هل تحولت الجامعة المغربية إلى بوابة للريع الحزبي؟

لم تعد الأخبار المتداولة عن بيع الشهادات الجامعية مجرد شائعات عابرة، بل تحولت إلى واقع مُفزع يفرض علينا جميعاً، نخبة ومجتمعاً، أن نتحلى بالجرأة والموضوعية في تناول هذه الظاهرة التي تضرب في عمق مصداقية التعليم العالي ببلادنا. فالجامعة المغربية، التي لطالما اعتُبرت منارة للعلم والمعرفة، أضحت اليوم في قلب عاصفة لا تقف عند حدود الوطن، بل تمتد لتشوّه صورتها في الخارج، وتهدد القيمة الرمزية والمعرفية لشهاداتها.

ليس من المقبول أن نواصل الصمت، وكأن ما يحدث أمر عادي. المسؤولية الوطنية تقتضي منا أن نفتح النقاش بوضوح، بعيداً عن منطق التبرير أو المجاملة. فبيع الشهادات لا يمس فقط بالجامعة كمؤسسة، بل ينسف ما تبقى من ثقة المجتمع في التعليم، ويضرب في العمق مبدأ تكافؤ الفرص، ويهدد مستقبل أجيال بأكملها.

السؤال الذي يجب أن يُطرح بجرأة هو: كيف وصلنا إلى هذا الدرك من الانحدار والرداءة؟ من يتحمل مسؤولية هذا الانفلات الأخلاقي؟ أين الأحزاب التي تعاقبت أطرها على تسيير الجامعات؟ وأي أثر خلفه هذا التدبير الحزبي على مستوى النزاهة والكفاءة في التعليم العالي؟

إن عدد الحاصلين على شواهد عليا من الماستر والدكتوراه من الجامعات المغربية بلغ مستوى غير مسبوق خلال الألفية الثالثة، وتحديداً منذ أن تسلمت الأحزاب السياسية مقاليد تدبير المؤسسات الجامعية. فقد تناقلت مصادر مطلعة أن عدد المنتمين لهذه الأحزاب ممن حصلوا على شواهد عليا قد ضرب الرقم القياسي، بعدما تم زرع أطر حزبية على رأس الجامعات والكليات والشُّعب، وجرى إغراق الدواوين بالموظفين المحسوبين على الأحزاب، سواء عبر نظام الإلحاق أو تغيير الإطار.

لقد تم فتح الأبواب على مصراعيها أمام المحسوبين على هذه التيارات ليستفيدوا من ريع جامعي فاضح، خصوصاً بعد انتخابات 2011، ما يجعل من الضروري اليوم إجراء افتحاص شامل لتلك المرحلة، واحتساب عدد الشواهد الجامعية المشكوك في صدقيتها، ليتضح حجم الخلل والضرر الذي لحق بالجامعة المغربية. والأسوأ أن عدداً من هؤلاء الحاصلين على الشهادات “المخدومة” باتوا يتحكمون في مفاصل قطاعات حيوية، رغم افتقارهم إلى الكفاءة، مما جعل المواطن المغربي يشعر بالإحباط أمام متبجحين بشهادات لا تعكس جهداً ولا جدارة.

إن ما حصل ويحصل داخل الجامعة المغربية يتطلب وقفة وطنية جادة ومسؤولة، من أجل انتزاع هذه المؤسسة من براثن الريع الحزبي. فإذا كان من قطاع يحتاج إلى قرار سيادي قوي، فهو التعليم الجامعي، باعتباره مصنع المعرفة، وجوهر المغرب الحضاري.

إنقاذ الجامعة ليس ترفاً، بل ضرورة وطنية عاجلة، ومسؤولية جماعية لا تحتمل التأجيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *