هدر الزمن القضائي بين التبليغ والتنفيذ في مشروع قانون المسطرة المدنية
الوطن24 / بقلم: حسن حلحول
على ما يبدو وكما هو معروف عند ذوي الاختصاص، أن إجراءات التبليغ والتنفيذ من أعقد الإجراءات وأخطرها على الإطلاق في إقامة الدعوى القضائية وضمان إيصال الحق إلى صاحبه، بدليل أن الدعوى تبدأ بإجراءات التبليغ وتنتهي بالتنفيذ، والعلاقة بين التبليغ والتنفيذ في التحليل السيميوطيقي للنصوص هي العلاقة بين الفعل والكائن علاقة بين قابلية التبليغ والتنفيذ وفاعلية التبليغ والتنفيذ، وهو ما نجده في النصين من المادتين 85 و 86 من مشروع المسطرة المدنية يبدو أن ثمة صورتين: ملفوظ الفعل وملفوظ الحالة.
ونعني بملفوظ الحالة تلك العلاقة المتصلة والمنفصلة الكائنة بين فاعل الحالة وبين موضوع القيمة.
وتعني بملفوظ الفعل العملية التي يقوم بها الفاعل الإجرائي حين يحقق وينجز الإجراءات.
فعالية التبليغ في العنوان المدعى عليه يترتب عنه بالتبعية فاعلية التنفيذ، لأن قابلية التبليغ في العنوان غير عنوان المعني بالأمر، قابلية التنفيذ في ذات العنوان يفضي الي عدم فاعلية التنفيذ، بمعنى آخر أن الأحكام القضائية تصدر وتبقى حبرا على ورق دون تحقيق فلسفة المشرع المقدسة التي يتوخاها وهي إيصال الحقوق إلى أصحابها.
تنص المادة 85 ,مشروع ق م م (” اذا رفض الطرف أو الشخص الذي له الصفة تسلم الاستدعاء، مع مراعاة المادة 86 ضمن المكلف بالتبليغ ذلك في شهادة التسليم مع بيان هوية المعني ورقم البطاقة الوطنية الإلكترونية أو ما يقوم مقامها، وإذا رفض المعني بالأمر التعريف بهويته ،ضمن المكلف بالتبليغ ذلك في الشهادة مع تحديد أوصافه مع إمكانية الاستعانة بالنيابة العامة عند الاقتضاء.”)
نبدأ فك النص من الجملة الأخيرة وهي مع إمكانية الاستعانة بالنيابة العامة عند الاقتضاء، هذه العبارة مبهمة غير واضحة تعبير إنشائي وليس تقريري، نحن في صدد تصوير إجرائيا بصفتنا رجال القانون كسبنا خبرة كيف يمكن تفعيل هذه الجملة الفعلية؟ من يستعين بالنيابة العامة؟ وكيف الاستعانة بها؟ وما هي الوسائل التي يمكن استعمالها؟ وهل الأمر هنا يتعلق بتسخير القوة العمومية بعد الأذن من الوكيل الملك؟ ولماذا هل لإلزام وارغام المبلغ اليه بالتوصل؟ هي أسئلة كثيرة تفضي إلى أن تدوين هذه الجملة في النص من الناحية الفعلية والواقعية لا تفي بالمطلوب ولا أساس لها من الناحية الواقعية والفعلية. إن الرجوع إلى النيابة العامة هو وجه من وجوه مسطرة القيم التي تم إلغائها في المشروع ،غير انها بقيت صياغتها يلفها الضبابية عدم والوضوح.
هذا فضلا على أن صياغة الفقرة لم يتم صياغتها جيدا فيها ركاكة وليست تقنية لأن إجراءات التبليغ والتنفيذ هي إجراءات تقنية ويجب أن تكون اللغة لغة تقنية، فيكي “تكون الصياغة هكذا” إذا رفض المبلغ اليه أو من له الصفة تسلم الاستدعاء المشار إليه في المادة …. ”
إن ما يتصوره البعض أن مسألة التبليغ يحل بواسطة الاعتماد على عنوان البطاقة الوطنية، إنها مسألة سهلة وبسيطة، كسهولة عصى موسى الذي تحول إلى ثعبان وبتلع حبال وعصي سحرة فرعون ،ومن ثم يحل مشكل التبليغ وننتهي من مشكل أرهق الجهاز القضائي.
إنه امر ليس كذلك سيكون بهذا الشكل من التبليغ هدر لحقوق المواطنين وخرق سافر لمبادئ المحاكمة العادل التي أكدت عليها المادة الأولى من مشروع ذاته، “تسهر المحاكم على حسن سير العدالة بما يضمن تحقيق شروط المحاكمة العادلة واحترام حقوق الدفاع في جميع مراحل التقاضي،”
فالمحاكمة العادلة في في القضايا المدنية يتجسد في التبليغ ومن ثم احترام حقوق الدفاع ،فإذا كان المقاضي يحرم من التبليغ لمبرر كونه بلغ في العنوان الوارد في البطاقة الوطنية الإلكترونية، فإن هذا لا يستقيم، لأن كثير من الشوارع يتم تغيير اسمها والأرقام المنازل تتغير ناهيك عن القرى والبوادي التي لا عناوين لها ولا شوارع لها فضلا عن كثير من الناس لا بطاقة وطنية لديهم ، إذا فإن الاعتماد على هذا النوع التبليغ ستكون من الناحية العملية نتائجه كارثية، و من نتائجها ايضا هدر الزمن القضائي وهظم حقوق المتقاضين،
لقد نصت المادة 86 في الفقرة الثالثة من مشروع ق م م ، ( “اذا تعذر التبليغ وتبين أن المدعى عليه مجهول بالعنوان الوارد بالاستدعاء أو انتقل أمكن اعتماد المعلمات المتوفرة بقاعدة المعطيات المتعلقة بالبطاقة الوطنية للتعريف الالكترونية”)
إن ما يستفاد من هذا النص أن هناك ثلاث انساق:
***الأول النسق المنطقي:
يجتمع في هذا النسق العلاقات المنطقية بين الكلمات، سبب تعذر مجهول قطع أو انتقل. فإذا أخذنا السبب هو الدعوى من أجل التبليغ، وهل من المنطق أن يبقى محتفظا في الذاكرة أن تقام الدعوى ضده يوم من الأيام حتى يغير كل ستتة اشهر أو كل عام البطاقة الوطنية إنه سيصاب المواطن بهاجز الخوف والهلع في حياته اليومية، اذن القضاء الذي يدخل الأمن والأمان في نفوس المواطنين، سيكون محط إدخال القلق والخوف، بسبب اعتماد على المعلومات الإلكترونية لصحة التبليغ .
**الثاني النسق الزمني:
إن التبليغ محدد في نسق زمني معين في الاستدعاءات، فإذا ما تم الإجراء، فإن المتقاضي لن يبقى له ما يمكن فعله، وأكثر من هذا فإن العلة الزمانية هذه توصف بالقاعدة القطعية، لا خلاف فيها، طلما أن العنوان الوارد في البطاقة الوطنية لسبب من الأسباب إن ملزم بالتوصل عليه ،تحيين عنوانه مهما كانت الظروف تحت طائلة صحة التبليغ.
***الثالث النسق المكاني:
وهو العنصر الذي يتمحور عليه التبليغ، ويرسم لنا هذا النسق أن قاعدة المكان تلزم الجميع بواسطة البطاقة الوطنية الوارد فيها مكان إقامته، وهو عنوان التبليغ ولو على حساب اهظم الحقوق، لا لشيئ سوى إنتاج الاحكام كما ولا يهم كيف يتم ذلك؟
إذا تمت التبليغات بتلك الطريقة فأين سيتم التنفيذ في عنوان المعتمد في قاعدة المعطيات المتعلقة بالبطاقة الوطنية، فإذا كان المنفذ عليه لا يسكن في العنوان، تبقى الأحكام جوفاء فارغة من محتواها لذا ارتباط التبليغ بالتنفيذ مسألة جوهرية، والمقترح المعتمد عير ناجع من الناحية العملية.
فإذا كان الله تبارك وتعالى حرم على نفسه الظلم وحرم أن لا يعذب أحدا من عباده قبل إقامة عليهم حجة التبليغ برسالته السماوية، لأن العدل الالهي انبنى على العلم والاطلاع على رسالته التي كلف بها الرسل لتبليغها لتكون حجة عليهم،
مصداقا لقوله تعالى: “وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا”
المحامي بهيئة الرباط عضو سابق