الخطاب الملكي لجلالة الملك محمد السادس نصره الله والتنمية المستدامة: تسريع التحول نحو اقتصاد متوازن وبيئة مصونة.

يشكّل الخطاب الملكي السامي لجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية محطة استراتيجية لتقييم مسار التنمية بالمغرب وتوجيه بوصلة المستقبل.
ومن زاوية التنمية المستدامة، يمكن قراءة هذا الخطاب كخطة عمل عملية تهدف إلى تسريع الانتقال نحو نموذج إنتاجي متوازن، يربط بين النمو الاقتصادي، العدالة المجالية، والحفاظ على البيئة.

الخطاب الملكي يؤكد على ضرورة الانتقال من منطق المشاريع التقليدية إلى تنمية مستدامة قائمة على الفعالية والأثر.
ذلك يشمل الاستخدام الرشيد للموارد المائية، وتوسيع الاستثمار في الطاقات المتجددة، وتشجيع الاقتصاد الأخضر كرافعة للتشغيل والابتكار.
هذا التوجه ينسجم مع الرؤية الملكية السامية التي تضع الإنسان والبيئة في صلب كل سياسة تنموية، ومع أهداف التنمية المستدامة على الصعيدين الوطني والدولي.

تحقيق التنمية لا يمكن أن يكون مستدامًا ما لم يُراعَ التوازن الترابي.
فجلالة الملك محمد السادس نصره الله لطالما شدّد على ضرورة تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، وإعادة توزيع فرص النمو على المناطق القروية والجبلية والواحات.
بهذا المعنى، تُصبح العدالة المجالية ليست فقط مطلبًا اجتماعياً، بل مكوّناً محورياً في الاستدامة.

كما أن الحكامة الجيدة التي دعا إليها جلالة الملك تُعد أداة حاسمة لضمان استدامة المشاريع.
ويأتي التركيز على الرقمنة واستخدام المعطيات الميدانية كآلية لتقوية الشفافية وربط القرار بالواقع المحلي.
هذا التحول نحو الإدارة الذكية يمكّن من مراقبة الأثر البيئي والاجتماعي للمشاريع، وضمان توجيه أمثل للموارد العمومية، بما يعكس الإرادة الملكية في ترسيخ دولة فعالة وحديثة.

إدماج مفهوم التنمية الساحلية المستدامة في الرؤية الملكية يعكس وعياً وطنياً بأهمية الاقتصاد الأزرق، سواء في مجالات الصيد البحري أو السياحة البيئية أو الطاقات البحرية.
الحفاظ على النظم الساحلية لم يعد خياراً بيئياً فقط، بل أصبح ضرورة اقتصادية لضمان استدامة الأنشطة المرتبطة بالبحر، انسجاماً مع التوجيهات الملكية الرامية إلى تحقيق الأمن المائي والغذائي.

في النهاية، تُجسّد التوجيهات الملكية السامية فلسفة تنموية متكاملة، تعتبر الإنسان في صلب كل مشروع، وتربط بين البيئة والمجال والعدالة الاجتماعية في رؤية واحدة.
فالاستثمار في الإنسان، عبر التعليم والتكوين والتمكين المحلي، هو الشرط الأساسي لتحويل الرؤية إلى واقع ملموس، وبناء الثقة بين المواطن والمؤسسات.

في الختام، إن الخطاب الملكي السامي لجلالة الملك محمد السادس نصره الله يؤسس لمرحلة جديدة في مسار التنمية المغربية، تُوازن بين السرعة والعمق، بين الطموح والواقعية.
إنها دعوة لتفعيل الرؤية المستدامة على أرض الواقع، من خلال سياسات مندمجة تُراعي البيئة والمجال والإنسان في آن واحد.

*خبير في الهندسة المدنية والبناء – باحث في التنمية المستدامة – مدير مكتب الدراسات والأبحاث – مستشار استراتيجي بالهيئة الدولية للدبلوماسية الموازية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *