وقفة تأمل في ذكرى حبيب ومنزل

نحن أحوج ما نكون اليوم إلى القراءة!!
الوطن 24/ بقلم: عبد الفتاح المنطري*

جاءت في ديباجة موقع منظمة اليونيسكو بشبكة الويب عن الكتاب، هذه التوطئة المثالية خلال فترة الحجر الصحي: إننا أحوج ما نكون اليوم للقراءة، فما الذي يميّز هذه الفترة؟
في الوقت الذي أوصدت فيه أغلبية مدارس العالم أبوابها، ولم يَعد الإنسان حرّاً في الاستفادة من وقت فراغه في الهواء الطلق كالمعتاد، توجّب تسخير الطاقة الكامنة بين طيّات الكتب لقتل العزلة، وتوطيد أواصر الصلة بين بني البشر، وتوسيع آفاقنا، وتحفيز أذهاننا وإطلاق العنان للإبداع الكامن فينا. من الهام للغاية خلال شهر نيسان/أبريل وعلى مدار العام، تسخير الوقت للقراءة سواء بشكل فردي أو بشكل جماعي مع أطفالك. لقد حان الوقت للإشادة بأهمية الكتب، وتعزيز ثقافة القراءة لدى الأطفال، وزراعة حب الأدب فيهم مدى الحياة وإدماجهم في عالم العمل
يمكننا من خلال القراءة ولا سيما في هذا اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف، الموافق 23 أبريل/نيسان، مدّ الجسور بيننا وبين الآخرين رغم تباعد المسافات، وجعل مخيلتنا أجنحة نسافر بها أينما شئنا. ومن هنا، عَمَدت اليونسكو في الفترة الممتدة من 1 إلى 23 أبريل/ نيسان نشر سلسلة من الاقتباسات والقصائد والرسائل التي تشيد بالقوة الكامنة في الكتب وتحثُّ على القراءة قدر الإمكان، وكان هدفها من هذه الخطوة خلق مجتمع واحد قائم على المشاركة في قراءاته ومعارفه، وذلك كي يتسنّى للقُرّاء في جميع أنحاء العالم التواصل فيما بينهم وتخفيف مشاعر الوحدة على بعضهم البعض. لا يسعنا في مثل هذه الظروف إلا أن ندعو الطلبة والمعلّمين والقرّاء حول العالم بالإضافة إلى الفاعلين في مجال صناعة الكتب والخدمات المكتبية إلى مشاركة تجاربهم والتعبير عن مدى حُبّهم للقراءة
ماذا لو أدمن شبابنا على القراءة والكتابة؟
ما الأرحم والأحن بشباب الأنترنيت إذن، أهو الإدمان على القصص والكتابة والكتاب أم الاستغراق في “الويفي” إلى مطلع الفجر؟ إنه سؤال فطري بديهي عن تسونامي مهول قد يأكل الأخضر واليابس كما قد يهلك الحرث والنسل ،سؤال يدق ناقوس الخطر ربما يراود مخيلة أي مدمن ومدمنة من شباب اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي كلما اختلى بنفسه أو اختلت بنفسها في غرفة بيت أو زاوية بمقهى أو على عتبة أو شرفة أو سطح منزل ،وهذه مشكلة اكتساح العولمة الرقمية للأفكار و العقول والسلوكيات حتى أضحى الشباب اليوم أشبه بكائنات فضائية روبوتية تتحرك وفق مرام وأهداف الشركات المصنعة لتكنولوجيا خدمات التواصل الذكي والفوري وشبه المجاني مقابل أرباح هائلة تجنيها من وراء البيع وما بعد البيع وأصناف الإشهارات المرافقة لذلك شعرنا بها
أم لم نشعر، لكنها تجد طريقها ممهدا لتستقر في لاوعينا الفردي والجماعي. إنها سياسة التدليس والغبن والخديعة تمارسها تلك الشركات العملاقة لتغوص بشباب اليوم والمستقبل في أعماق بحر الإدمان تماما مثلما تفعله شركات إنتاج وتسويق التبغ و الخمور و القمار و ألعاب الحظ وعصابات ترويج المخدرات من أفاعيل لتجني المزيد من الأرباح المتواصلة وتفقد الشباب هويته وكينونته وكرامته و فطرته التي خلقه الله عليها، فينسلخ من أي ارتباط واقعي بالمجتمع
ليسبح في عالم افتراضي ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب ,ليس ذلك إذن إلا قارورة من عسل غير مصفى وضعت فيها بليل قطرات من سم الإدمان القاتل أو تلكم الشجرة المثمرة اليانعة الوارفة الظلال التي تخفي خلفها غابة مليئة بالوحوش و الثعابين والأفاعي والعقارب والتماسيح و عفاريت من الإنس والجن .فقد تحول شباب اليوم بفعل هذا الإدمان الرقمي الخطير إلى قناديل متحركة في الظلام في رحلة بحث غير آمنة عن المجهول داخل عالم” الويفي” الذي يظهر ويختفي كثعلب الأديب المرحوم محمد زفزاف ,والمضحك المبكي هنا أن تجد زوجة شابة غضبت من زوجها وذهبت إلى منزل أهلها ،فلم تقدر على المكوث هناك طويلا ،لأنهم لا يملكون “الويفي”، فعادت دون أن يسترضيها زوجها ،لأن ببيته ” الويفي”..هذا ما قررته في حقنا شركات التواصل الرقمي العالمية المنطلقة أساسا من بلاد العام سام ،أمريكا وما أدراك من أمريكا ،أن تسلب منا كرامتنا و انتماءنا العائلي و ارتباطاتنا الاجتماعية بما تحويه من دفء وحنان و توادد و تعاون و حوار وتواصل ومؤانسة من الكتاب والقصة وحكايات شعبية مشوقة من الجدات والآباء قبل النوم
لا مفر من الكتاب إلا إليه!!
لا مفر من الكتاب إلا إليه لمن أراد أن يصنع مستقبلا زاهرا في الحس وفي المعنى ولا أفلحت أمة أعطت بظهرها للكتاب ..هذه نصيحة من أب غيور على أمته إلى أبنائي الأعزاء وإلى كل أبناء المسلمين الأبرار .. فما أحوجنا اليوم ونحن أمة “إقرأ” إلى العودة إلى تقاليد وعادات قرائية قوية إبان سنوات الثمانينيات والحنين إلى التسعينيات قبل انتشار عدوى النت، لما كانت دينامية القراءة في أوجها بين أوساط الشباب المغربي عبر المتابعة اليومية والأسبوعية والشهرية للإصدارات الثقافية كسلسلة عالم المعرفة وعالم الفكر ومجلة الأمة وكتابها الشهير ومجلة العربي ومجلة الوعي الإسلامي والمجلات والكتب الوافدة على بلادنا من لبنان والعراق ومصر والكويت وقطر آنذاك
فساعة مع كتاب مطبوع خير من يوم مجموع مع الأنترنيت.. ولمن لم يستطع المواصلة عبر القراءة الورقية، فعليه بالكتاب المسموع أو الكتاب الإلكتروني، فالشبكة غنية بهما، وإن كان الكتاب المطبوع أفضل وسيلة لاكتساب ترسيخ المعرفة في الأذهان ..فمن أقوال العلماء في الكتاب، ما قاله عباس محمود العقاد الذي ودع مستوى الشهادة الابتدائية مبكرا وصار أديبا ومترجما وكاتبا كبيرا بعد ذلك: “اقرأ كتاباً جيداً ثلاث مرات أنفع لك من أن تقرأ ثلاث كتب جيدة”، وقال أيضا “إقرأ كثيرا في كتب قليلة” وقال راغب السرجاني “كثيرًا ما يضيّع الإنسان الكثير من وقته في قراءة كتاب غير مفيد، أو قراءة كتاب صعب بينما هناك الأسهل، أو كتاب سطحي بينما هناك الأعمق” مثل صيني يقول: “القراءة بلا تأمل كالأكل بغير هضم” ومثل صيني آخر يقول :”الكتاب نافذة نتطلع من خلالها إلى العالم تتصفحه دون نظر إلى غلافه. قبل أن تحكم على مضمونه”. قيل لأرسطو: “كيف تحكم على إنسان؟ فأجاب: أسأله كم كتابا يقرأ، وماذا يقرأ؟
احتفاء بالكتاب تذكير به

وبالمناسبة، فقد شهدت مؤسسة الرسالة التربوية بسلا أسبوعا حافلا بالأنشطة الثقافية والأدبية احتفاء باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف الذي يصادف كل عام الثالث والعشرين من شهر أبريل.. وهكذا نظمت المؤسسة صبيحات أدبية لتلاميذ المستوى الإعدادي في إطار نادي الإبداع الأدبي, والذين أبدعوا في إلقاء قصائد باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية نالت استحسان الحضور وصفق لهم أساتذتهم على ما اجتهدوا فيه من حسن اختيار و تدبير الموضوعات وعملهم على محاولة تفجير مواهبهم الأدبية إلى جانب تحصيلهم الدراسي تحت إشراف مدرسات اللغات حفيظة بوحابة وسهيلة البورقادي وأمان الصايغ ولبنى زراي اللواتي يعود لهن الفضل بعد الله تعالى ولباقي هيئة التدريس في إضفاء الجدية وحسن الإعداد على مثل هذه التظاهرات الثقافية داخل المؤسسة والتي من شأنها أن تطور حاسة البحث وتدعم آلية التواصل عند تلامذة هذه المؤسسة الجادة من أجل إعداد جيل قارئ ومتفتح ومتواصل مع العالم باللغات الثلاث. وبنفس المنظور، تواصل أستاذة التربية التشكيلية إيمان الشرقاوي المالقي في تفجير موهبة الرسم التشكيلي عند صغار التلاميذ بالمستوى الابتدائي وبعضهم بالمستوى الإعدادي والذين أبدعوا كثيرا في إعداد لوحات ورسوم رائعة نالت إعجاب الناظرين خاصة بالمعرض التشكيلي الإلكتروني الأول الذي انعقد السنة الماضية إبان اندلاع أزمة كوفيد-19 العالمية. وقد جاء في تدوينة على صفحة المؤسسة حول نفس الحدث ما مفاده “الفن التشكيلي لمواجهة كورونا.. مواهب مؤسسة الرسالة التربوية من المنازل.. كانت الفنون دائما وسيلة للتواصل دون لغة، لكنها الآن أصبحت وسيلة للتشبث بمظاهر الحياة، ومقاومة الحجر الصحي الذي أصبح ملازما لحال معظم شعوب العالم بسبب فيروس دفع الجميع للمكوث في منازلهم، فما كان من المتعلمات و المتعلمين إلا أن يقولوا “نحن ما زلنا هنا، وكل مُر سيمر”، كل ذلك بريشة وألوان، و بتأطير من الأستاذة المقتدرة إيمان الشرقاوي المالقي تحت شعار: ابداعنا ……. أملنا
اختلفت الطرق لكن تلك كانت حيلتهم في الاستمرار في التواصل لكن بلغة أجمل”. لوحات متميزة لتلميذات وتلاميذ السلك الإعدادي تؤثث صفحة المؤسسة على الفايسبوك
والجدير بالذكر، فقد أعطيت منذ مدة إشارة الانطلاق لمدرسة القادة تحت شعار “من جودة المؤسسة إلى مؤسسة الجودة ” ليتم فيها اختيار نخبة من تلاميذ المستوى الإعدادي قصد إعدادهم نفسيا وفكريا لفهم وتحمل مشروع المسؤولية القيادية في الرأي والمشورة والتوجيه والاعتماد على الذات وتطارح الأفكار وإطلاق المبادرات الخلاقة واستثمار المجهود العقلي والحركي في حسن تدبير الرأسمال المادي والمعنوي للفرد وللجماعة. ومن شأن هذا المشروع الجاد و المتميز أن يخلق لنا من طينة هؤلاء اليافعين قادة يغمرهم النجاح والتفوق والنزاهة والشفافية في تدبير مشاريع الأمة في المستقبل وهو مرادنا جميعا نحو إقلاع اقتصادي مغربي مكثف ذاتيا ومستثمر لإمكانياته وطاقاته الوطنية وفق سيرورة سوسيو-اقتصادية عادلة ومتوازنة تراعي حق كل الفئات الاجتماعية في العيش الكريم وتكافؤ الفرص
وقفة لمراجعة الذات!!
وارتباطا بالموضوع، لابد من التساؤل عن مكانة الشعراء العرب في كل العصور ابتداء من العصر الجاهلي (كشعراء المعلقات السبع) مرورا بالعصر الإسلامي الأول (كحسان بن ثابت) وشعراء العهدين الأموي والعباسي وما بعدهما وهم كثر كالمتنبي وأبو تمام والبحتري وبشار بن برد إلى أن نصل إلى عصور توفيق الحكيم وأحمد شوقي ومعروف الرصافي وبدر شاكر السياب وغيرهم من فطاحل الشعراء رحمة الله عليهم جميعا.. مكانة هؤلاء الأفذاذ في عقول ناشئتنا وماذا يمثلون عندهم كتراث ثقافي عربي زاخر بالعطاء والفكر الإبداعي الخلاق. للأسف، فإن ثقافة اليوم الاستهلاكية المدعمة إشهاريا وإعلاميا لم تترك فرصة لأبنائنا بالغوص في حياة هؤلاء العباقرة الأدباء والاطلاع على أشعارهم وكتاباتهم الرائعة، وذلك لأن مشاهير كرة القدم ونجوم الغناء واليوتيوب ومنوعات المسخ الثقافي والمنشورات الإلكترونية الهابطة الذوق والمبتذلة الحس هي الشائعة اليوم بين ظهرانينا وفي أوساط شبابنا مع كامل الأسف:
أقوال أخرى عن القراءة والكتاب
حبُّ المطالعة هو استبدال ساعاتِ السأم بساعات من المتعة/ مونتسكيو
المطالعة للنفس كالرياضةِ للجسم/ إديسون
الكتب هي الآثار الأكثر بقاءً على الزمن/ إمرسون
الكتب هي ثروة العالم المخزونة،وأفضل إرثٍ للأجيال والأمم/هنري ديفيد ثورو
من يكتبْ يقرأْ مرّتين/ مثل إيطالي
قل لي ماذا تقرأ أقل لك من أنت/ بيار دو لاغورس
من قرض شعراً أو وضع كتاباً، فقد استهدف للخصوم واستشرف للألسن، إلا عند من نظر فيه بعين العدل وحكم بغير الهوى، وقليلٌ ما هم/ العتّابي
*كاتب صحافي