دراسة تحليلية لمعيار التنمية مقاربة قضائية

الوطن24/ بقلم: حسن حلحول* 

أن التقرير السنوي الذي قدمه السيد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أمام أعضاء مجلس الأمن حول الصحراء المغربية ،أوضح فيه مقياس التنمية المرتبط بالتوجهات الاستراتيجية العامة للنموذج التنموي المغربي السوسيو الاقتصادية التي عرفتها أقاليمنا الجنوبية على غرار اقاليمنا الشمالية ، يشكل القاعدة المعيارية الأساسية والحجة البيانية تدحض كل مزاعم أعداء الوحدة الترابية ، واكاذيبهم حول البنية التحتية للأقاليم الجنوبية، هناك بون شاسع بين الصحراء المغربية التي تعتمد على المؤسسات السياسية التمثيلية والاقتصادية والاجتماعية وتحقق لشعبنا الأمن القضائي والغذائي وبين المليشيات الإرهابية في مخيمات تندوف.
إن دينامية التنمية في الأقاليم الجنوبية التي رصدها السيد الأمين العام في تقريره ،جاءت بناء على تقارير المنجزة من طرف خبراء التابعين للامم المتحدة ، تضاهي أو تتعدى التنمية كبرياء الولايات الجزائرية، حدد بتفصيل التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تتميز بالتنمية المستدامة تواكب تلك العلاقة الموجودة بين السياسة العامة التي يتبناها المركز وبين المجال الترابي لأقاليمنا الجنوبية التي تعمل على تنزيل الأوراش المتحدة غير قابلة للتبعيض التي هي متضمنة في النموذج التنموي الجديد الذي أعلن عنه صاحب الجلالة، وهذا التقرير يتماشى مع التقرير الذي انجزه الخبير السيد هوست كولير 2002 عندما اكد ن الاتفاقيات التجارية للتنقيب عن البترول صحيحة وقانونية ، والعلة في ذلك هي ان الدولة المغربية تعمل على خلق الثروات الذاتية من خلال الاستثمارات الداخلية في الأقاليم الجنوبية لتكون رافعة التنمية داخل هذه الاقاليم ، تمهيدا لتنزيل الحكم الذاتي الذي هو خيار الاستراتيجي للمغرب لإنهاء هذا الصراع الجزائري المفتعل المعادي للوحدة الترابية للمملكة الشريفة.
وقد حظي مقترح الحكم الذاتي الذي لا يعلى عليه وقبله اغب الدول في المنتظم الدولي بما في ذلك الدول الكبرى المؤثر في القرارات الدولية كالولايات المتحدة وفرنسا واغلب الدول الأوروبية والإفريقية،التي فتحت قنصلياتها في الصحراء المغربية.

تناسق تقريرغوتيريش للتنمية مع المحكمة البريطانية.

إن القرار الصادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بلندن يوم الخميس 2023/5/25 هو قرار نهائي ،القاضي برفض طلب الطعن المقدم من قبل منظمات غير حكومية الممولة من قبل الجزائر” wsc” المتعلق بإبطال اتفاق الشراكة الاقتصادية والتجارية الذي يربط بين المملكة المتحدة البريطانية والمملكة المغربية ،وهذا الاتفاق تم التوقيع عليه في سنة 2019 ودخل حيز التنفيذ في يناير 2021، والذي يشمل جميع ربوع المغرب من الشمال الى الجنوب بدون استثناء.وان هذا القرار عندما رفض استثناء الصحراء من الاتفاق الشراكة الاقتصادية والتجارية، باعتبار أن المواطنين الصحراويين المغاربة يستفيدون من هذه الشراكة ،ومعالمها بادية على مستوى التنمية والبنية التحتية للأقاليم الصحراوية،وأن من شأن عدم التمييز بين أقاليم الشمال وأقاليم الجنوب في القرار القضائي هو ان السيادة المغربية على جميع أقاليمه شمالا وجنوبا غربا وشرقا لا ينازعه فيها احد مهما كانت مكائد الأعداء .
يجب التأكيد هنا على مسألة قانونية في التنظيم القضائي لإنجلترا أن القرارات التي تصدر عن محكمة الاستئناف الإدارية بانجلترا المكونة من لوردات كبار القضاة ، قراراتها ذات مصداقية كبيرة على المستوى الإقليمي والدولي وهي غير قابلة للتجريح، وليس كالقرارات التي تصدرها الهيئات السياسية او الاحكام القضائية كالتي تصدر عن محكمة العدل الأوروبية المشوبة بالشطط في استعمال الحق ،
إن القراءة الفقهية والقانونية لهذا القرار القضائي الإداري الانكلوسكسوني، هو ان كل القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية ،عندما يقع الاختلاف بين فرقائها فإن الجهة التي لا يعلى عليها،يلجأ إليها لحسم النزاع اوأي الاختلاف بين أعضائها والبت فيه هو القضاء نظرا لقدسية القرارات القضائية، ولما كان القضاء البريطاني حسم الأمر من كون هذه الاتفاقية صالحة وصحيحة قانونيا وواقعيا، وأنها تدخل ضمن الاختصاصات الدولة المغربية وان لها السيادة المطلقة في إبرام هذه الاتفاقيات وأنها سليمة من الناحية القانونية، مما يعني أن التوجهات السياسية الدولية التي تسير في هذا المنحى هو تأكيد على أن الصحراء مغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي وقعت على سيادة المملكة المغربية على الصحراء وبالتالي فإن الصحراء في قلب المغرب والمغرب في صحرائه.
إن ما يستفاد من حكم محكمة الاستئناف الإدارية بلندن عندما علل أن اتفاق الشراكة الرابط بين انجلترا والمغرب، وأن المواطنين الصحراويين يستفيدون من هذه الشراكة والتي ظاهرة في دينامية التنمية المسطرة في الأهداف المستدامة المتمثلة في البنية التحتية والتنمية الثقافية والاقتصادية، هذا متطابق جملة وتفصيلا مع تقرير الأمين العام للأمم المتحدة
عندما ابرز دينامية التنمية السوسيو-اقتصادية وكذا الأوراش الضخمة التي ينجزها المغرب على مستوى البنيات التحتية التي تشهدها الصحراء المغربية.
إن التناسق والتماثل بين القرار القضائي الصادر عن محكمة الاستئناف بلندن والتقرير الأممي الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة ثمة
انسجام تام بين كلّ جزء منها مع بقيّة أجزائها بحيث لا يتعارض تنفيذ جانب الشراكة التجارية والاقتصادية مع بقية الجوانب الاخرى لتنزيل آليات تطبيق الحكم الذاتي،
بخلاف حكم المحكمة العدل الأوروبية الذي جاء متناقض مع حكم محكمة الانجليزية رغم سبقية البت هذه الأخيرة في هذه النقطة.

العقلانية النقدية القانونية وقرارمحكمة العدل الأوروبية .

إن السؤال الذي يفرض نفسه هو كيف ننظر الى هذا الحكم من الناحية العقلانية النقدية القانونية؟ ما هي الجوانب التي تجعل الحكم باطلا ؟ ما هي الالية المنطقية القانونية لنقده ؟
إن القرار الصادر عن محكمة العدل الأوروبية بتاريخ 2024/10/4 القاضي بإلغاء الاتفاقية التجارية و الفلاحية والصيد البحري مع المغرب.
لكي نضع هذا القرار في اطاره القانوني يجب الاعتماد على القاعدة القانونية أن سبقية البت في نفس النازلة من طرف المحكمة نفسها ،أو سواء كانت محكمة أوروبية أو اجنبية هي قاعدة جوهرية من حيث الشكل لا يجوز قبول هذه الدعوى لتفادي تناقض الأحكام، حتى لا تنزل الأحكام القضائية منزلة العبث وتفقد مصداقيتها، إن المبدأ العام على المستوى الدولي أن الأحكام القضائية التي تصدر عن الهيئات القضائية في العالم تحظى بالتقدير والاحترام، وأنها حتى تكون كذلك تراع وتقدر الأحكام القضائية السابقة، ولا تخرق مبدأ سبقية البت من هيئة قضائية اخرى،وبالاحرى أن تكون صادرة عن نفس المحكمة وخاصة المحكمة العدل الأوروبية المكونة من 54 قاضي ، فإذا كانت هذه المحكمة هي نفسها التي اصدرت قرار إلغاء اتفاقية التجارية البحرية والفلاحية مع المغرب، فإنها في 2016 اصدرت قرارا يلغي حكم الدرجة الأولى الصادر في 2015 عندما لم تجب المحكمة عن سؤال طرحته عن البوليساريو من انتم حتى تلجأون الى المحكمة الأوروبية؟ وما وضعكم الوجودي ؟ وهل انتم تنتمون الى الاتحاد الأوروبي؟ ولم يتم الإجابة عن هذه الأسئلة لا من طرف بوليساريو مقدمي الدعوى كذلك لم تجب المحكمة عنها مما عرض الحكم للالغاء، واعتبر بوليساريو لا صفة لهم ،وهذا القرار الصادر بتاريخ 2024/10/4 جعل المحكمة العدل الأوروبية ان تقع في المحضور وتقع في تناقض مع القرار الذي اصدرت في سنة 2016 ومع القرار محكمة الاستئناف الإدارية بلندن الصادر بتاريخ 2023/5/25 ، كما يتعارض سياسيا مع القرارات الأمم المتحدة لسنة 2002 ابان ولاية كوفي عنان وفي سنة 2024 الأخير مع الأمين العام أنطونيو غوتيريش المشار إليه أعلاه.
يستفاد من هذا أن المحكمة العدل الأوروبية سقطت في تناقض الأحكام، وانزلقت في أحضان السياسية، ليس من لباس القضاء في شيئ ،طبيعي أن يفقد المصداقية الاعتبارية التي تتمثل في هيبة القضاء التي يستمد منها الاحترام والتقدير،
تتأسس العقلانية النقدية القانونية ،من خلال النظرية القانونية الممارستية، على الاجتهاد في احترام جملة من المقتضيات تتوقف عليها المعرف النقدية القانونية، من الصور التي صورت بها هذه القضايا، الصورة التي تتجسد فيها النظر في الأحكام القضائية والقانونية نظرة ابستمولوجيا ، وهو النقد الذي يركز على بيان شروط ومعايير علمية النظرية القانونية من خلال المقاربة الابستمولوجية للمعرفة القانونية النقدية ،
تتمثل هذه الشروط والمعايير في الالتزامات والمسؤوليات،
-التزام بتحديد الغايات وذلك ببحث وفحص ” ما يجب أن يكون” انطلاقا من ما هو كائن” من أنتم ما هو وضعكم الوجودي؟
– التزام بتحديد المهمات والمواضيع القانونية في قضية ما التي تبحث فيه”
– التزام ببيان ما تقتضيه القواعد المؤسسة للقضية من أجل التوجه نحو ضمان وتأمين تحقيق العدل والإنصاف.
-التزام بأن يكون البناء القانوني للقرار متصف بصفات العلمية وهي: الصدق في القضية، التفسير الضيق، التوقع الضرر.
الاستدلال المباشر للقرار، هو ان الغاية منه هو التعريف بالقوانين المنطقية الصورية الواجبة التطبيق والمؤسسة لمختلف القضايا التي تخص الاتحاد الأوروبي طبقا لمقتضيات المادة 263 من قانون المنظم لهذه المحكمة رغم الاختلاف في مضمونها،
ويعرف المنطق الصوري منذ ارسطو جملة هذه القوانين وهي تحدد في اربعة:
1- قانون التداخل القاعدة المنطقية وهي “التصديق بالكلي يستلزم التصديق بالجزئي” بمعنى تسليم بمعطى حكمي كلي الى التسليم بمعنى حكمي جزئي يشكل جزء من أجزاء المعطي الحكمي الكلي ، أي أن القرار يجب أن يأخذ بالمعطى الكلي في المادة 263 من قانون المنظم للمحكمة وهو أن البوليساريو ليست له مقومات الدولة قائمة وليست الوثائق تثبت كينونته على المستوى الأنطولوجي، المعطى الحكمي الكلي هو المعياري النصي في المادة 263 غير متوفرة والقضية تدور وجودا وعدما بتوفرها.
2- قانون التناقض : لا يجوز الجمع بين المتنافيين وهو يؤسس على التسليم بمعطى حكمي ما الى إنكار المعطى الحكمي التناقض للمعطى الحكمي المسلم به من جهة سبق البت فيه أو التنصيص عليه.
فالقرار 2016 الصادر عن نفس المحكمة منافي لقرار 2024/10/4 كما ان العلة المنطقية في المادة 263 تتمثل في من هي هذه الجهة التي قدمت الدعوى والتي هي غير معروفة ثم تنافي تأتي لتعطي لها الصفة من خلال التأويل للنص والتعسف في تفسيره والبحث لها عن فتوى فاسدة لا تستند الى القانون وهي التمثيلية في المفاوضات في الأمم المتحدة ، هنا وقعت المحكمة في الحضور لأن المادة 263 حددت مجالها ونطاقها واختصاصها المكاني في الاتحاد الأوروبي، ولا يمكن التمثيلية أن ترقى الى مستوى الشرعية الدولية الثابت في القانون الدولي.
-قانون التضاد : هو الذي ينطلق من التسليم بمعطى حكمي كلي الصادر عن المحكمة العدل الأوروبية أدى الى إنكار حكمي كلي السابق عليه من نفس المحكمة وربما من نفس الرئيس الذي تجددت لثلاث ولايات متتالية منذ 2016 .ومن ثم لا يمكن الجمع القرارين مضادين.
– قانون الدخول تحت التضاد: وهو الذي ينتقل من إنكار معطى حكمي جزئي ما الى التسليم بالمعطى الحكمي الجزئي المنافي، إنكار الشعب الصحراوي المغربي الخاضع الى المؤسسات والمشارك في الانتخابات داخل المجتمع المغربي والتسليم بالحكمة الجزئي المنافي المتعلق بالمليشيات الإرهابية .
حينما نتحدث عن الشعب الصحراوي خارج الضوابط القانونية المتعارف عليها في علم السياسة لمفهوم الشعب، تصبح الأحكام القضائية مغلفة بالبوليميك والمزايدات وهذا هو منطق المحكمة الأوروبية التي تضع نفسها على مسافة النقيض مع دول الاتحاد الأوروبي التي عبرت عن تشبثها بالشراكة الاستراتيجية مع المملكة المغربية

*محام بهيئة الرباط