المغرب: الملك محمد السادس يترأس افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة للولاية الحادية عشرة ويحدد خارطة طريق للتنمية والعدالة الاجتماعية.

الوطن24 / الرباط
ترأس صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مرفوقًا بصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن وصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، يوم الجمعة 10 أكتوبر 2025 افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة للولاية التشريعية الحادية عشرة لمجلس النواب، في حدث رسمي يعكس رمزية المؤسسة الملكية ودورها الفعّال في توجيه السياسات الوطنية الكبرى.
ولدى وصول جلالة الملك إلى مقر البرلمان، استعرضت تشكيلة من الحرس الملكي، وأدى النشيد الوطني تحية للعرش، فيما حرص الملك على الرد من شرفة البرلمان على تحايا المواطنين، مجددًا تأكيدهم على الولاء للعرش العلوي المجيد. وبعد تلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، ألقى جلالة الملك خطابًا ساميًا أمام أعضاء غرفتي البرلمان، مسلطًا الضوء على التحديات الكبرى التي تواجه المملكة وسبل تعزيز التنمية والعدالة الاجتماعية والمجالية.

الخطاب الملكي: رسالة واضحة للمغرب الصاعد
في خطابه، شدد الملك على أن العدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية ليست شعارات فارغة أو أولويات مرحلية، بل توجّه استراتيجي ورهان مصيري يجب أن يوجّه جميع السياسات الوطنية. وأوضح جلالته أن تعبئة جميع الطاقات الوطنية ضرورية لتحقيق المغرب الصاعد، مؤكدًا أن السنة التشريعية الأخيرة يجب أن تكرّس للعمل الجاد والمسؤولية لاستكمال المخططات التشريعية وتنفيذ البرامج والمشاريع المفتوحة والدفاع عن قضايا المواطنين.
وشدد الملك على ضرورة تكامل المشاريع الوطنية الكبرى مع البرامج الاجتماعية، لضمان تنمية شاملة وتحسين ظروف عيش المواطنين أينما كانوا، مع التأكيد على أن تأطير المواطنين والتعريف بالمبادرات والقوانين المتعلقة بحقوقهم وحرياتهم مسؤولية مشتركة تشمل الحكومة، البرلمان، الأحزاب السياسية، المنتخبين، المجتمع المدني ووسائل الإعلام.
تعزيز التنمية الترابية: جيل جديد من البرامج
ركز الملك على إطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية، داعيًا إلى تسريع وتيرة تنفيذها لتحقيق أثر ملموس، مع مراعاة علاقات رابح – رابح بين المناطق الحضرية والقروية. وأكد جلالته ضرورة إعطاء عناية خاصة للمناطق الأكثر هشاشة، خصوصًا الجبال والواحات، والتفعيل الجدي لآليات التنمية المستدامة للسواحل الوطنية، بما يوازن بين الاستغلال الاقتصادي وحماية الموارد الطبيعية ضمن اقتصاد بحري وطني مستدام. كما شدد على توسيع نطاق برنامج المراكز القروية الناشئة لتدبير التوسع الحضري وتقليل آثاره السلبية على البيئة والمواطنين.
دعوة واضحة لتعبئة الفاعلين الوطنيين
دعا جلالته الحكومة والبرلمان، أغلبية ومعارضة، إلى تعبئة كل الطاقات والإمكانات وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين، مؤكدًا أهمية النزاهة والالتزام ونكران الذات في خدمة المصلحة الوطنية. وأشاد الملك بالجهود المبذولة للارتقاء بالدبلوماسية الحزبية والبرلمانية، داعيًا إلى المزيد من الاجتهاد والفعالية والتعاون مع الدبلوماسية الرسمية لضمان نجاح السياسات الوطنية وتحقيق التنمية المستدامة.
متابعة أداء البرلمان والحكومة
بعد الخطاب، استقبل الملك، مرفوقًا بولي العهد والأمير مولاي رشيد، رؤساء غرفتي البرلمان والوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان، حيث قدموا له حصائل أشغال السنة التشريعية 2024-2025، بما يعكس متابعة دقيقة من المؤسسة الملكية لأداء الهيئات المنتخبة وعلاقتها بالسياسات الوطنية. واختتم اليوم الملكي بحفل استقبال رسمي على شرف أعضاء مجلسي النواب والمستشارين، تأكيدًا على أهمية التواصل بين المؤسسة الملكية والهيئات المنتخبة.

أبعاد التنمية المحلية: تحليل تفصيلي
يعد تركيز الملك على المناطق الجبلية والواحات و المناطق الساحلية والمراكز القروية جزءًا من استراتيجية متكاملة تهدف إلى تقليص الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين الجهات المختلفة. فالمناطق الجبلية، التي تغطي حوالي 30% من التراب الوطني، تتميز بموارد طبيعية كبيرة لكنها تواجه تحديات في البنية التحتية والخدمات الأساسية. وبالمقارنة مع دول مثل تركيا وكوريا الجنوبية، التي نفذت برامج مماثلة لتطوير المناطق النائية والريفية، يمكن للمغرب تحقيق أثر ملموس على مستوى تحسين فرص الشغل والخدمات الأساسية من خلال توجيه الاستثمارات وتخصيص برامج تنموية متكاملة.
بالنسبة للسواحل، فإن التفعيل الجدي لآليات التنمية المستدامة، بما في ذلك القانون المتعلق بالساحل والمخطط الوطني للساحل، يضمن استثمار الموارد البحرية بطريقة مستدامة تخلق الثروة وفرص الشغل دون الإضرار بالبيئة، وهو توجه متوافق مع التجارب الدولية في التنمية الساحلية في إسبانيا وفرنسا، حيث أثبتت استدامة الموارد البحرية تعزيز الاقتصاد المحلي والحفاظ على التوازن البيئي.
أما المراكز القروية الناشئة، فهي تشكل أداة استراتيجية لتقريب الخدمات الأساسية من المواطنين في العالم القروي، وتحسين جودة حياة السكان، وتخفيف الضغوط على المدن الكبرى، وهو توجه مشابه لما اعتمدته الهند والبرازيل في إدارة التوسع الحضري وتطوير البنية التحتية القروية.
البعد الاقتصادي والاجتماعي
من الناحية الاقتصادية، يسهم تطبيق هذه البرامج في زيادة الاستثمار المحلي، وتحفيز المبادرات الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة، وخلق فرص عمل للشباب، ما يعزز النمو الاقتصادي المتوازن ويحد من الهجرة الداخلية إلى المدن الكبرى. كما أن تعزيز التعليم والصحة وتحسين البنية التحتية يساهم في رفع مؤشر التنمية البشرية، وتقليل الفوارق الاجتماعية بين المناطق الحضرية والقروية.
البعد السياسي والدستوري
سياسيًا، يبعث خطاب الملك رسالة قوية لكل الفاعلين الوطنيين بأن السنة التشريعية الخامسة للولاية الحادية عشرة تتطلب تعاونًا فعليًا بين الحكومة والبرلمان والأحزاب والمجتمع المدني، بعيدًا عن المناكفات السياسية، مع التركيز على النتائج الملموسة. ويؤكد الخطاب على أهمية النزاهة والشفافية والمساءلة في العمل البرلماني، باعتبارها عامل استقرار ورافعة للثقة بين المواطن والمؤسسات.
مقارنة بالتجارب الدولية
إذا قارنا تجربة المغرب مع دول مثل كوريا الجنوبية وتركيا والبرازيل، نرى أن النجاح في التنمية المحلية والعدالة المجالية يعتمد على استراتيجيات شاملة، تشمل البنية التحتية والخدمات الأساسية والفرص الاقتصادية، مع إشراك المجتمع المدني والفاعلين المحليين في التخطيط والتنفيذ. المغرب، بقيادة الملك محمد السادس، يسير في هذا الاتجاه، مع التركيز على تحقيق تكافؤ الفرص وتحسين جودة حياة المواطنين في مختلف جهات المملكة.
خارطة طريق المغرب الصاعد
خطاب الملك يمثل خارطة طريق واضحة للسنة التشريعية الخامسة للولاية الحادية عشرة، حيث يحدد الأولويات الوطنية ويحفز الفاعلين السياسيين والاجتماعيين على العمل بفعالية، لضمان استكمال البرامج الكبرى وتحقيق التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية والمجالية. كما يعكس الالتزام الملكي بخلق بيئة عمل فعالة للبرلمان والحكومة والأحزاب والمجتمع المدني، مع تشجيع النزاهة والالتزام بروح المسؤولية لضمان تكافؤ الفرص لجميع المواطنين.
الخلاصة
يجمع خطاب جلالة الملك محمد السادس بين الرمزية السياسية والتوجيه العملي والتنمية الاستراتيجية، ويعكس رؤية واضحة للمغرب الصاعد والمتضامن. ويضع خارطة طريق للسنة التشريعية الأخيرة لضمان استدامة النمو وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية على أرض الواقع، مع تعزيز مكانة المغرب داخليًا ودوليًا. كما يقدم الخطاب نموذجًا متقدمًا في العلاقة بين البرلمان والحكومة والمجتمع المدني، مؤكدًا أن التنمية المستدامة تتطلب تعبئة كل الطاقات الوطنية والتزامًا دائمًا بالشفافية والمساءلة.