أصيلة تحت سطوة “ثعلب المدينة”.. حينما تتحول الثقافة إلى وسيلة للهيمنة والثراء.

في خضم احتفالات أصيلة بموسمها الثقافي الدولي، تبرز مفارقات صارخة تدفعنا للتساؤل: هل هذا المهرجان وجه مشرق للثقافة أم أداة لتلميع صورة نظام مُسيطر؟ ما يُعرف بمنتدى أصيلة الثقافي، الذي يحتفي هذه السنة بأربعين عاماً من الاستمرارية، لم يعد فقط نشاطاً ثقافياً، بل بات رمزاً لكيفية استغلال الفعاليات الثقافية لتمرير أجندات خاصة ولخدمة مصالح سياسية وشخصية.

المهرجان، الذي يُذكر دائماً بإسم محمد بن عيسى، العمدة الأزلي وأحد “صنّاع” هذا الحدث، يبدو كقصة من قصص السينما؛ حيث ينطلق شاب من العمل الجمعوي متحمساً لثقافة مدينته، ليصبح فيما بعد أحد أهم الأسماء السياسية في المغرب، وأحد رموز النفوذ في مدينة أصيلة، شاغلاً منصب رئيس بلديتها منذ عقود بقدرة لافتة على التكيف مع التيارات السياسية. بن عيسى، الذي ربط اسمه بالمنتدى، أسس شبكة علاقات داخلية وخارجية دعمت استثماراته العقارية وحوّلت مدينة أصيلة الصغيرة إلى نقطة جذب لمشاريع عقارية ضخمة، لكنها لم تُسهم إلا في رفع أسعار السكن والأراضي، مما دفع السكان المحليين إلى النزوح للبحث عن لقمة عيش بعيداً عن مدينتهم.

ورغم حصول منتدى أصيلة على تصنيف “جمعية ذات نفع عام” ليُغرقه بموارد مالية ودعم غير محدود، يرى البعض أن هذه الموارد كانت موجهة لخدمة مصالح فئة ضيقة، بينما بقيت البنية التحتية للمدينة تعاني، ووجد المواطنون أنفسهم أمام مدينة تغلق في وجههم مكتباتها التي بُنيت بأموال خليجية وتُفتح فقط أثناء المهرجان. هذه الأبواب المغلقة لم تزد في إحباط السكان سوى شعورهم بالإقصاء من خيرات مدينتهم، فلا تُفتح المكتبات إلا لزوار المهرجان وتغلق بعده لتصبح كياناً بعيداً عن ساكنة المدينة.

ورغم مرور الزمن وتغيرات السياسة، بقيت المدينة في قبضة “ثعلب أصيلة”، الذي يجيد الظهور عندما تتطلب مصالحه ذلك، ويعرف جيداً كيف يوظف نفوذه وشبكة علاقاته لجعل أصيلة “عاصمة للثقافة”، بينما تزداد أوضاع سكانها سوءاً. قصص البيع الخيالية لعقارات وأراضٍ بأثمنة فلكية أصبحت محور حديث أبناء المدينة، الذين يرون “الثعلب” يبيع مدينتهم قطعة قطعة، بينما يظلون هم رهينة الارتفاع الجنوني للأسعار وتجاهل أولوياتهم المعيشية.

اليوم، وفيما تختتم الدورة الحالية من المنتدى، تطالب فعاليات حقوقية وسياسية بمقاطعة المهرجان والتحقيق في مصادر ثروة بن عيسى وشفافية التمويلات الضخمة الموجهة للحدث، الذي بات حسب تعبير أحد الساكنة “وسيلة للتسول بإسم كرامة المدينة”.