الجرعة المدمرة

أصبحت ظاهرة النفاق الاجتماعي تنتشر بشكل مهول في أوساطنا المجتمعية، كالوباء الفتاك المعدي الذي ينتقل من فرد لآخر ويهدد سلامة الأشخاص السليمين بإمكانية الإصابة به، هذه الظاهرة الشنعاء والتي لا يجب أن يستهان بآثارها السلبية، على المجتمع وقيمه وأسسه وأيضا الروابط المتينة بين أفراده، حيث تعكس واقعا مؤلما من كذب ونفاق ورياء وبذخ وكذلك مظاهر خداعة، فقد تلاشت القيم الإنسانية كالتراحم وتفقد الضعفاء والمحتاجين وإرساء العدالة، وباتت خصال الشر من طمع وغش وإلحاق الأذى بالغير، تطغى على النفوس، وكأن هذا النفاق الاجتماعي أضحى جزءا مهما من حياتنا ولا يمكن العيش بدونه، بل من المستحيل أن لا تقوم عليه معظم العلاقات الاجتماعية، كجرعة من الضروري أخذها فور الاستيقاظ قبل بدأ نشاطات الحياة اليومية. لكنها تبقى مدمرة ومؤلمة، اتجاه من لا يستطيعون العيش داخل دائرة قد يتوهون وسطها لا محالة، فأي زمن هذا الذي أصبحنا نرى فيه وجوها بأقنعة مختلفة؟ مع تبديلها حسب المواقف والأشخاص، إنه فعلا قمة التصنع والخداع.
ووسط تلك الدوامة التي نعيشها أصبح الصدق عملة نادرة، ومن لا يسلك طريق التملق والنفاق وفساد الأخلاق، يعتبر كائنا غريبا في زمننا هذا.في حين أن الغرابة تكمن في أصحاب تلك الضمائر الميتة، فكيف لهم الشعور بالطمأنينة وهدوء النفس، في ظل ما يعيشونه إزاء زوبعة مخيفة غير آبهين بيوم الحساب والعقاب؟.
إن كل ما نراه من مسرحيات هزلية وأخلاق مصطنعة، وجري وراء المناصب والكراسي على حساب النزيهين وذوي الضمائر الحية، ما هو إلا واقع يعكس ما آلت إليه حقيقة البشرية بفعل صراعات داخلية لدى الإنسان، لحب المال والأنانية والجري وراء ملذات الحياة الزائفة، والتي لن تحل بتاتا مكان فعل الخير والوفاء والرحمة وكل الخصال الحميدة، فكم من ظالم طاغ كانت له نهاية وكم من شر انقلب على أصحابه، يكفي أن هناك عدالة سماوية لخالق رحيم بعباده، فكيف لهم أن ينزعون الرحمة من قلوبهم ويجعلونها حجرا، وهم ضعفاء لا حول لهم ولا قوة أمام عظمة الله سبحانه وتعالى؟
والأدهى من ذلك أننا نجد نسبة من عديمي الكفاءة والذين لا يفقهون شيئا، هم الذين يتبوأون مناصب المسؤولية، في الوقت الذي نرى فيه ذوو الكفاءة العالية، لا يأخذون فعلا ما يستحقونه في شتى الميادين، فالزبونية والمحسوبية يعدان أهم من ذلك بكثير، دون الحديث عن الرشوة بالإضافة إلى العديد من الاعتبارات اللأخلاقية والتي تتحكم كلها في ذلك. فهل يعقل ما نعيشه من فوضى وعشوائية، مع اللامبالاة بمخلفات كل ذلك على مستقبل بلد غارق في الفساد من جميع الجوانب ؟
وعلى الرغم من تلك الفظاعة التي تمر أمام أعيننا، ليس هناك من يحرك ساكنا أو يعير أي اهتمام لكل ما يحدث، فهل فعلا ماتت القلوب؟ أم أن الغيرة على هذا الوطن أصبح شعورا لا وجود له أصلا؟، فما جدوى عيش إنسان دون أن يكون فاعلا وإيجابيا مساهما ولو بجزء بسيط في تغيير فساد محيطه و تأثيره في كل من حوله ؟ فلو سعى كل فرد انطلاقا من المسؤولية الملقاة على عاتقه والمنصب الذي يشغله، إلى التخلص من كل تلك القذارة والقضاء عليها، وإعادة النبض لروح المحبة والصدق وكذلك التضامن والتآزر بين أفراد هذا المجتمع لتغير واقع الحال، بمراعاة الحفاظ على القيم الإنسانية التي أصبحت منعدمة، في كل ما نراه من أفعال وتصرفات مشينة، ، فالويل ثم الويل لمن داس على ذلك .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *