مِنْ على الكُرْسي. …المشهد الثالث

الوطن 24/ بقلم: ادريس بن شامة Minalakorssi@gmail.com

 بعدما قضيت في المسجد حق الله بصلاة المغرب في جماعة وبعدها الرواتب والسنن، خرجت إلى الحديقة – وإلى الكرسي الذي كنت حدثتكم عنه في المشاهد السابقة – لأقضي فيه حق النفس بالتأمل، وأنا على وشك الجلوس التقيت بزميلن عزيزين عليّ، جلسنا وبدأنا نتكلم عن اقتراب شهر رمضان وحال الناس فيه والصلاة والصيام. وخصوصا في ظل هذا الوباء الذي تجاوز عامه الثاني؛ ندعو الله أن يرفعه عنا ونحن في سلام وصحة.

قال أحدهما: (((واحد اللحية ولد الدرب شافني في اليوم الأول من رمضان ما قبل الماضي فجامع، وبدأ كيخنزر فيا زعما هو الأصل والباقي تقليد.)))

     فتحدث صديقنا مراد وقال اسمعوا حكايتي …

جافاني النوم في احدى الليالي، وأرقت ولم أستطع إلى النوم سبيلا، ورأيتني أسافر في الزمن، تارة في الحاضر، وأخرى في الماضي، والمستقبل. أسترجع ذكريات كانت قاسية علي، وأستحضر مستقبلا مخيفا موحشا مقفرا.

     وبت ليلتى أتقلب في فراشي، لم يرتح لي جنب ولا عرفت السكينة والراحة. وبينما أنا على هذا الحال إذا بي أسمع النداء: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.

   كم كانت فرحتي ﻋظيمة، وكبيرة حين اختطفني وأخذني من وساوسي التي كبرت مع طول الليل حتى صارت موحشه مقفرة. كانت أول ليلة أسمع فيها الآذان من غير شهر رمضان، وكنت أظن أن آذان الفجر لا يرفع إلا في الشهر الفضيل. تحاملت على نفسي، وتوضأت وأنا الذي ودعت صلاتي ووضوئي مع صلاة عيد الفطر.

حسبت أني سأجد الطريق المؤدية إلى المسجد مملوء بالمتوجهين إليه، وماهي إلا خطوات معدودة حتى كنت داخله.

      توقعت أني سأجده غاصا بالمصلين، وأنهم سبقوني إليه؛ لم أجد إلا أناسا معدودين أكثرهم شيوخا وكهولا.  نظروا إلى وحال لسانهم يقول ما الذي أتى بك، أنت من زبائن شهر رمضان، كان الاستغراب باد على وجوههم إلا رجلا واحدا نظر إليّ بوجه باش، منتحيا قليلا ليفرج لي مكانا قربه؛ صليت تحية المسجد وركعتا الفجر وجلست بجانبه أنتظر خروج الإمام من مقصورته لأداء صلاة الصبح.

     أسرّ الي الرجل: (أنت في بيت الله يا ولدي، وها هي مائدة الرحمان مبسوطة أمامك فانهل منها).

تساءلت في خاطري: لماذا يواظب هؤلاء على صلاة الصبح في وقتها ومع الجماعة في المسجد؟ ألأنهم بلغوا من السن عتيا، وينتظرون زيارة الموت؛ وإذا كان كذلك:

 – فهل أنا مطمئن على نفسي بأن لا يأتيني ملك الموت ليأخذ روحي في هذا السن! ؟

 – وما الذي أرقني إلا التفكر في موت تلميذ من تلاميذتي الصغار! ؟

  – وما الذي أرقني إلا فراق صديقي الذي فاجأه الموت بالذبحة الصدرية وهو الذي كان يتمتع بصحة وافرة! ؟

– و ما الذي أرقني سوى إصابة زميلتي بمرض عضال! ؟                          

أقيمت الصلاة وأخذت مكاني بين مصلي الصف الأول، وما هو إلا صف واحد، وكان صوت الإمام نديا واضحا يدعوك إلى الخشوع والطمأنينة، ونزلت عليّ آيات القرآن الذي تلاها في الركعتين بردا وسلاما، شعرت بأن الله يخاطبني بهما مباشرة، ولن انساهما ماحييت.

قال الله تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا) سورة النساء الآية: 78

وفِي الركعة الثانية تلا: (۞ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17) سورة الحديد

    ومن ذلك الوقت يا صديقيّ عرفت صلاة الصبح مع الجماعة، وعرفت حلاوتها والراحة التي تأتي بعدها.    

     وأنا دائما اتساءل ماذا يمنع الناس من أدائها في المسجد؟

      تدخل صديقه الذي يجلس بجانبه: قلة الأمن. الإنسان يخاف على نفسه إن خرج اليها ليؤديها في المسجد.

–          أجابنا: كل هذه اوهام ‏نمني بها أنفسنا؛ وكيف يتسلل قاطع الطريق وجميع أهل الحي متوجهون إلى المسجد في وقت واحد، كما نفعل في رمضان.

إن صلاها الناس جماعة تزداد المحبة بينهم، واسأل. مرتادي المسجد لصلاة الصبح كم الصِّلة بينهم متينة وقوية، بل أن احدا منهم إذا لم يحضر، ذهبوا ليسألوا عنه، وأعانوه إن كان في حاجة.

        فلو كنّا يا صديقيّ جسدا واحدا يتعاون جميع أعضائه على صحته ويسهرون عليه، إذا تداعى منه عضو من أعضائه، لاستتب الأمن، وقضي على الفقر، وما بقي أحد في حاجة، ولكن النفس الشريرة هي التي توجهنا، ومتى تغيرنا إلى الأفضل سننعم بالخير والسعادة.

        وأنتم يا صدقائي ما رأيكم في كل هذا؟ أيمكن أن يبدأ التغيير من هذه النقطة. المهم أن يبدأ كل من نفسه وكما قال الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11]

      انتظرونا يوم السبت القادم، في هذا الركن على جريدتنا الالكترونية الوطن24 وكل سبت، لعل الحياة تجود علينا بمشهد أفضل، وبموضوع للدراسة والنقاش أحسن، فلا تنسوا التفاعل معنا. فنحن ننتظر اقتراحاتكم، آراكم، مشاهد ترونها أفضل وافيد.