هل تجوز صلاة التراويح مع وسائل التواصل الاجتماعي أوالتلفاز أو مع إمام الحي بالمكبر في زمن كورونا؟

الوطن 24/ الدكتور عبد العلي المسؤول (أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة محمد بن عبد الله بفاس)

بسم الله الرحمن الرحيم

 صلاة التراويح زمن وباء  فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19”

إن مما اعتاده الناس ونشأوا عليه وشبوا أداؤهم صلاة التراويح جماعة في المساجد وراء إمام، اقتداء بقول الرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في البخاري: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، وعملا بسنة عمر رضي الله عنه الذي جمع الناس في رمضان على قارئ واحد، واستمر العمل على ذلك في بلاد المسلمين في كل رمضان؛ ولما في هذا الاجتماع من ائتلاف القلوب وانجماعها على الله والتنافس على الخير، ولأن ذلك أَنْشَطُ لِكَثِيرِ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وبخاصة إذا كان الإمام من القارئين المهرة.

              لكن مع تفشي وباء كورونا، والاضطرار إلى إغلاق المساجد وتعطيل الجمع والجماعات بها؛ اتقاءً لانتقال الوباء، فإن الناس وقعوا في حيرة من أمرهم في كيفية تأديتهم لهذه الشعيرة النافلة التي ينتظرونها بشَوْق، ووصل التفكير في الاقتداء بإمام بواسطة المذياع أو التلفاز أو وسائل التواصل الأخرى، وتوالت الفتاوى وتضاربت بين مجوز ومانع.

إن مما هو شبه مؤكد الآن أن تراويح رمضان سيصليها الناس في مساكنهم، ومما ينبغي مراعاته أن هذا الوضع هو طارئ واستثنائي، وليس هو الحال الاعتيادي الذي يرجح فيه أداء التراويح جماعة في المساجد، إذ لا معنى لاقتداء ناس بإمام بواسطة الوسائل المذكورة في الأوضاع العادية، وإلا لَقَلَّتْ كثرة الخطى إلى المساجد، ورغب الناس عن الجماعات، وفي ذلك من المفاسد ما لا يخفى.

إن في تراثنا الفقهي ما به نرفع الحرج عن الناس، ونجعلهم يتذوقون حلاوة العبادة في الشهر الفضيل شهر رمضان، بقيام لياليه إيمانا واحتسابا، ولا يعطلون صلاة الجماعة التي هي أفضل من صلاة المنفرد.

أضف إلى ذلك أن صلاة التطوع ومنها التراويح فيها من التيسير والتخفيف والتجوز ما ليس في غيرها من الصلوات المفروضات، ومن ثم أباحوا للمتطوع الصلاة قائما وقاعدا وعلى الدابة…

وعليه فإن صلاة التراويح في البيوت يسوغ أداؤها على الوجوه التالية:

 -1 يؤم الرجل أهل بيته بما معه من القرآن، ويغتفر لحنه الخفي من ترك إدغام أو إخفاء أو مد أو ما شابه ذلك مما لا يتغير معه المعنى.

 – 2 يصلي الرجل بأهل داره إماما قارئا من المصحف إن لم يكن معه عدد من أحزاب القرآن أو أجزائه، وإليه ذهب الشافعي، وبخاصة إن كان أهله يفضلون ختم القرآن قياما في التراويح.

 -3 يؤم الطفل المميِّز الذي لم يبلغ الحلم بأهل الدار إن كان أحفظَهم للقرآن، وبذلك قال مالك والشافعي.

-4 يجوز للمرأة مع أهل بيتها من النساء أن تؤمّهُن في الفريضة والنافلة ومنها التراويح، إن لم يكن معهن رجل يقتدين به، وبذلك قال الشافعي، وكذا أبو حنيفة مع الكراهة.

 -5 يجوز للإمام الراتب أن يصلي هو داخل المسجد، ويقتدي به من يسمعون قراءته وصوته بمكبر الصوت من أهل حيِّه أو قريته، أو يرونه، إذ الإمام الراتب جماعة؛ ولأن الاقتداء بالمسمِّع سائغ. قال خليل في المختصر: (وَمُسَمِّعٌ وَاقْتِدَاءٌ بِهِ أَوْ بِرُؤْيَتِهِ وَإِنْ بِدَارٍ). وروي عن مالك “أَنَّ دَارًا لِآلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمَامَ الْقِبْلَةِ كَانُوا يُصَلُّونَ فِيهَا بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمُ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ”الذخيرة 2/92، وكان أَزْوَاجَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُصَلِّينَ فِي حُجُرِهِنَّ بِصَلَاتِهِ صلى الله عليه وسلم، وهذه ليست دعوة إلى هجران المساجد والصلاة في البيوت.

 – 6 من لم يكن بمكان سكناه مسجد، أو وُجِد المسجد وتعذر على الإمام الراتب الصلاة بالناس منفردا كما ذكر قبلُ، ولم يجد أهل ذلك البيت من يؤمهم في التراويح، ساغ لهم الائتمام بإمام يسمعون صوته ويرونه بواسطة وسائل التواصل، أو يسمعون صوته فقط، وألا تكون التراويح مسجلة. قال الخرشي شارحا قول خليل: (وَمُسَمِّعٌ وَاقْتِدَاءٌ بِهِ أَوْ بِرُؤْيَتِهِ وَإِنْ بِدَارٍ) “وَكَمَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِصَوْتِ الْمُسَمِّعِ وَأَوْلَى صَوْت الْإِمَامِ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِرُؤْيَةِ الْإِمَامِ أَوْ الْمَأْمُومِ وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَدِي فِي الْأَرْبَعِ بِدَارٍ وَالْإِمَامُ خَارِجَهَا بِمَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ”.

وإن انقطع التيار الكهربائي أو الانترنيت، أَتَمُّوا فرادى، وإن سها الإمام في ركن أو فيما يجبر بسجود السهو وتمكنوا من رؤية إصلاح ذلك اتباعا للإمام فَعَلُوا، وإن عسر ذلك أعادوا ما وقع فيه الخلل، والأمر في ذلك واسع بحمد الله.

أعود فأكر: هذا حل استثنائي لحالة الوباء الاستثنائية، والأصل أداء التراويح في الجماعات والمساجد، والقلوب ينبغي تعلقها ببيوت الله ابتداء وانتهاء.

اللهم رحمتك وعفوك نرجو، والحمد لله رب العالمين.

تعليق واحد