الممثلون على خشبة السياسة: مسرحية الرداءة الكبرى”

الوطن24/ ياسين امغان
من أكثر المشاهد عبثية في الواقع المغربي أن نرى بعض الممثلين، الذين قضوا سنوات طويلة في تقمص أدوار وهمية على خشبة المسرح أو أمام عدسات الكاميرا، يقفزون فجأة إلى عالم السياسة، وكأن السياسة مجرد دور إضافي في مسلسل الرداءة.
هؤلاء الذين لم يحملوا يوما هم الوطن، ولم يكونوا في الصفوف الأولى للدفاع عن قضايا الناس، ظهروا فجأة في واجهة المشهد السياسي، متلحفين بغطاء حزب يقود اليوم واحدة من أفشل الحكومات في تاريخ المغرب الحديث.
هذه الحكومة لم تجلب سوى الأزمات، إذ أثبتت بالملموس أنها عاجزة عن الوفاء بأبسط الوعود، بل إن سياساتها ساهمت بشكل مباشر في تعميق معاناة المغاربة، الغلاء الفاحش، البطالة، انهيار الخدمات الأساسية في الصحة والتعليم، وتراكم الفضائح.. كلها نتائج مريرة لسنوات من التدبير الكارثي، في خضم هذا الفشل، يطل علينا بعض الممثلين بوجه سياسي جديد، وكأنهم وجدوا في هذه الحكومة المترهلة مسرحا مناسبا لإكمال عرضهم الكوميدي، لكن هذه المرة على حساب الشعب.
إن انخراط الممثلين في حزب يقود حكومة فاشلة ليس اختيارا عابرا أو بريئا، بل هو انعكاس لذهنية انتهازية تعتبر السياسة مجرد وسيلة لزيادة الرصيد الشخصي من المال والشهرة، فما الذي يمكن أن يقدمه ممثل قضى حياته في تجسيد أدوار خيالية؟ هل يملك الخبرة في الاقتصاد؟ هل يعرف شيئا عن “التشريع” أو عن تدبير الشأن العام؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون دورا جديدا في مسرحية طويلة عنوانها “التمثيل السياسي”؟
القضية هنا ليست مجرد انتقال شخص من مجال إلى آخر، بل هي قضية أخلاق وضمير، السياسة في جوهرها مسؤولية ثقيلة، تقتضي الصدق والوفاء، وتتطلب خدمة الصالح العام والتفاني في الدفاع عن مصالح الناس، لكن حين يصبح السياسي مجرد ممثل، فإن الكذب يصبح طبيعيا، والخداع يتحول إلى أسلوب عمل، والشهادة الزور تصير جزءا من يومياته، وهنا تتحول السياسة إلى مسرحية عبثية، يُضحك فيها على الشعب، وتباع فيها الأوهام بدل الحلول.
وإذا تأملنا بعمق، سنجد أن الممثل الذي يلهث وراء كرسي سياسي لا يختلف في شيء عن أي تاجر نفعي لا يهمه سوى الربح، فكما يبدل الممثل قناعه بين مشهد وآخر، يبدل السياسي-الممثل خطابه بين لحظة وأخرى.
أمام الكاميرات يتحدث عن الوطنية والمبادئ، وخلف الكواليس يعقد صفقات مشبوهة ويبحث عن الامتيازات، والنتيجة واحدة: وطن يباع في سوق المصالح، ومواطنون يتركون فريسة للمعاناة.
إن التحاق هؤلاء الممثلين بحزب يقود حكومة فضائحية ليس صدفة، بل هو انسجام تام مع طبيعة هذا الحزب نفسه، فالحزب الذي أثبت أنه لا يمتلك أي مشروع مجتمعي حقيقي، وبدل أن يقدم حلولا للأزمات، راكم خيبات متتالية، هو نفسه الذي يفتح أبوابه لانتهازيين يبحثون عن مجد زائف، وهكذا تلتقي الرداءة السياسية مع الرداءة الفنية في مشهد واحد: مشهد العبث بمصير المغاربة.
لقد أصبح المواطن المغربي اليوم أمام مشهد مقيت: حكومة فاشلة في كل المقاييس، يتصدرها سياسيون بلا كفاءة، ويزين واجهتها ممثلون بلا قيم، خليط يجعل السياسة أقرب إلى مسرحية هزلية، بطلها الكذب، وديكورها الوعود الفارغة، وضحيتها الشعب، فالمغاربة الذين كانوا يأملون في تحسين أوضاعهم، وجدوا أنفسهم داخل متاهة من الغلاء وانسداد الأفق، بينما الممثلون-السياسيون ينعمون بالرواتب السخية والامتيازات.
التاريخ لا يرحم، والمغاربة لا ينسون، كل ممثل قرر أن يبيع ضميره ويستعمل شهرته من أجل تسويق حزب فاشل سيسجل اسمه في خانة الخيانة.
فالشعب يعرف جيدا أن هؤلاء ليسوا سوى شهود زور، وأن كل خطاباتهم مجرد مشاهد مرتبة سلفا، وأن كل تصرفاتهم محكومة برغبة واحدة: جمع المال وحصد الأضواء.
إن أخطر ما في الأمر هو أن استمرار هذه المسرحية يهدد ما تبقى من الثقة بين المواطن والسياسة، فحين يرى المواطن أن من يحكمه اليوم مجرد ممثلين يعيشون على الكذب، فإنه يفقد الإيمان بالعملية السياسية برمتها، وهذا أكبر خطر على مستقبل الوطن: أن يتحول المواطن إلى متفرج سلبي، ساخط، فاقد للأمل، لا يرى في السياسي سوى ممثل رديء، ولا يرى في الحكومة سوى فضيحة متحركة.
باختصار، الممثلون الذين يقتحمون السياسة عبر حزب يقود أفشل حكومة في تاريخ المغرب ليسوا رجال دولة، ولا نخبة مسؤولة، بل مجرد مهرجين في مسرح سياسي عبثي، لا ضمير يحكمهم، ولا قيم أخلاقية توجههم، وكل ما يربطهم بالشعب هو الكذب، لكن هذه المسرحية لن تدوم طويلًا، لأن الشعب يعرف جيدا أن الصدق لا يمثل، وأن الوطن لا يباع، وأن الكرامة لا تختزل في دور على خشبة السياسة.