نتائج إحراق “إحياء علوم الدين”

الوطن24/الدكتور محمد وراضي 

سوف لن أبالغ إذا قلت: إن كتاب ” رأس المال” لكارل ماركس بالنسبة للنظام المغربي على عهد “سنوات الجمر”، ككتاب “إحياء علوم الدين” بالنسبة للنظام المغربي في عهد المرابطين. فالأول من خلال متبنيه، يهدد الاستقرار السياسي! في حين أن الثاني من خلال متبنيه، يهدد الاستقرار الديني. وفي الانتقادات التي وقع عليها اختياري، والتي وجهتها إلى الغزالي باختصار – مع أنها ليست الوحيدة – ما يكفي للتدليل على الأفكار الظلامية التي حملها كتابه إلى المغرب. أما إبراز أثرها الخطير، فيمر عبر محاولة الكشف عن بعض من نتائج إحراقه باختصار.

نتساءل أولا عن الفائدة من وراء إحراقه، وآلاف من نسخه بين يدي القراء في العالم الإسلامي كله؟ أو لم يكن إحراقه كتابة بالرد على صاحبه أجدى من إحراقه بالنار؟ أو ليس بإمكان الأمير المرابطي علي بن يوسف إحداث لجنة من العلماء، ويكلفها رسميا على رؤوس الأشهاد بالنظر في “الإحياء” حتى إذا ما انتهت مما كلفت به، نشرت النتائج التي توصلت إليها كي تصل إلى أيدي الناس، فيطلع عليها العامة والخاصة؟

إن ما قامت به الدولة والفقهاء، أدخل كتاب أبي حامد الغزالي في إطار هذه المقولة السائرة  “كل ممنوع متبوع”! ففي “التشوف إلى رجال التصوف” لابن الزيات المتوفى سنة 617ه، والذي حققه وزير الأوقاف الحالي: أحمد التوفيق، نقف عند كيفية إقبال المتصوفة المغاربة عليه، مع أن الدولة حذرت الجميع من تداوله والترويج له.

قال أبو محمد عبد الله المليجي: “حدثني علي بن عيسى عن شيوخه أنه لما أفتى الفقهاء بمراكش بإحراق كتاب “الإحياء” للغزالي، فأحرق بصحن جامع السلطان، سأل أبو محمد عن الذين أفتوا بإحراقه، فكان كلما سمي له واحد منهم دعا عليه، ثم قال: والله لا أفلح هؤلاء الأشقياء! فما انقضى شهر حتى مات جميع أولئك الفقهاء”[1]!

وهذه الأقصوصة بالرغم من قصرها، طليعة من طلائع الفكر الظلامي الذي حمله “الإحياء” إلى المغاربة! أما الأقصوصة التي تليها فأغرق من أختها في الظلام!

قال أبو الحسن علي بن إسماعيل بن حرزهم، أحد شيخي أبي الحسن الشاذلي كما سوف نرى: “اعتكفت على قراءة “إحياء علوم الدين” للغزالي في بيتي مدة عام، فجردت المسائل التي تنتقد عليه، وعزمت على حرق الكتاب، فلما نمت، رأيت قائلا يقول: جردوه واضربوه حد الفرية! فضربت ثمانين سوطا! فلما استيقظت، جعلت اقلب ظهري، فوجدت به ألما شديدا من ذلك الضرب، فتبت إلى الله تعالى مما اعتقدت، ثم بعد ذلك تأملت تلك المسائل، فوجدتها موافقة للكتاب والسنة”[2]!

مما يتضح معه اختلاط اليقظة والحلم عند الرجل، هذا الاختلاط الذي أذكاه تردده بين القبول ب”الإحياء” وبين رفضه! فانتصر الحلم عنده على اليقظة، أي انتصر اللاوعي على الوعي، واللاشعور على الشعور! فصح اتجاه المتصوفة إلى الأخذ القاطع بأضغاث الأحلام! ومن هنا صحت جميع الأحاديث المكذوبة في “الإحياء” عند صاحبنا الحالم! وصح عنده الانقطاع إلى العبادة في دويرات أشبه ما تكون بمساجد الضرار! وصح عنده إمكان الاطلاع على الغيب! وصح عنده التوحيد الخالص الذي لا يرى فيه الموحد حتى نفسه، لأنه فني عنها وعن غيره، بحيث إنه لا بقاء ولا وجود إلا لربه! وبعبارة واحدة: صح عنده كل ما انتقدناه على الغزالي، وصح عنده ما لم ننتقده عليه تجنبا منا للإطالة!

فسار في طريق احتضان “الإحياء” واعتناقه، والإقبال على قراءته، والعمل بما فيه، عشرات المغاربة من المتصوفة المزعومين، وقد يحتضنه بعد ذلك المآت إن لم نقل الآلاف، ولا تزال فرق ضالة حتى الآن بين ظهرانينا تعض عليه بالنواجد مع التقديس الذي تكنه للكتاب ولصاحبه! دون إغفال الإشارة إلى أن جل الأضرحة التي رفعت فوقها القباب تعود إلى الغزاليين الذين تشبعوا نظريا وتطبيقيا بالمحتوى الظلامي خاصة لكتاب “إحياء علوم الدين”!

فما هي الظلاميات المثيرة للانتباه في “التشوف إلى رجال التصوف”، والتي يحلو للبعض أن يصفها بالكرامات؟ وما مكانة من تنسب إليهم هذه الكرامات التي احترمها واحترم أصحابها الصوفي البودشيشي وزيرنا في الأوقاف؟ والحال أنه مهتم عندنا في بلدنا بإصلاح الشأن الديني! مع ما له من سلطة صورية، ومن نفوذ صوري محدودين كباقي الوزراء الذين لهم صلة وثيقة من قريب أو بعيد باستمرار وجود الفكر الظلامي الديني على قيد الحياة؟ والأمر هنا يتعلق بوزير التعليم، ووزير الثقافة، ووزير الداخلية؟

إن الظلاميات المثيرة للانتباه في المؤلف الذي حققه المسؤول عن تنظيم الشأن الديني بالمغرب، لا يمكن لنا حصرها جميعها في عجالة من الكلام، غير أننا سنعمل على تقديم نماذج منها باختصار شديد:

1-أهل أغمات حتى حدود 617ه يستشفون بتراب قبر ابن سعدون! ويعلم الله وحده، كم مر استشفاؤهم به، ربما إلى الآن؟ فقد حكي أن فقيها من فقهاء البلدة، وقف عند قبره، فسمع بعض الصالحين يتكلم معه! فقال له ذلك الصالح: سمعتك تتكلم عند قبر ابن سعدون. فقال له ذلك الفقيه: أنت رجل صالح، ولولا ذلك ما حدثتك، فاكتم علي: أشكلت علي مسألة، فبحثت عنها فلم أجدها، فأتيت قبر ابن سعدون، فذكرت له المسألة، فقال لي في قبره: أطلبها في الديوان الفلاني”[3]!

وهنا أقول: إن الأرواح بعد الموت تنفصل عن الأجساد، وأن أرواح الصالحين بالذات  – لا أرواح الزنادقة العصاة – تنتقل إلى الملأ الأعلى، وأن عودتها إلى أجساد أصحابها داخل القبور عودة غير واردة! فلا الدين يؤيد! ولا العقل يؤيد! ولا التجربة تؤيد! وإلا فأي دليل يعتمد لدى المدعين بأن الأولياء يتحدثون في قبورهم مع من قصدهم في مسألة ما؟ وهل بلغ إلى علم أي كان أن الرسول ص بعد التحاقه بالرفيق الأعلى، كان رهن إشارة الخلفاء الراشدين بالذات، لتقديم أنجع الحلول لما كان ينتصب أمامهم من مشاكل وما أكثرها! إذ لو كان الحس الديني النقدي حاضرا لدى محقق الكتاب لأدرك خطر الشباك التي نشرها الصالح والفقيه المزعومان. نقصد الشباك المعدة لاصطياد المخدوعين في زمن تستهوي النفوس فيه الخوارق والغرائب! فالصالح والفقيه بعد انتشار الحكاية الملفقة، سيجنيان ماديا ثمار ما صدر عنهما ووصل إلى العامة والخاصة! كما سيجني القيمون على ضريح ابن سعدون المتكلم في قبره، ما يجنيه في الوقت الحاضر القيمون على ضريح عبد السلام بن مشيش! وأبي يعزى! وأبو شعيب الدكالي دفين مدينة آزمور! إنه مال حرام يدفعه الأغبياء والمغرضون، ليشتد الصراع العلني أحيانا من فرط ما يسيله من لعاب، بين حفدة الصالح المقدس المزور المفترض؟

يا لهول ما جرى ويجري! ويا خسارة لمن فاتهم العلم بحقيقة ما كان وما هو كائن الآن في الدوائر الصوفية! وفي محيط أضرحة المنعوتين بأولياء الله الصالحين! تتحدث الطبقات المثقفة ذاتها من منابر إعلامية عدة عن تنظيم الشأن الديني، معلنة وقوفها في صف واحد مع النظام ضد المعروف عندها بالفكر الظلامي، وهو في نظرها خطاب كل دعاة الاحتكام إلى شرع الله! متغافلة عن إمكان وجود السم في الدسم من خلال وقوفها ذاك الذي يظهر أنها لم تدرك خلفياته! ولا قدرت عواقبه! والحال أن الذي أرق مضجعها وأقلق راحتها، وشغل بالها هو وقف المد الإسلامي من جهة، والقضاء على من هم وراء تحريكه وتفعيله كخصوم سياسيين ألداء من جهة ثانية! أما الدين الحق، فالمبتدعة وحماة مبتدعاتهم لا يحملون همه، ولا يشعرون بثقله!؟

2-  طلب ذات يوم مؤذن مسجد سعيد بن ميموناسن “شيخه بداره فلم يجده، فذهب في طلبه إلى البحر، فوجده نائما على لجج البحر! وفي حجره كتاب تعبث الرياح بـأوراقه! ولا يصل إليه من رشاش الموج شيء! فأراد المؤذن أن يصل إليه، وشرع في دخول البحر، ظانا أن العبور إليه سهل، فغلبه الماء، وخاف على نفسه من الغرق، فخرج وقعد على شاطئ البحر ينتظره. فلما أفاق أبو عثمان من نومه، خرج من البحر! فلما علم أن المؤذن قد رآه قال له: يا فلان، عاهدني أن لا تحدث أحدا بما رأيت حتى أموت، فعاهده على ذلك، ولم يحدث بذلك أحدا من أصحابه إلى أن مات رحمه الله”[4]!

فهل يدخل في باب تحقيق الكتب، سكوت المحققين عن ظلاميات وعن أكاذيب تصدم العقل والنقل في آن واحد؟ أو لا ندرك وراء قراءة نماذج من الفكر الظلامي، أن ما يحكى حول الموصوفين بأهل الله وأوليائه من خرافات، هو السبب المباشر في التقديس الذي يضفيه عليهم المخدوعون في الحياة وفي الممات؟ أو ليس هدف المروجين لافتراءاتهم هو الحصول على ما تيسر من المتاع الدنيوي الزائل؟ وحتى إذا لم يحصل منهم ما يعرف بالكرامات، أو لا يكمن وراء من يختلقونها اختلاقا تطلع  مفضوح إلى ما يملأ البطون والجيوب؟

3- كان بفاس “رجل مسرف على نفسه، فمات ودفن، فأبصر الناس قبره يهتز التراب الذي حواليه، إلى أن ظهرت أكفان الميت، فقالوا: لعله لم يعمق له الحفر. فأخرجوه وأعمقوا له الحفر، وأدخلوه في القبر، فإذا به أيضا يهتز ويربوا ترابه إلى أن ظهرت الأكفان، فلما رأوا ذلك ضج الناس بالبكاء والعويل وقالوا: لفظته الأرض ولم تقبله. وأطالوا البكاء، فقال لهم بعض الحاضرين: يا قوم، لا ينفع هذا البكاء، ولكن انظروا له قبر رجل صالح وادفنوه جواره، لعله يشفع فيه، فأخذوا في ذلك إلى أن اتفقوا على أن يدفنوه جوار قبر ابن محسود. فاستقر القبر، ولم يكن منه مثل ما كان قبل ذلك”[5].

ونهمس مرة أخرى في أذن الوزير أحمد التوفيق الذي مر على هذا الضلال بدون ما تعليق منه فنقول له: على أي نص نقلي، وعلى أي دليل عقلي يعتمد المروجون لكون المدفون العاصي قرب ضريح ولي صالح سوف يستفيد من جاره هذا الولي المزعوم؟ وكيف يعرف الناس بأنه ولي؟ فهل المشي فوق قوس قزح، والجلوس على الماء، والحديث في القبر، علامات بها يعرف أولياء الله؟ أم إن الإيمان والتقوى شرطان كافيان كي يعد المؤمن المخلص المتقي وليا لله تعالى بدون ما شك؟

4- قال أبو عمران موسى بن يوسف: “أدركت ابن حرزهم وأنا صغير، ودعا لي، وكان يقول: لن أصوم مع الناس هذا الشهر المستقبل، يعني شهر رمضان. وقد كان صحيحا ليس به بأس، ولم يبق إلا ثلاثة أيام أو أربعة من شهر شعبان، والناس يتعجبون في مقالته وهو حي، وقد قرب رمضان فأدركه الموت قبل دخول رمضان الذي كان يقول: إنه لا يصومه”[6].  وكان على وزيرنا الذي أنيطت به اليوم مسؤولية تنظيم كل ما يتعلق بالدين أن يذكر، وهو يقرأ هذا الظلام المبين قوله تعالى: “وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت”[7]!

5- قال سليمان بن عبد النور: “رأيت طائفة من متصوفة المشرق وصلوا إلى بلد أزمور لزيارة أبي عبد الله بن أمغار، وأبي شعيب، وأبي عيسى، فوجدوهم قد ماتوا، فزاروا قبورهم، فقيل لهم: من أين وصلتم؟ قالوا: وصلنا من بلاد اليمن. فقيل لهم: ما الذي أوصلكم؟ فقالوا: نام بعضنا فرأى في منامه الجنة . ورأى فيها قصورا عظيمة، فقال: لمن هذه القصور؟ فقيل له: هي لقوم من صنهاجة أزمور. وهم ابن أمغار، وأبو شعيب، وأبو عيسى”[8]!

وها هنا عدة ملاحظات:

أ- من المعروف أن المغاربة في العقائد أشعريون، لا معتزليون. وسنيون لا روافض ولا خوارج ولا شيعة. وعليه فإن الحكم لأحدهم بالنار أو بالجنة حكم بدعي وغير مقبول من أي كان، إلا منه ص. ففي “الإبانة عن أصول الديانة” لأبي الحسن الأشعري قوله: “وندين بأن لا ننزل أحدا من أهل التوحيد والمتمسكين بالإيمان جنة ولا نارا، إلا من شهد له رسول الله ص بالجنة. ونرجو الجنة للمذنبين، ونخاف عليهم أن يكونوا بالنار معذبين”[9]! فلا مجال عندنا إذن للحديث عن “المرحوم” وعن “المغفور له”. ولو كانت هناك آلاف القبور عبر المغرب كله تحمل لوحات مكتوب عليها: المرحوم: الحاج فلان! والمرحومة: الحاجة فلانة! إذ كيف يعقل الادعاء بأن فلانا ناجح قبل الامتحان! وأن فلانا مغفور له أو مرحوم قبل البعث والحساب والميزان! وبيننا وبين من يرى غير هذا الرأي كتاب الله وسنة رسول الله ص؟

ب- قصة المتصوفة اليمنيين الموضوعة، لا تستهدف غير تأكيد الأطروحة المغلوطة القائلة: “المغرب بلد الأولياء، والمشرق بلد الأنبياء”[10]!

ج- هذه الأطروحة المغلوطة، امتداد لما قام به المغاربة والتونسيون لأسباب سياسية ودينية. فقد حرفوا حديثين واردين عند الإمام مسلم في صحيحه أولهما قوله ص: “لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة”[11]. وثانيهما بصيغتين. إنما دون أية إشارة فيهما إلى “المغرب”. فالصيغة الأولى قوله ص: “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك”[12]. والصيغة الثانية قوله: “لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين إلى يوم القيامة”[13].

بتحريف الأول نقول: “لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة”. وبتحريف الثاني نقول:   “لا تزال طائفة من أمتي قائمين على الحق في المغرب حتى تقوم الساعة”!

وهاتان الصيغتان المحرفتان واردتان في مدخل “التشوف إلى رجال التصوف” لابن الزيات. وبما أن وزيرنا في الأوقاف بودشيشي حتى النخاع، فقد قدم أول درس رمضاني له تحت عنوان: “النسب الشريف والسند الصوفي”، معتمدا في تقديم التوضيحات الضرورية عن درسه على الحديث المحرف الثاني الذي تشم فيه رائحة الوضع! لكنه دون أن يدري، وضع نفسه في حيرة! فإن كانت طائفة واحدة بالمغرب، هي القائمة على الحق حتى تقوم الساعة، فمن هي هذه الطائفة؟ وما حدود المغرب الذي يعنيه؟ هل الطائفة المعنية عنده هم الصوفية على العموم؟ أم هم فرقة أو طريقة صوفية بعينها قد تكون هي البودشيشية؟ لكن لم لا تكون هي الدرقاوية؟ أو الناصرية؟ أو التجانية؟ أو الكتانية؟ أو القادرية؟ أو العيساوية؟ أو الحمدوشية؟ أما المغرب قديما عندما يذكر، فإنما يراد به بلدنا والجزائر وتونس وحتى الأندلس. ولم لا ليبيا وموريتانيا الحالية؟

غير أن القرآن الكريم يتحدث عن مشرق ومغرب، وعن مشرقين ومغربين، وعن مشارق ومغارب! فأي مغرب منها يقصد الوزير المحاضر؟ أو ليست في بلدنا نفسها مشارق ومغارب؟ أو لا تدل عليها مواقيت الصلاة التي تطبعها وزارة الأوقاف؟ وأية مدركات سوف يقوم بشرحها وبتبليغها البودشيشي المسؤول عن شؤون البلاد الدينية. والأساس الذي بنى عليه درسه أساس باطل؟ أو ليس الحديث الموضوع المأخوذ عن كتاب صوفي يعتمد الموضوعات أساسا باطلا لا يعتد به؟ أي لا يصح اعتماده بتاتا لبناء فكر يريد به صاحبه الدخول إلى الحضرة السلطانية بامتياز؟ فهل نسي وزيرنا أن هناك فرقا شاسعا بين التخصص في التاريخ وبين التخصص في العلوم الإسلامية؟ وأن العلماء الأتقياء الأذكياء، لا يقدمون على الاستشهاد بالأحاديث الموضوعة لتمرير الخطاب السياسي عبر الدين وعبر استغلاله إلى ملايين المشاهدين؟ وفي الملايين تلك ملاحظون، أعينهم متفتحة قادرة على تسجيل أخطاء أي وزير كان أو أي مسؤول؟ خاصة عندما تكون هذه الأخطاء بحجم خطأ فادح ارتكبه وزير ينقصه العلم بالأحاديث النبوية رواية ودراية؟؟؟ هذا إن نحن حصرنا محاسبته في الحديث المكذوب المعتمد لديه. أما لو ذهبنا بعيدا في محاسبته، فالنسب الشريف الذي ربطه بالسند الصوفي عملية – من راجع السند البودشيشي الذي قيل بأن رجاله على العموم كلهم شرفاء  – تبعث على الاستغراب والحزن والأسى في الآن ذاته. خاصة عندما نتصفح السند ذاك، فنقف عند هذه الأضحوكة: عن محمد بن محمد، كذلك ابن محمد! فمن هم هؤلاء المحمدون الممتازون كشيوخ صوفيين يربطون حمزة بن العباس البودشيشي بالرسول ص. وعبرهم يمر المدد الروحي المزعوم المتدفق منه – عليه الصلاة والسلام – إلى كل بودشيشي حيثما حل وارتحل، ميتا كان أو هو لا يزال على قيد الحياة!

 

 

[1]  التشوف إلى رجال التصوف. ص145. ابن الزيات. طبعة عام 1404ه. 1984م. من تحقيق أحمد التوفيق.

[2]  التشوف إلى رجال التصوف. ص 168.

[3]  ن.م. ص 83.

[4]–  التشوف إلى رجال التصوف. ص 116.

[5] – ن.م. ص 117.

[6]– التشوف إلى رجال التصوف. ص 117.

[7] – سورة لقمان: 32

[8]–  التشوف إلى رجال التصوف. ص 185.

[9] – الإبانة عن أصول الديانة. ص 21. أبو الحسن الأشعري. الطبعة الأولى 1405ه. 1985م.

[10] – الإسلام بين الدعوة والدولة. ص 412. عبد السلام ياسين. الطبعة الأولى عام 1392ه.

 

[12]  ن.م. 7/74. رقم الحديث 171 – (1920).

[13]  ن.م. 7/75. رقم الحديث 100-173 – (1923).