الجهوية المتقدمة في المغرب: رافعة للتنمية ولكن تنزيلها يتطلب نخبًا مؤهلة ونزيهة.

تعتبر الجهوية المتقدمة في المغرب من أبرز الرهانات الاستراتيجية التي تهدف إلى تعزيز التنمية المحلية وتحقيق العدالة الاجتماعية بين مختلف جهات المملكة. وقد تم تصميم هذا النظام لتحقيق توزيع أكثر عدالة للثروات والموارد، مما يتيح لكل جهة إدارة شؤونها الخاصة وتحديد أولوياتها التنموية. لكن على الرغم من الطموحات الكبيرة، فإن تنفيذ هذا المشروع الإصلاحي يواجه تحديات جمة، وفي مقدمتها الفساد المستشري في بعض مراكز اتخاذ القرار.

الفساد: تهديد كبير أمام الجهوية المتقدمة في المغرب

من المعروف أن الجهوية المتقدمة تستند إلى مبدأ نقل الاختصاصات من المركز إلى الجهات، لتسمح لها باتخاذ قرارات محلية تساهم في التنمية المستدامة. لكن الواقع يظهر أن الفساد في بعض مراكز السلطة المحلية يهدد نجاح هذا النظام. فعلى الرغم من الدعوات المتكررة من جلالة الملك بربط المسؤولية بالمحاسبة، فإن هناك تقاعسًا في تفعيل هذا المبدأ على أرض الواقع، ما يعوق فعالية الجهوية المتقدمة في الكثير من الأحيان.

في ظل وجود نخب فاسدة في بعض المجالس الجهوية، لا يمكن للجهوية المتقدمة أن تحقق أهدافها المرسومة. فلا يمكن للدولة أن تستفيد من اللامركزية إذا استمر الفساد في نهب الموارد العامة، مما يعرقل تنفيذ المشاريع التنموية التي تعود بالنفع على المواطنين. إذن، يجب أن تكون الحرب على الفساد المدخل الرئيسي لتحقيق النجاح في هذا الورش الإصلاحي.

التحديات الميدانية: تأخير تنفيذ المشاريع

على الرغم من الأهداف الطموحة التي تسعى الجهوية المتقدمة لتحقيقها، فإن التنفيذ على أرض الواقع يواجه تحديات كبيرة. من أبرز هذه التحديات، التأخير في نقل الاختصاصات من الوزارات إلى الجهات، وهو ما يعوق العديد من المشاريع الحيوية. في هذا السياق، تظهر بعض المسؤوليات المقصرّة، حيث يعاني المواطنون في العديد من الجهات من غياب بنية تحتية قوية وعدم تفعيل المشاريع التي يمكن أن تسهم في تحسين مستوى حياتهم.

كما أن تعقيد الإجراءات الإدارية، وغياب التنسيق بين السلطات المركزية والمحلية، يساهم في تفاقم الوضع، ويجعل من الصعب على المستثمرين تنفيذ مشاريعهم في بيئة ملائمة.

الجهوية المتقدمة في المغرب تحتاج إلى نخبة محلية نزيهة

في ظل وجود نخب فاسدة في بعض المجالس على امتداد النفوذ الترابي للجهات، لا يمكن للجهوية المتقدمة في المغرب ما لم تكن هناك نخب محلية مؤهلة ونزيهة قادرة على إدارة شؤون الجهات بكفاءة. على المسؤولين أن يحرصوا على تنمية الكفاءات المحلية، بعيدًا عن الحسابات الضيقة أو المصالح الشخصية، بل من خلال الاعتماد على معايير النزاهة والشفافية.

إن العمل على تأهيل هذه النخب يجب أن يكون جزءًا من استراتيجية الدولة لضمان نجاح هذا الورش الإصلاحي. وإذا كانت الجهوية المتقدمة تتطلب سياسات قوية لضمان التنمية المحلية، فإن ذلك يجب أن يقترن بنخب صادقة تعمل لصالح المواطنين، بعيدًا عن الفساد والمحاباة.

المسؤولية والمحاسبة: غياب الرقابة يهدد نجاح الجهوية المتقدمة

المحاسبة هي عنصر أساسي في عملية الجهوية المتقدمة. إذا كان ربط المسؤولية بالمحاسبة يشكل ركيزة أساسية في فلسفة الحكم في المغرب، فإنه يجب أن يتحول إلى ممارسة حقيقية وملموسة. فغياب الرقابة الفعالة يهدد المشروع برمته، ويؤدي إلى تراجع الثقة بين المواطنين والسلطات المحلية.

ففي الوقت الذي يتم فيه تعزيز القوانين والآليات لمكافحة الفساد، لا يزال الفساد يواصل انتشاره في بعض الجهات، ما يحول دون تحقيق الأهداف التنموية المرجوة. يجب على الدولة المغربية أن تتحمل مسؤولياتها في محاسبة المقصرين والمفسدين، وتعزيز الشفافية على مستوى تنفيذ المشاريع المحلية.

خلاصة

الجهوية المتقدمة في المغرب تمثل فرصة تاريخية لتحقيق تنمية عادلة وشاملة في مختلف الجهات، ولكن نجاح هذا المشروع يتطلب محاربة الفساد بشكل جاد وفعّال. إن تفعيل المسؤولية والمحاسبة، وتوفير نخبة محلية نزيهة ومؤهلة، هو السبيل الوحيد لضمان تنفيذ الجهوية المتقدمة بنجاح. إذ لا يمكن للمغرب أن يحقق تطلعاته في ظل وجود ممارسات فاسدة تعرقل مشاريع التنمية وتبدد الموارد.