نهاية الإسلام السياسي

الوطن 24/ بقلم: الدكتور عبد الله الجباري

عبد الله الجباري

بعد الإنتخابات الرئاسية التي جرت بتونس، وتصدّر قيس سعيد والقروي وتأهلهما للدور الثاني، طفت على السطح تحليلات أناس أعرف ميولاتهم المخزنية، وولاءهم لأحزاب السلطة، كلهم يكتبون عن نهاية الإسلام السياسي، بدليل ما وقع لحزب النهضة ومرشحه الأستاذ مورو.

هؤلاء المتسرعون تعمدوا النظر إلى المسألة من زاوية بعينها، وتركوا أنفسهم أسرى تلك الزاوية.

طيب، ماذا وقع في الرئاسيات؟ تربع على عرشها مرشح مستقل عن الهيآت الحزبية، ولو كان أولئك المحللون مستقلين في تفكيرهم حقا، لقالوا مثلا: نهاية الأحزاب، أو نهاية العمل الحزبي التنظيمي، أو ما شابه، لأن الأحزاب كلها لم تحصل على المشاركة في الدور الثاني.

ولو كان تحليلهم فيه كثير من العقل وقليل من الاستقلالية، لقالوا بأن الإسلام السياسي بتونس لاعب قوي في معركة الديمقراطية، لأنه وإن حصل على الرتبة الثالثة، لكنه هو الأول في النتائج، إذا قاربناها بالترتيب الحزبي، فكيف نعلن وفاة الأول، ولا نعلن وفاة الرابع والعاشر؟ ألم يكن أولئك المحللون أسرى الزاوية التي خندقوا أنفسهم فيها؟ الآن، عندنا الانتخابات التشريعية التي تصدّر نتائجها الأولية حزب النهضة، هل يستطيع أولئك المحللون/الأسرى أن يكتبوا بالبنط العريض:

عودة الإسلام السياسي؟؟؟؟ أما الانتخابات الرئاسية السابقة، فلم تكن معيارا أساسا لقياس المزاج السياسي للشارع التونسي، لأنها سابقة لأوانها بعد شغور منصب الرئاسة، والانتخابات التشريعية تعكس مزاج الشارع أكثر، لأنها انتخابات القرب، بخلاف الرئاسيات، ولو أجريت الانتخابات التشريعية كما كان مرتبا لها – قبل الرئاسية- لكان لنتائجها تأثير على مزاج الشارع، وكان بإمكاننا أن نرى مورو أولا أو ثانيا، ولاعبا رئيسا في الدور الثاني…. يبقى هذا مجرد احتمال. وبالمناسبة، التنظيمات الحزبية والتوجهات الفكرية لا نعلن وفاتها ونهايتها بالهزيمة في مواجهة انتخابية ما، لأن معركة الديمقراطية طويلة الأمد، قد يتعثر حزب في مرحلة، ويرجع بقوة في مرحلة لاحقة.

هذه هي الديمقراطية التي لا يعرفها محللو الساندويتش.

لنعد إلى المغرب، قرأت لمناصري البام منشوراتهم التي بشروا من خلالها بنهاية الإسلام السياسي لأنه خسر مواجهة الرئاسيات السابقة. ولم يكتبوا عن عودة الإسلام السياسي بعد انتخابات البرلمان، لماذا؟ جفت أقلامهم؟ طيب. ماذا صنع البام في تاريخه “المجيد والعتيد”؟ أول مرة، نجح في البرلمان بثلاثة مستقلين، وقام بسرقة البرلمانيين واغتصاب أحزابهم في أكبر عملية هجرة سرية غير شرعية في البرلمان، وأسس أكبر فريق برلماني.

وهذه بلطجة سياسية تسجل في رصيده. ثاني مرة، حصل على رتبة متدنية مقارنة مع البيجيدي في 2011، رغم أنه خضع لعملية دوباج من جميع الجهات.

ثالث مرة، انهزم أمام عبد الإله بنكيران وليس البيجيدي في معركة 7 أكتوبر التي نحيي ذكراها اليوم. هذا رصيد البام، بلطجة وتدني، وبعد ذلك، بدأ مرحلة الشتات والتيه وتراشق التهم وفضح الأسرار.

ورغم ما أعطِي البام من دعم فوقي وتحتي، ظاهر ومسستر، ولم يسجل في رصيده أي فوز في الليغا أو الكالشيو، فإن المحللين إياهم لم يقولوا يوما:

انتهى البام. فلماذا أعلنوا نهاية الإسلام السياسي؟ أليسوا مجرد أسرى للزاوية إياها؟ في الحقيقة أشفق على هؤلاء المثقفين الذين يعانون من داء سرعة قذف الأفكار، وأرجو أن ينالوا حريتهم في أقرب صفقة لتبادل الأسرى