أولى جلسات محكمة العدل الدولية بشأن الدعوى المقدمة من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل فيما يتعلق بجرائم حرب

الوطن24/بقلم عبد الكبير بلفساحي 

بدأت محكمة العدل الدولية ، وهي أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة ، جلسات الاستماع في قضية رفعتها جنوب أفريقيا تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة ، وستكون جلسات الاستماع ، وهي الخطوة الأولى في عملية طويلة في حالة المضي قدما في القضية ، هي المرة الأولى التي تختار فيها إسرائيل الدفاع عن نفسها  شخصيا في مثل هذا الإطار ، مما يشهد على خطورة لائحة الاتهامات والمخاطر الكبيرة التي تواجهها من حيت السمعة والمكانة الدولية.

إن مصطلح الإبادة الجماعية ، و الذي استخدمه لأول مرة محام بولندي من أصل يهودي في عام 1944 لوصف القتل المنهجي الذي ارتكبه النازيون لنحو ستة ملايين من اليهود وغيرهم على أساس عرقهم ، يعد من بين أخطر الجرائم التي يمكن اتهام أي بلد بارتكابها ، نفس الشيء والقصد وهو ما جاء في مذكرتها المقدمة إلى المحكمة ، استشهدت جنوب أفريقيا بذلك المحامي رافائيل  ليمكين ، لتوسيع تعريف الإبادة الجماعية ، واتهمت جنوب أفريقيا التي دعمت حكومتها ما بعد الفصل العنصري القضية الفلسطينية منذ فترة طويلة ، إسرائيل بارتكاب أعمال في غزة ضد حماس تتسم بطابع “الإبادة الجماعية”، وتقول إن إسرائيل قتلت مدنيين فلسطينيين ، وألحقت أضرارا جسدية وعقلية خطيرة ، وخلقت لسكان غزة “ظروف حياة تهدف إلى تدميرهم جسديا “، وقتل أكثر من 23 ألف فلسطيني خلال الأشهر الثلاثة الماضية ، غالبيتهم من النساء والأطفال ، وفقاً لمسؤولي الصحة في غزة ، ونزح معظم سكان القطاع البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة منذ بدء الحرب ، مما يزيد من خطر المرض والجوع ، بحسب المنظمات الدولية .

إن هذا الادعاء الذي تنفيه إسرائيل بشكل قاطع ، يحمل أهمية خاصة في إسرائيل ، الدولة التي تأسست في أعقاب التدمير الشامل لليهود الأوروبيين والتي أصبحت بعد فترة وجيزة ملاذا لليهود الذين طردهم مئات الآلاف من الأراضي العربية.

وتحتفظ إسرائيل ، وهي إحدى الدول الموقعة على الاتفاقية الدولية لمناهضة الإبادة الجماعية لعام 1948 ، بتفاصيل دفاعها للمحكمة ، لكن القادة الإسرائيليين يقولون إن مزاعم جنوب إفريقيا تحريف معنى الإبادة الجماعية والغرض من الاتفاقية ، ويقولون إن هناك قضية أكثر ملائمة يمكن رفعها ضد حماس ، وهي حسب اعتقادهم أنها منظمة إرهابية مصنفة دوليا والتي هي هدف الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة.

وقال الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ يوم الثلاثاء :”لا يوجد شيء أكثر فظاعة ومنافاة للعقل من هذا الادعاء “،”في الواقع ، يدعو أعداؤنا ، حماس ، في ميثاقهم إلى تدمير وإبادة دولة إسرائيل ، الدولة القومية الوحيدة للشعب اليهودي “.

ووصفت أييليت شاكيد ، وزيرة العدل الإسرائيلية السابقة ، مزاعم الإبادة الجماعية بأنها “تشهير دموي” في إشارة إلى المجاز المعادي للسامية الذي يعود تاريخه إلى قرون من الزمن، والذي يقول إن اليهود يقتلون الأطفال غير اليهود لشرب دمائهم ، وأكدت أن حكومة جنوب إفريقيا كانت تستخدم هذه المزاعم في القضية لإلهاء شعبها عن المشاكل الداخلية لبلادهم .

وتفصل محكمة العدل الدولية في النزاعات بين الدول ، وقد بدأت في عقد جلسات الاستماع الأولية في قضية إسرائيل اليوم الخميس والجمعة في لاهاي .

وقد جلبت هذه القضية إلى المنتدى العام الإدانة الشعبية لسلوك إسرائيل في الحرب في معظم أنحاء العالم النامي ، وفي  شهر ديسمبر الماضي ، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا غير ملزم ، قدمته المجموعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ، يدعو إلى وقف إطلاق النار ؛ وأصدر مجلس الأمن قراراً ملزما ، روجت له أيضاً الدول العربية ، يدعو إلى إيصال المزيد من المساعدات الإنسانية .

وقدمت جنوب أفريقيا طلبا من 84 صفحة إلى المحكمة في شهر ديسمبر المنصرم ، عرضت فيه ادعاءاتها واستشهدت بتصريحات مسؤولين إسرائيليين ، والتي تقول إنها “تشكل تحريضا واضحا ومباشرا وعلنيا على الإبادة الجماعية ، والتي مرت دون رادع ودون عقاب ” فقد كانت سبع جثث ملفوفة بقطعة قماش بيضاء ملقاة على سرير شاحنة بينما كان الناس يتجمعون حول السيارة ، ومشيعون في جنازة كل تلك الأفراد من عائلة واحدة ، قتلوا في غارة جوية إسرائيلية في خان يونس في أكتوبر ، وأدى الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة إلى مقتل أكثر من 22 ألف فلسطيني .

وأشار الإسرائيليون إلى أن بعض الأدلة التي تستشهد بها جنوب أفريقيا ضئيلة ، ومن بين الأمثلة تعليق أدلى به في مقابلة تلفزيونية نجم البوب الإسرائيلي ، إيال جولان ، الذي قال إن على إسرائيل “محو” غزة ،وفي بيان صدر في وقت متأخر من يوم الثلاثاء ، قال المدعي العام الإسرائيلي “إن أي دعوات لإلحاق الأذى المتعمد بالمدنيين قد تكون ذات جدوى ”

وقال وزير العدل في جنوب إفريقيا إن الفلسطينيين يتعرضون لقصف مستمر في أي مكان يذهبون ، ويتم قتلهم في كل مكان يلجؤون إليه ، وأكد أن إسرائيل شنت هجوما كبيرا على قطاع غزة وخرقت اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية ، وفي إشارة لقوة مصطلح الإبادة ، أرسلت إسرائيل قاضيًا سابقًا من المحكمة العليا الذي نجا من المحرقة النازية (الهولوكوست) التي وقعت قبل توقيع اتفاقية الإبادة الجماعية ، بينما عينت جنوب إفريقيا قاضيًا قد أمضى 10 سنوات في جزيرة روبن حيث التقى بالرئيس السابق لجنوب أفريقيا نيلسون مانديلا.

وللإشارة فقط ، فإن المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي تقوم بالتحقيق أيضا بشكل منفرد في الاتهامات الموجهة لإسرائيل بارتكاب جرائم في قطاع غزة والضفة الغربية وفي الهجوم الذي وقع في السابع من أكتوبر الماضي ، ولكنها لم تكشف عن أي مشتبه بهم ، وإسرائيل غير عضوة في المحكمة الجنائية الدولية وترفض اختصاصها القضائي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *