الإنصاف وتكافؤ الفرص في المدرسة المغربية ومهام الديمقراطيين

الوطن24/العلمي الحروني 

نظمت اللجنة الوطنية لقطاع التعليم الحزب الاشتراكي الموحد ندوة رقمية يوم 27 دجنبر 2022 تناولت موضوع ” الإنصاف وتكافؤ الفرص في المدرسة المغربية”، أعمم تدخلي في النقاش حول الموضوع، لتعميم الفائدة.
بداية ووفاءا لشهداء قضية التعليم الذين ضحوا بحياتهم من أجل المطالبة بتعليم ديمقراطي شعبي يكون في خدمة الوطن والشعب، نترحم على أرواحهم وارواح شهداء الشعب المغربي وضمنهم مئات الشهداء الذين قتلوا خلال الانتفاضة التلاميذية ل 23 مارس 1965 ضد إقصاء أبناء الشعب الغلبة من متابعة دراستهم بالثانويات مع منح الامتياز لأبناء الطبقة البورجوازية، وعلى أرواح بنات وأبناء الشعب المغربي كافة من أجل الديمقراطية.
لمعرفتنا بقامات وهامات وخبرات الأساتذة المشاركين في هذه الندوة ، ولتفادي التكرار، سأكتفي في المداخلة المركزة باستعراض بعض الأفكار في شكل ؤرس أقلام علها تغني وتفيد في النقاش.
1) يقال حين يتطور العمران، تتطور معه سائر القطاعات والخدمات Quand le bâtiment va tout va
الحقيقة العميقة هي أنه حين ينهض التعليم تنهض معه سائر القطاعات الأخرى بما فيها العمران
هذه المسلمة تعكس مطلب أساسي لرفاقنا النقابيين الذي يفيد” الاعتناء بالرأسمال البشري ” تكوينا وتحفيزا وتوفير صحة وظروف عمل.. وهو ما تؤكده حركة اليسار الجديد بمركزية الانسان والطبيعة معا أي مركزية العلم والبيئة والمعرفة

2) في بلدنا حيث يتناوب على الشعب المغربي تياري التمكين و التحكم.. تناوب الأصوليتين الدينية والمخزنية: كلتاها تخدم نفس الأجندة الامبريالية النيوليبرالية العالمية بوكلاء محليين.
هدفها في آخر المطاف هو: بناء تعليم طبقي لاديمقراطي لا شعبي يمشي بسرعتين : تعليم في خدمة الطبقة المستبدة السائدة وليس في خدمة الشعب.
تعليم خصوصي يحظى بامتيازات كثيرة ابتداء من الإعفاءات الضريبية بهدف تشجيعه وانتهاء بتسليمها بعض المؤسسات والفضاءات العمومية، وتعليم عمومي بميزانية لا تتلاءم وحجمه وتقليص الموارد البشرية وعدم ملائمة عدد المؤسسات لمعايير ” الجودة ” المتعارف عليها دوليا مما أدى لمؤسسات بأقسام مكتظة.
هذه سياسة قارة لدى الدولة العميقة ، الشيء الذي فرض ويفرض علينا كيسار مهمة قارة وهي مقاومة هذه السياسة التي نعتبرها ونصفها باللاشعبية واللاديمقراطية تضرب في العمق مبدأ الانصاف وتكافؤ الفرص بين أفراد الشعب المغربي الواحد.
الانتفاضة المجيدة 23 مارس 1965، اندلعت، كما يعرف الجميع، للضغط على من أجل التراجع على قرار لا ديمقراطي ولا شعبي يخص بالأساس قطاع التعليم وهو: تكريس سياسة اقصائية في القطاع بسن يوسف بلعباس وزير التعليم لقرار يمنع الشباب فوق سن 17 من الحضور والدراسة في الثانوية وطبق على حوالي 60 في المئة من الطلاب المنتمين للطبقة الكادحة ، في حين ينعم أبناء الطبقة البرجوازية بامتيازات مريحة في التكوين والتعلم. تم التراجع على ذلك القرار بضغط اجتماعي للحركة التلاميذية.. وفي إبتنها شرعت الحركة التلاميذية في تنظيم نفسها بتحفيز من الاطر التربوية ومساندة أسرهم.. وكان رد الدولة على لسان الملك الحسن التاني آنذاك هو اتهام الاساتذة بالضلوع في تحفيز الحركة الاحتجاجية الشعبية وكان ما ماك من قمع وحشي.. كما غير المخزن تحالفه الاستراتيجي بالاعتماد، منذ ذلك الحدث، على أعيان البوادي والاقطاعيين.
وكان ذلك أصل تأسيس اليسار الجديد الذي بني على أنقاض يسار الحركة الوطنية الذي لم يتحمل مسؤوليته أمام الهجوم الوحشي لقوات الأمن والجيش المخزني بالرصاص الحي أرضا وجوا من مروحية الجنرال اوفقير مما تسبب في قتل آلاف ودفنهم في مقابر جماعية سرية واعتقال المئات.. مقابر لم يعرف مكانها إلا مع خلق هيئة الانصاف والمصالحة التي لا زالت توصياتها في الرفاف.. وبقي مصير العديد من المختفون مجهول المصير لحد اليوم.. كما بقي عائلات الضحايا المكلومة في فلذات اكبادها يعاني من الجروح.
فما أشبه الأمس باليوم
3) تبنت الحركة الوطنية – المبادئ الأربع: التعميم والتوحيد، والتعريب، ومغربة الأطر لأسباب وأهداف واضحة معروفة..
الدولة وحكوماتها تفهم أو تؤول مبدأ التعميم بهدف تجزيئه وأصبح منظروها يتحدثون عن التعميم فقط في المستويات الأساسية ( الزامية التعليم الى حدود 16 سنة). نضرب مثالا على ذلك، أن الدولة من خلال الرؤية الاستراتيجية للتعليم 2015-2030 تتحدث عن الزامية وتعميم التعليم الاولي للفئة العمرية 4 الى 5 سنوات في أفق 2026، غير أنها لم توفر البنيات المادية أي الحجرات بالمؤسسات الابتدائية الكفيلة باستقبال أطفال هذه الفئة العمرية، مما يضطر الآباء إلى الاقبال على المؤسسات الخصوصية بالنسبة للعائلات المنتمية للطبقة المتوسطة ويبقى نصيب العائلات ذوي الذخل المحدود والطبقات الكادحة المؤسسات المنتمية للقطاع غير المهيكل من التعليم الاولي الذي لا يتوفر على ترخيص من الوزارة ( نسبته بتمارة هي 39 %). فأين هي أولوية ارتكاز التعليم على مبدأ الانصاف وتكافؤ الفرص؟ فدراسات حديثة أكدت أن غالبية التلاميذ المتفوقين في الباكلوريا كانوا من الذين تابعوا التعليم الاولي بمعايير حديثة.

بالمناسبة، نتذكر، خطاب رئيس البلاد حين تحدث عن التكوين المهني كخيار، مما يعني، حسب رأي مختصين متابعين للشأن السياسي التعليمي، تكريس وتعميق التمييز و الرجوع لمنطق 1965 .. ، وتكريس سياسة التقويم الهيكلي سنوات التمانينات.

في حين رفع اليسار الجديد شعارات/مطالب أساسها مبادئ المجانية لسد الطريق على سياسة الخوصصة على والالزامية لإلزام الفئات الأكثر هشاشة على تسجيل ابنائها في اسلاك التعليم ولحمل الدولة على توفير البنى التحتية والموارد البشرية اللازمة الضرورية.. عطفا على مبدأ التوحيد.. ذلك لإعطاء عمقا لمبدأي الانصاف وتكافؤ الفرص.

4) حاليا في عصر ” الموضة ” نتحدث عن مطلب التعليم الجيد أو جودة التعليم. أعتقد أنه مطلب فاقد للمصداقية ويراد به باطل لماذا؟
لقد ارتبط مفهوم الجودة في المنظومة الرأسمالية بالثمن: Facteur qualité/prix، أي أن الجودة في المجال التربوي ارتبطت بمن يدفع أكثر. فهناك مدارس البعثات والمدارس الخصوصية بمختلف درجاتها وهناك التعليم العمومي . الشيء الذي يضرب مبدأ الانصاف وتكافئ الفرص في مقتل.
فمفهوم الجودة هو في عمقه مفهوم رأسمالي نيوليبرالي. الجودة هي بالتدقيق: توفير حاجيات وتطلعات الزبناء بأثمنة مناسبة وفي زمن معقول أو قياسي
Satisfaire les besoins et les attentes des clients dans les meilleures conditions de cout et de délais
فهل هناك تعليم جيد وآخر رديء؟؟ التعليم هو وحدة متكاملة وليس سلعة منها الرخيص للفقراء والغالي للأغنياء.. وهناك عديدون ينساقون بدون وعي مع هذه الموضة.. موضة جودة التعليم..
هنا يكمن العمق والأصل الثقافي الفكري للمفاهيم الغربية التي غزت العديد من العقول ومن هنا نفهم أهداف الإجراءات/القرارات الحكومية: مثلا إجراء لخوصصة أو الخصخصة والتسليع وغيرها…
لقد كثرت المناظرات والقرارات الاجرائية والمخططات الاستعجالية وغير الاستعجالية في قطاع التعليم والهدف واحد: هو التصور الطبقي لهذا القطاع الحيوي، ليبقى في خدمة البورجوازية..
5) إن الحق في التعليم حق من حقوق الناس كل الناس في التنمية على قاعدة المساواة وتكافئ الفرص وهو ليس أقل قدسية من الحق في الحياة.

– وبما أننا نتحدث في صلب موضوع تكافؤ الفرص والانصاف في المدرسة العمومية، لا يجب علينا أن نغفل موضوعا لا يقل أهمية عن حق هذه الفئات العمرية في تعليم ديمقراطي وهو إتاحة الفرصة وإنصاف فئات عمرية أخرى في حقها في الشغل. وقد تم إقصاؤها خارج القوانين والمساطير الادارية المعمول بها. وهنا نستحضر القرار الجائر والمشؤوم بإقصاء حملة الشواهد البالغين من السن فوق 30 سنة من حقهم في امتهان مهنة التدريس وذلك في أول قرار لرئيس لجنة النموذج التنموي الجديد ( بعد الاقرار الرسمي بفشل النموذج السابق من قبل واضعيه)، بالتجرأ على الشعب وإنزال قرار اقصائي انتقائي خطير يعكس النظرة الاحتقارية لحقوق ومكتسبات الشعب، كل ذلك تحت ذريعة ” الرفع من جاذبية التعليم ” وهي لا تقنع أحدا
– يبدو أن ” خبراء ” الحكومة يشتغلون بتصور تقنوي بئيس وكأنهم خبراء الأمم المتحدة العاملين وراء الحواسيب بمكاتب مكيفة لا تربطهم مع المواطنين والشعوب أي ارتباط…

وقد تم التأسيس لهذا القرار في عهد حكومة بن كيران وسعد الدين العثماني من خلال الاجراءات والتوجهات التالية التي تنسجم مع إملاءات المؤسسات المالية الامبريالية، نذكر منها أساسا:
– فرض التعاقد والرفع من سن التقاعد، والتسريع بالخوصصة والخصخصة ليصل المستوى الجامعي ومعاهد تكوين الأطر الهندسية والتدبيرية، واستفادت منه في إطار جمع الأموال من أجل التمكين،
– وفصل التكوين عن التوظيف لجعل أبناء وبنات الطبقة الشعبية في خدمة الرأسمال (مول الشكارة) المستثمر في قطاع التعليم كيد عاملة بدون حقوق تئن بين مطرقة الفقر وسندان البنود المجحفة لمدونة الشغل
– الرأي العام يسجل تصريح رئيس الحكومة السابق بنكيران حين قال: بأنه حان الوقت لترفع الدولة يدها/دعمها عن التعليم والصحة وتصريح صاحبه وزير التعليم العالي لحسن الداودي حين قال بأنه لا جدوى من تكوين طلبة في العلوم الانسانية … ووو ومحاولة فصل التكوين في المراكز الجهوية لتكوين الاساتذة …
– الحكومة الحالية، حكومة التحكم، المنبثقة من انتخابات مزورة فاقدة للمصداقية استعمل فيها المال العام بشكل ملفت غير مسبوق وانقضت على الارادة الشعبية وصنعت أغلبيتها المتحالفة مع النظام المخزني: حكومة السيد أخنوش لا تخرج عن السياق بل هي في صلب التوجه المخزني.. ليس بالصدفة تعيين الوزير الحالي، الذي تولى منصب وزير الداخلية سابقا، على رأس قطاع التربية الوطنية والتعليم والرياضة.. ولهذا معنى ومقاصد ..

بناء على ما سبق، فنحن في الحزب الاشتراكي الموحد، كامتداد لحركة 23 مارس، التلاميذية والشعبية، عبرنا ونعبر عن رفضنا لسياسات الدولة في قطاع التعليم من خلال:
– رفع شعار دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع، وهذا يمر بالأساس من دمقرطة المدرسة المغربية.. بما يعني من إعطاء عمق حقيقي لمبدئي الانصاف وتكافؤ الفرص،
– التأكيد على مبادئ الالزامية، والمجانية، والتوحيد كمرتكزات وأسس حقيقية للانصاف وتكافؤ الفرص،
– ضرورة سن سياسة قارة للدولة في قطاع لا يقبل التقلبات والارتجالية وضمان الاستثمار العمومي في هذا القطاع الحيوي والضروري لبناء الانسان والاجيال القادمة
– رفض فرض التعاقد على الأساتذة واطر الدعم بالاكاديميات في قطاع استراتيجي لا يجب أن يخضع للتقلبات الظرفية للحكومات،
– رفض القرار المشؤوم اللاقانوني واللادستوري بحرمان فئات واسعة من ولوج مهنة التعليم لمن تعدوا سن 30 سنة..

المقترحات ومهام الديمقراطيين
نظرا للأهمية القصوى لقضية التعليم التي نضعها أولوية الاولويات/ لأنه كما سبق أن أشرنا، فإن الاصلاح الجذري لقطاع التعليم ضرورة للنهوض بسائر القطاعات والخدمات الأخرى، كما أن التعليم كحق للجميع على قاعدة المساواة لا يقل أهمية من الحق في الحياة، لا يمكن القبول ب” طبقيته “، كما لا يمكن الاستمرار العبث.. عبث سياسات ومخططات رباعية او خماسية أقل ما يمكن ان يقال عنها أنها تطبيق حرفي نجيب لسياسة مملاة من الخارج من مؤسسات مالية دولية مانحة.
فلا بديل من ضرورة سن سياسة قارة للدولة في قطاع لا يقبل التقلبات والارتجالية وضمان الاستثمار العمومي في هذا القطاع الحيوي والضروري لبناء الانسان والاجيال القادمة.
ووفاءا لشهداء قضية التعليم الذين ضحوا بحياتهم من أجل المطالبة بتعليم ديمقراطي شعبي يكون في خدمة الوطن والشعب، فإن مهاما جسيمة تنتظر الديمقراطيين بالمغرب. المطلوب التأسيس لحوار وطني يشمل كل الهيئات الوطنية والديمقراطية حول ورش المدرسة العمومية، ولن يتأتى ذلك سوى بالضخط الاجتماعي والسياسي بتكتل جميع الديمقراطيين للدفاع عن دمقرطة قطاع التربية الوطنية والتعليم، و الحشد لحراك مجتمعي حول موضوع التعليم على أساس وثيقة مبادئ ومطالب واضحة دقيقة، ذلك لكون قضية التعليم قضية شعب بأكمله. يتطلب ذلك، الاستفادة من مدرسة الحراك الشعبي المغربي، حركة عشرين فبراير وحراك الريف خصوصا، بدعم الحراك الاجتماعي بقطاع التعليم وبلورة مشترك مطلبي من طرف النقابات الجادة وكافة الديناميات والتنسيقيات المناضلة في قطاع التعليم خارج أية أي إقصاء أت تعالي وأية نظرة ذاتية ضيقة.
كما يمكن خلق آلية تضمن الاستمرار في النقاش السياسي حول المسألة التعليمية من خلال هيئة موازية للمجلس الاعلى للتعليم تضم خيرة الاطر التربوية التي تزخر بها التنظيمات الديمقراطية واليسارية. وتبقى مهمة محاربة وفضح الفساد بكل تلاوينه في قطاع التعليم وفرض سياسة الحكامة الحقيقية مدخلا أساسيا.