هل تصنع المرأة القرار السياسي ام تكتفي بمقعد الكوطا؟

الوطن 24 / بقلم هشام حنوز
شكل انخراط المرأة في الحياة السياسية أحد أبرز مؤشرات التحولالديمقراطي في المغرب، حيث تم اعتماد آليات تشريعية ومؤسساتيةلتعزيز حضورها داخل المؤسسات المنتخبة وأجهزة القرار. ومع ذلك، يظلهذا الحضور محطّ تساؤل بشأن مدى فعاليته: هل يعكس انتقالًا حقيقيًانحو التمكين السياسي، أم أنه لا يزال رهينًا لمنطق الترضيات والتمثيلالشكلي؟
انطلقت أولى بوادر التمثيلية النسائية في البرلمان سنة 1993، بتسجيلدخول رمزي لامرأتين فقط. إلا أن المنعطف الأبرز تحقق في محطة 2002 باعتماد اللائحة الوطنية للنساء، كآلية لرفع الحضور النسائي داخلمجلس النواب، حيث تم تخصيص 30 مقعدًا كحد أدنى، في سابقة شكلتنقطة تحول في المشهد السياسي المغربي. ومع تطور التجربة، تم الرفعمن عدد المقاعد المخصصة للنساء إلى 90 في انتخابات 2021، مما ساهمفي تحسين نسبة التمثيلية البرلمانية.
على مستوى السلطة التنفيذية، شهد المغرب تعيين أول امرأة وزيرة سنة1997، ومنذ ذلك الحين، عرفت الحكومات المتعاقبة حضورًا نسائيًامتزايدًا، بلغ ذروته في حكومة 2021 التي ضمّت سبع وزيرات. وهو معطىلا يمكن إنكاره، ويعكس، ظاهريًا على الأقل، تحولًا في البنية التقليديةلتوزيع السلطة.
غير أن القراءة المتأنية لهذا المسار تُبرز مفارقة جوهرية: فبينما تحققتطور كمي ملموس، لا تزال الفعالية النوعية محدودة في كثير منالحالات. ففي ظل استمرار هيمنة منطق الكوطا، غالبًا ما يتم انتقاءالمرشحات بناءً على اعتبارات حزبية أو توازنات ظرفية، لا على أساسمشروع سياسي أو كفاءة فردية. كما أن أغلب المواقع الوزارية المسندةللنساء تظل محصورة في قطاعات ذات طابع اجتماعي أو تقني، دونولوج فعلي لمراكز القرار السيادي أو الإستراتيجي.
إن استمرار هذا الوضع يُضعف من جدوى التمثيلية، ويؤجل الانتقالمن منطق “الإدماج المحسوب” إلى منطق “المشاركة المؤثرة“. وهو مايستدعي إعادة التفكير في الآليات المعتمدة، من خلال الربط بين تمكينالمرأة سياسيًا وضمان استقلاليتها الفعلية داخل الأحزاب، وتوفيرمسارات للتأطير والتكوين، بعيدًا عن الاستعمال المناسباتي لصورتها.
ومع ذلك، لا يمكن القفز على حقيقة أن حضور النساء في المجالالسياسي مكّن من كسر العديد من الحواجز النفسية والاجتماعية، وأسهمفي إعادة صياغة النقاش العمومي حول قضايا الإنصاف والعدالةالمجالية والحقوق الفردية. وهناك نماذج نسائية استطاعت أن تفرضنفسها بقوة الحضور والخطاب والمبادرة، ما يؤشر إلى أن الرهانالحقيقي ليس في عدد المقاعد، بل في من يشغلها، وكيف يشغلها.
ختامًا، إن دور المرأة في الحياة السياسية بالمغرب يوجد في مفترقطرق: إما أن يظل حبيس التمثيل الرمزي والمناسباتي، أو أن يتحول إلىرافعة فعلية للمشاركة الديمقراطية والتعددية السياسية. والانتقال إلى هذاالأفق يتطلب إرادة سياسية واضحة، ومسؤولية حزبية حقيقية، وقناعةمجتمعية بأن التمكين السياسي للنساء ليس ترفًا، بل شرطًا من شروطترسيخ الخيار الديمقراطي كما حدده دستور المملكة.