المغرب.. سنة بعد الخطاب الملكي: أين البرلمان من التغيير؟

الوطن24/ خاص
مرّت سنة كاملة على الخطاب الملكي التاريخي الذي وجّهه جلالة الملك محمد السادس نصره الله إلى الأمة بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الماضية، وهو الخطاب الذي وضع البرلمان المغربي أمام مسؤولياته الكبرى، ودعاه إلى إحداث نقلة نوعية في أسلوب عمله، خصوصًا في ما يتعلق بالدبلوماسية البرلمانية المغربية والدفاع عن القضية الوطنية الأولى، قضية الصحراء المغربية.
لكن، وبعد مرور عام كامل، يظل السؤال الحارق مطروحاً:
ماذا تحقق من التوجيهات الملكية؟ وأين تجسيد التغيير الذي دعا إليه الملك؟
في خطابه السامي، قال جلالة الملك بوضوح: “ولا يخفى عليكم، معشر البرلمانيين، الدور الفاعل للدبلوماسية الحزبية والبرلمانية في كسب المزيد من الاعتراف بمغربية الصحراء… لذا ندعو إلى المزيد من التنسيق بين مجلسي البرلمان بهذا الخصوص، ووضع هياكل داخلية ملائمة، بموارد بشرية مؤهلة، مع اعتماد معايير الكفاءة والاختصاص…”
كانت الرسالة الملكية في منتهى الوضوح:
- إصلاح شامل للدبلوماسية البرلمانية المغربية.
- إحداث هياكل داخلية متخصصة ومؤهلة.
- اعتماد الكفاءة والاختصاص في اختيار الوفود البرلمانية التي تمثل المغرب في المحافل الدولية.
غير أن الواقع بعد سنة من الخطاب يكشف أن البرلمان المغربي لم يتحرك بالسرعة المطلوبة، ولم يحقق أي خطوات ملموسة نحو التفعيل. فلا مباريات لتوظيف الكفاءات، ولا آليات حديثة لتقوية الأداء الدبلوماسي، بل العكس هو الحاصل: توظيفات مباشرة وإلحاقات من قطاعات وزارية دون معايير شفافة أو تنافسية، في مشهد يكرّس الريع الحزبي بدل تكافؤ الفرص.
لقد تحوّل البرلمان المغربي، في ظل هذا الواقع، إلى إدارة متخمة بالأطر الإدارية دون فعالية حقيقية، تخدم أجندات حزبية أكثر مما تخدم المصلحة الوطنية العليا.
جلالة الملك قالها منذ توليه العرش: “لقد قلت، منذ اعتلائي العرش، أننا سنمر في قضية وحدتنا الترابية من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير…”
لكن التغيير لم يأتِ بعد.
فلا أثر لهياكل جديدة، ولا وجود لسياسة تشغيل شفافة، ولا رؤية واضحة للدبلوماسية البرلمانية المغربية كما أرادها الملك.
وهذا الخطاب، في جوهره، ليس معزولاً عن السياق العام لخطابات ملكية سابقة، تحدثت بجرأة عن فقدان الثقة في الطبقة السياسية، وشعور المواطن المغربي بعدم الرضا عن أداء مؤسسات الدولة، وافتقار سياسة القرب من المواطن، وطرح السؤال الجوهري: “أين الثروة؟”
كلها رسائل ملكية متلاحقة تُشكّل حلقة واحدة من النقد الذاتي للدولة، تحذر من دوامة الفساد المستشري في القطاعات الحكومية والجماعات الترابية، وتدعو إلى وقفة وطنية حقيقية تقطع بشكل جذري مع منطق المسكنات، نحو خطة إصلاح شاملة يقودها جيل جديد من الكفاءات والمصلحين الحقيقيين.
أين نحن من ذلك اليوم؟
كيف يمكن الحديث عن برلمان يترجم رؤية الإصلاح وهو لم يُصلح بيته الداخلي بعد؟
وكيف يمكن لمؤسسة تشريعية أن تدافع عن مصالح المغرب في الخارج، وهي لم تنجح في تفعيل التوجيهات الملكية داخل أسوارها؟
إن المغرب اليوم يقف عند مفترق طرق تاريخي:
إما أن يختار البرلمان طريق الإصلاح الجذري، فيعيد الثقة للمواطن، ويجعل من الدبلوماسية البرلمانية رافعة للدفاع عن قضاياه الكبرى،
أو يواصل الدوران في حلقة الجمود والترضيات، ليفقد ما تبقى من مصداقيته أمام الشعب وأمام المؤسسة الملكية.
الملك رسم الطريق بوضوح، والكرة الآن في ملعب البرلمان.
فهل يجرؤ على التغيير؟
أم سيكتفي مجدداً بمسكنات مؤقتة أمام واقع يحتاج إلى جراحة عميقة؟
الزمن يمر… والمحاسبة قادمة لا محالة.