التفكير بالأبيض والأسود
الوطن 24/ مصطفى الحسناوي
صنفان من الناس ينفرون الناس عنهم، ويفسدون ولا يصلحون، وقد ظهرا في قضية الأمازيغية وقضية صلاة التراويح التي اثارتها صحافية الصباح.
صنف من اللادينيين الذين اعتبروا كل من انتقد الصحافية نورا الفواري وخالفوها، داعشي إرهابي متطرف.
صنف من المتدينين الذين اعتبروا كل من انتقد الشيخ حسن الكتاني وخالفوه، مناصر للعلمانيين محارب للدين.
هذان الصنفان يفكران ويصنفان ويتكلمان، كما كانت تشتغل أجهزة التلفاز القديمة، حين تختزل كل الألوان في لونين اثنين، أبيض وأسود.
كل من ليس معي فهو ضدي، وكل من خالفني إما أن يكون متطرفا داعشيا أو ملحدا لادينيا.
يمكن أن يفهم هذا المنطق في الحشد للحرب، في التجييش والتحميس، حيث للحرب قواعدها وقوانينها وخدعها وحيلها، أما في مجال التدافع الفكري والنقاش والحوار والجدال، فلايمكنك فعل ذلك، تصنيفك لمخالفك بهذه الحدة، صراحة يزري بفاعله، ويظهره في صورة المتطرف الإقصائي، الذي يسارع لاتهام الناس كلما خالفوه قيد أنملة، وهو أسلوب الضعفاء، ضعفاء الحجة، الذين يعتقدون انهم إن مارسوا الترهيب على المخالف سيتخلى عن رأيه لرأيهم، وسيترك موقفه لموقفهم، تحت ضغط الترهيب والتخويف والتصنيف.
لن أتنازل عن رأيي ولن أتخلى عن موقفي، سواء قلت عني متطرف ومتعصب ومنغلق وداعشي وإرهابي، أو قلت عني ملحد ولاديني وعلماني ومميع وجبان وعميل…
يزيد الأمر غرابة حين يلجأ المتدين لهذا الأسلوب الممجوج، فيسارع لكيل التهم الغبية والساذجة لمخالفه، (منتكس، علماني، عدو السنة، مميع، منبطح، مشبوه، مبتدع، مشرك، مرتد، محارب للدين…) هذه التهم وهذه التصنيفات، في الحقيقة هي حالة نفسية يعتصم بها الذي صدرت منه ويولذ بها، كنوع من العزاء والمواساة له هو، ثم ليحرج ويضايق مخالفه، أو لينتقم منه. فهل في ديننا أبيض وأسود فقط، إذا خالفت تيارا أو شيخا أو مذهبا فقد خرجت من دائرة الصواب أو دائرة الحق أو دائرة الدين او دائرة السنة.
الجواب كلا، لو كان هناك أبيض وأسود فقط، لما تقاتل الصحابة، وهذا أخطر مايمكن أن يحدث، بل حتى في اقتتالهم الذي يعبر عن وجهتي نظر متباينتين، ظهرت وجهة نظر ثالثة، هي التي اعتزلت القتال، وكلهم صحابة وكلهم مسلمون، وكلهم يرى أن الحق معه، وإذا سألت الآن، أي شيخ مع من أنت من الفرق الثلاثة، ستسمع إجابات متنوعة ومختلفة.
لو كان هناك أبيض وأسود فقط، لما كانت هناك اجتهادات ومذاهب فقهية، وأقوال فقهية في المذهب الواحد.
لو كان هناك أبيض وأسود فقط، لما كانت هناك آراء واجتهادات واختلافات ومراجعات وتراجعات وتصحيحات. لو كان هناك أبيض وأسود فقط، لما كانت هناك شعوب وقبائل، ولغات ولهجات وألسن.
التفكير بالأبيض والأسود، وحمل الناس على رأي واحد، في ما يسع فيه الاختلاف، أو حملهم على لسان واحد، يخالف النواميس الكونية والسنن الشرعية، قال تعالى: “ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم”.
أما دواعش اللادينية، الذين صنفوا كل من اختلف مع نورا الفواري أو عارضها، بأنه داعشي، فلي معهم وقفة أخرى، في تدوينة مستقلة.