرمدة ((طفاية السجائر))، لم أتبينها أول الأمر، وحينما اقتربت منهم رأيتهم يدخنون وينفضون سجائرهم داخل المرمدة، وعندما ينتهي أحدهم يرميها داخل السلة ويكمل طريقه.

      بحثت في الأمر-اضافت ابنتي- فلاحظتُ أن بكل باب مؤسسة وبناية مرمدة، ومع كل سلة مهملات مرمدة. وأن الناس هناك لا يدخنون في الشارع العام، إلا في الأماكن المخصصة لذلك.

      لنقارن هذا السلوك بالذي سلكه صاحبنا، اننا نراه في كل مكان؛ نراه في الحديقة والمقهى والشارع ودور السينما وقاعات العروض وقاعات الافراح وحتى المستشفيات والمدارس، بل حتى داخل بيوتهم مع افرد أسرهم ووسط فلذات أكبادهم.

      لنغير سلوكنا، فنحن أولى بالنظام من غيرنا، ولنا عزيمة وإرادة أكبر من سوانا. ألا نصوم رمضان ونمتنع عن الاكل والشرب، وأيدينا تصل الى الطعام، ونشتهيه ولا نأكله. ألا يلهب الظمأ جوفنا والماء بين أيدينا ولا نقدر أن نشربه. فكيف بدخينة ((سيجارة)) نعرف أنها تضرنا في صحتنا وتسبب لنا أمراضا خطيرة باعتراف صانعيها ومنظمات الصحة العالمية والجهوية.

     يكفينا ضررا لأنفسنا وغيرنا وصغارنا. ولنقف نفكر قليلا ثم نبدأ. هذه نقطة من أجل النهوض والرقي بمستوانا، ومجتمعنا.

      وأنتم يا أصدقائي ما رأيكم في كل هذا؟ ايمكن ان يبدأ التغيير من هذه النقطة. المهم ان يبدأ كل من نفسه وكما قال الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11]

     انتظرونا..، في هذا الركن على جريدتنا الالكترونية الوطن24 وكل سبت، لعل الحياة تجود علينا بمشهد أفضل، وبموضوع للدراسة والنقاش أحسن، فلا تنسوا التفاعل معنا.  فنحن ننتظر اقتراحاتكم، آراءكم، مشاهد ترونها أفضل وافيد.