المغرب: من الرميلات إلى الرباط… من يُحاسب على فوضى الإسمنت؟!

الوطن24/ خاص
في بلدٍ يُقال إنه يسير نحو التنمية المستدامة، وفي زمنٍ تتحدث فيه الوزارات عن حماية البيئة والعدالة المجالية، يكفي أن ترفع بصرك نحو تلال طنجة لتكتشف الحقيقة المرة: الغابات تُهدم، والإسمنت يتمدّد، والرخص تُوزّع وكأنها غنائم!
المشهد من الرميلات إلى المنار يُثير الغضب والحيرة معاً. فيلات ضخمة تُبنى في قلب الغابة، تطل على البحر من جهة، وعلى صمت السلطات من جهة أخرى. فلا أحد يسأل، ولا أحد يجيب. أما المواطن البسيط، الذي يحلم فقط ببناء 60 متر يأوي فيها أبناءه، فيُواجه بجملةٍ محفوظة: “تسنى تصميم التهيئة…”
فمن منح الرخصة لتلك المشاريع التي تشقّ قلب الغابة؟
هل تم احترام قانون التعمير؟ أم أن الأمر “تسوية فوق العادة” مرّت عبر هواتف نافذة وأسماء وازنة؟
أين هي ولاية طنجة تطوان الحسيمة من هذا المشهد؟ وأين الوكالة الحضرية التي يُفترض أن تكون حارسة تصميم التهيئة؟
أم أن هذه المؤسسات تُصبح صارمة فقط حين يتعلق الأمر بمواطن بسيط، بينما تُصاب بالعمى عندما تُبنى القصور وسط المجال الغابوي؟
الغريب أن المسؤولين المحليين في طنجة يرفعون شعار “طنجة تتجدد”، لكن الواقع يُظهر أن طنجة تُختنق بالإسمنت، وأن الغابات التي كانت متنفساً للمواطنين أصبحت “مُقسّمة” بين أصحاب النفوذ.
فهل تحوّلت الرميلات إلى حيّ خاص لكبار القوم؟
ومن سمح بتحويل المناطق المحمية إلى مشاريع خاصة “تطل على البحر والغابة معاً”؟
وإذا كانت هذه المشاريع قانونية كما يقال، فليُعرض ملفّها على الرأي العام، وليُنشر اسم صاحبها ورخصتها ومن وقّع عليها. أليس من حق المغاربة أن يعرفوا كيف تُمنح التراخيص في بلدهم؟
ثم أين هو وزير إعداد التراب الوطني والإسكان؟ وأين هي المفتشية العامة للإدارة الترابية؟
هل يعلمون ما يجري في طنجة؟ أم أن الرباط تكتفي بالتصريحات فيما تُبنى “المنتجعات الخاصة” في الميدان دون حسيب ولا رقيب؟
إنها أسئلة تحرج كل مسؤول في موقع القرار، لكنها ضرورية. لأننا ببساطة لم نعد نحتمل صمتاً رسمياً أمام هذا التناقض الصارخ بين خطاب الدولة حول حماية البيئة والواقع الفاسد في رخص البناء.
الفقير الذي يُطلب منه انتظار تصميم التهيئة سنوات طويلة، والذي تُهدم جدران بيته بدعوى “عدم احترام المساطر”، يرى كل يوم بنايات شاهقة تنمو داخل الغابات وكأنها “محميات للأغنياء”.
فهل نحن أمام قانونين مختلفين؟
قانون للفقراء عنوانه المنع والهدم، وقانون للأغنياء عنوانه التغاضي والتبرير؟
في النهاية، يبقى السؤال الأكبر:
من يملك طنجة فعلاً؟ المواطن أم المستثمر النافذ؟
ومن يحمي البيئة فعلاً؟ وزارة التعمير أم جيوب المصالح؟
وهل ما يقع اليوم في طنجة استثناء أم قاعدة صامتة في مدن المغرب الكبرى؟
لقد آن الأوان ليفتح البرلمان تحقيقاً شفافاً في هذا الملف، ولتتحمّل الحكومة مسؤوليتها أمام المغاربة. لأن ما يجري في غابات طنجة ليس مجرد “خرق عمراني”، بل هو جريمة ضد العدالة المجالية وضد ثقة المواطن في دولة القانون.
فالوطن ليس ملكاً للأغنياء فقط، والغابات ليست إرثاً خاصاً، ومن يملك السلطة لا يملك الأرض.
