المغرب: خيوط فضيحة اختلاس 26 مليار سنتيم من وكالة بنكية بتطوان تكشف عن شبكة مالية معقدة

الوطن24 / تطوان

في واحدة من أخطر القضايا المالية التي تهز النظام البنكي المغربي، تتجه الأنظار نحو مدينة تطوان، حيث تتكشف يوماً بعد آخر تفاصيل مثيرة حول اختلاس ما يفوق 26 مليار سنتيم من وكالة بنكية كبرى، في ملف تتقاطع فيه المصالح والتواطؤات، وقد يعيد رسم خريطة الثقة داخل المؤسسات المالية بالمملكة.

في الوقت الذي يترقب فيه الرأي العام المغربي ما ستسفر عنه جلسة السابع عشر من نونبر المقبل أمام محكمة جرائم الأموال، تتواصل التسريبات حول تطورات غير مسبوقة في مسار التحقيق، إذ قررت الهيئة القضائية استدعاء مسؤولين كبار على رأس لجان التفتيش والتدقيق بالبنك المعني، إلى جانب شخصيات مالية وإدارية يُعتقد أن إفاداتها ستكشف عن تفاصيل جديدة حول مسار الأموال المفقودة وطبيعة المعاملات المشبوهة.

التحقيقات، وفق مصادر “الوطن24”، كشفت عن نظام موازٍ للعمل البنكي الرسمي استُخدم لتسهيل تحويلات مالية ضخمة خارج المساطر القانونية، عبر حسابات تم فتحها خصيصاً لتغطية عمليات القروض الوهمية أو لتبييض الأموال. هذه الممارسات، التي امتدت لسنوات، لم تكن لتتم دون علم أو تواطؤ من داخل المؤسسة البنكية نفسها، وهو ما يجعل الملف أكثر تعقيداً مما كان متوقعاً.

وفي تفاصيل مثيرة أخرى، تفيد المعطيات أن جزءاً من الأموال المختلسة تم تبييضه في مشاريع عقارية فاشلة بالشمال، بينما وُجهت مبالغ أخرى نحو أنشطة القمار والمضاربة في طنجة. كما تتحدث تقارير أولية عن علاقات مالية غامضة تربط المتهمين بمنعشين عقاريين وأعيان معروفين بالمنطقة، ما يزيد من غموض الشبكة التي كانت تتحكم في تدفق هذه الأموال.

وتُظهر الوثائق المسربة تناقضاً واضحاً بين تصريحات المتهمين الرئيسيين؛ فمدير الوكالة البنكية – وهو المتهم الأول – دافع عن قانونية العمليات التي أشرف عليها، بينما قدم الموظف الثاني إفادات مفصلة عن تعليمات “غامضة” تلقاها من شخصيات مؤثرة، سهلت تمرير قروض بمبالغ ضخمة دون ضمانات مكتوبة، مقابل عمولات وامتيازات.

ولم يسلم المجال الرياضي من تداعيات القضية، إذ تطرقت التحقيقات إلى ملفات مالية مرتبطة بفريق المغرب التطواني، وسط حديث عن شبهات تمويلات يصعب تحديد مصدرها الحقيقي، وربطها بمسارات التحويلات البنكية المشبوهة.

على المستوى المؤسسي، أثارت الفضيحة حالة استنفار داخل البنك المعني، حيث أطلقت الإدارة المركزية تحقيقات موازية لتحديد المسؤوليات وتقييم إخفاقات المراقبة الداخلية. في المقابل، تتعالى الأصوات في الأوساط الاقتصادية مطالبةً بـ مراجعة عميقة لآليات الرقابة البنكية وتعزيز الشفافية المالية.

ويرى خبراء أن جلسة 17 نونبر ستكون مفصلية، وقد تكشف عن أسماء جديدة أو مسارات مالية لم تُحدد بعد، مما يجعلها من أكثر الجلسات ترقباً في تاريخ قضايا جرائم الأموال بالمغرب.

تحليل “الوطن24”

تكشف هذه القضية غير المسبوقة عن ثغرات عميقة في منظومة المراقبة البنكية بالمغرب، وتطرح تساؤلات حول فعالية أجهزة التفتيش والتدقيق الداخلي، في ظل مؤشرات على تواطؤات مؤسساتية وتقصير في آليات الضبط المالي.

ورغم الخطوات القضائية الجادة التي اتُّخذت حتى الآن، فإن ضخامة المبالغ المختلسة وتعدد الأطراف المتورطة تعكسان تحدياً هيكلياً في حوكمة القطاع البنكي المغربي، الذي يسعى إلى استعادة ثقة المستثمرين والأسواق الدولية.

ويرى محللون أن التعامل الصارم مع هذا الملف ومحاكمة كل من ثبت تورطه، سيكون بمثابة رسالة طمأنة قوية للمستثمرين الدوليين بأن المغرب ماضٍ في ترسيخ مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وأن مؤسساته القضائية قادرة على مواجهة جرائم المال العام دون استثناء.

وفي انتظار جلسة نونبر المقبلة، يبقى هذا الملف اختباراً حقيقياً للنظام المالي المغربي، وقد يشكل منعرجاً في مسار الإصلاح البنكي، وإشارة إلى مرحلة جديدة في تعزيز الشفافية والمساءلة داخل القطاع المالي الوطني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *