الدبلوماسية الأمنية تكرس ريادة المغرب في محاربة الإرهاب.
الوطن24/ سعيد الكحل.
تكشف دعوات الزيارة التي يتلقاها السيد عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للمديرية العامة للأمن الوطني، من طرف عواصم عربية وغربية عن الاهتمام الكبير لمسؤولي تلك العواصم بالتجربة المغربية في محاربة التطرف والإرهاب والجريمة المنظمة، وكذا حرصهم الشديد على الاستفادة منها في مواجهة المخططات التخريبية. فقد راكم المغرب، بفضل حكامته الأمنية ويقظة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، خبرات واسعة في رصد أنشطة وتحركات العناصر الإرهابية، وكذا تفكيك الخلايا الإجرامية وإفشال مخططاتها الدموية داخل المغرب وخارجه. واستطاع المغرب، بفضل إستراتيجيته الأمنية أن ينهج مقاربة استباقية في حربه ضد الإرهاب مكنته من مباغتة الإرهابيين، ذئابا منفردة أو خلايا إرهابية، قبل أن يمروا إلى مرحلة تنفيذ مخططاتهم الإجرامية. هذه المقاربة الاستباقية لم يقتصر مجالها على المغرب، بل شملت عدة دولة أوروبية وعربية بالإضافة إلى أمريكا والهند، بأن جنّبتها أن تكون مسرحا للعمليات الإرهابية.
تنويه غربي وتقدير أممي.
جهود أمنية نوهت بها العواصم الغربية وأقرت بدورها الكبير في حماية أمن مواطنيها. فخلال زيارته للمغرب في 6 أبريل 2024، صرح السيد جيرالد دارمانان، وزير الداخلية وما وراء البحار الفرنسي، منوّها بالتعاون الأمني بين فرنسا والمغرب، بإنه “لولا أصدقاؤنا المغاربة والعمل المتميز الذي تقوم به الشرطة القضائية المغربية لكانت فرنسا في خطر أكثر مما هي عليه” و “لولا مصالح الاستخبارات المغربية لكانت فرنسا أكثر تضررا”. نفس الموقف عبر عنه وزير الداخلية الإسباني، فيرناندو غراندي مارلاسكا، خلال مباحثاته مع السيد عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، والتي “تعلقت بتبادل المعلومات والخبرة من أجل استباق أفضل للتهديدات الناجمة عن الإرهاب والأنشطة الإجرامية وشبكات التهريب العابرة للحدود، وخاصة تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر. وقد تمكّنت الأجهزة الأمنية المغربية والإسبانية، خلال 2023، من تنفيذ 14 عملية مشتركة ضد الخلايا الإرهابية واعتقال 80 عنصرا متطرفا.
تنويه مماثل صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية في أكثر من مناسبة، ومنها التقرير الخاص بسنة 2022، الذي اعتبر المغرب يمثل “عنصرا مهما ضمن التنسيق التاريخي والتعاون القوي مع الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب ”، وأنه “واصل إستراتيجيته الشاملة، التي ضمنها الرفع من اتخاذ التدابير الأمنية اليقظة، والتعاون الإقليمي والدولي، ووضع سياسات لمكافحة التّطرف”.
إن الاستراتيجية الأمنية التي يعتمدها المغرب أهلته ليلعب أدوارا ريادية ضمن التحالف الدولي ضد الإرهاب، ومنها استضافته الاجتماع الوزاري لعام 2022 للتحالف الدولي ضد داعش الذي تم إنشاؤه سنة 2014 ويضم 85 دولة ومنظمة دولية، وكذا مساهمته في وضع مجموعة من التدابير لمكافحة تمويل داعش، ورئاسته المشتركة لمجموعة التركيز الإفريقي “أفريكا فوكوس غروب”، التابعة للتحالف الدولي لهزيمة تنظيم داعش، والتي أحدثت في 2021، وتضم عددا محدودا من الدول الأعضاء في التحالف الملتزمة بتعزيز مكافحة الإرهاب في إفريقيا، وتنسيق المبادرات القائمة لمكافحة تمويل إرهاب “داعش”، وتقوية القدرات، وتطوير المجتمعات المحلية. ويرأس “أفريكا فوكوس غروب” بشكل مشترك المغرب والنيجر والولايات المتحدة وإيطاليا. وهذا ما يؤكد الدور الريادي للمغرب على المستويين الإقليمي والدولي في مكافحة الإرهاب ودعم السلم والأمن والاستقرار في إفريقيا زفي العالم.
إن مصداقية المغرب وفعالية إستراتيجيته في محاربة التطرف والإرهاب، وكذا التزامه القوي بدعم الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، جعله يحظى باعتراف دولي واسع بكونه شريكا ذا مصداقية يعمل على إحلال السلم والأمن الإقليمي والدولي؛ الأمر الذي أهّله ليتولى رئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب لثلاث ولايات متتالية بشكل مشترك مع هولندا وكندا، وحاليا إلى جانب الاتحاد الأوروبي. فضلا عن احتضانه مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والتكوين في إفريقيا، والذي جعل من المغرب البلد الإفريقي الأول الذي نظم، في يونيو 2018، اجتماع المديرين السياسيين للتحالف الدولي ضد داعش، المخصص للتهديد الإرهابي في إفريقيا. ولا تخفى أهمية احتضان المغرب لهذا المكتب الذي سيساهم في تقريب الخبرة المغربية من باقي بلدان القارة الإفريقية. خطوة في غاية الأهمية جعلت المنسقة المقيمة للأمم المتحدة بالمغرب، سيلفيا لوبيز إيكرا، تعبر عن فخرها للمشاركة في حفل افتتاح هذا المكتب الجديد “الذي جاء ثمرة تعاون وثيق ورؤية موحدة بين برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والتدريب في إفريقيا والمملكة المغربية”.
كما حظي الدور الريادي للمغرب ومساهمته الجوهرية في الحفاظ على السلم والاستقرار ومكافحة التطرف والإرهاب، بتقدير وكيل الأمين العام، مدير مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، فلاديمير فرونكوف، وإشادته بـ“الدعم القوي” للمملكة لبرنامج مكافحة الإرهاب.
استقبال وتوشيح.
تقديرا للجهود الأمنية والاستخباراتية الجبارة في محاربة التطرف والإرهاب وحماية الدول الصديقة والشقيقة من المخططات التخريبية، وُجهت دعوات رسمية من تلك الدول إلى السيد عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني، لتوشيحه بأوسمة شرفية تكريما له، وكذا للاستفادة من الخبرات الأمنية المغربية في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. هكذا تم استقباله، في أبريل 2016 ، من طرف الكاتب الأول الفيدرالي للأمن القومي نيكولاي بلاتونوفيتش باتروشيف، وهو المسؤول الأول عن الأمن في روسيا وأحد المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين حيث كان ساعده الأيمن في أيام جهاز “الكاجيبي”.
كما استقبلته العاصمة الأمريكية، في زيارة عمل خلال يونيو 2022؛ ثم عاصمة المملكة العربية السعودية، الرياض، دعما للعمل المشترك بين البلدين في أبعاده السياسية والأمنية والاقتصادية. وفي إطار تطوير آليات التعاون المشترك في مختلف المجالات الأمنية، وخصوصا في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، تمت دعوة السيد الحموشي لزيارة عمل إلى المملكة المتحدة، في مارس 2024. تلتها زيارة عمل إلى الدوحة بدولة قطر في أبريل 2024، دون أن ننسى الإشراف المباشر على تأمين مونديال قطر. وفي 9 ماي 2024، تم استقبال السيد حموشي، المسؤول الأجنبي الوحيد الذي وُجهت إليه الدعوى من قبل كبار المسؤولين الأمنيين والاستخباراتيين الإسبان للمشاركة في فعاليات الاحتفالات الرسمية للذكرى السنوية الـ 200 لتأسيس جهاز الشرطة الوطنية بالمملكة الإسبانية.
واعترافا بكفاءاته والدور الذي لعبه في تكريس تعاون أمني نموذجي بين المغرب وإسبانيا، وشحت هذه الأخيرة السيد عبد اللطيف الحموشي، بوسام «الصليب الأكبر». وجاء قرار التوشيح من المجلس الوزاري الإسباني الذي عقد تحت رئاسة العاهل الإسباني فيليب السادس، بناء على اقتراح من وزير الداخلية الإسباني، منح السيد الحموشي وسام الاستحقاق «الصليب الأكبر» للحرس المدني الإسباني. ويعد هذا التوشيح الثاني من طرف إسبانيا للسيد الحموشي، إذ سبق توشيحه عام 2014 . وفسرت الحكومة الإسبانية هذا التوشيح بكونه “تكريما لرجال الأمن بالمغرب على دورهم الكبير في محاربة الإرهاب وطنيا، وإقليميا وعلى تجنيب أوروبا غير ما مرة وقوع عمليات إرهابية بفضل يقظة الجهاز الأمني المغربي ورجالاته”.
وسبق للرئيس الفرنسي السابق، فرنسوا هولاند، عند زيارته للمغرب في شتنبر 2015، أن شدد على أن التعاون الأمني بين البلدين هو الضامن الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار. كما أشاد وزير الداخلية الفرنسي السابق، برنار كازونوف، بالكفاءة والخبرة التي يمتاز بها الأمن المغربي والمخابرات “في مجال تبادل المعلومات”، وقال ”أريد في هذا الصدد أن أشيد بجهود المديرية العامة للمراقبة التراب الوطني “الديستي” ، الذي “هو دور حاسم في تعاوننا في مجال مكافحة الإرهاب”. من هنا جاءت الدعوة الفرنسية إلى المغرب للمساهمة في تأمين الألعاب الأولمبية بباريس.
لقد لعبت الدبلوماسية الأمنية المغربية دورا رئيسيا في تحسين العلاقات مع عدد من الدول (ألمانيا، إسبانيا، بلجيكا، فرنسا..) وعودتها إلى طبيعتها بعد الفتور الذي أصابها.
حصيلة المجهود الأمني.
إن حرص الدول والمنظمات الدولية على تقوية التعاون الأمني والاستفادة من الخبرات المغربية في مجال مكافحة التطرف والإرهاب والجريمة العابرة للحدود، دليل قوي واعتراف صريح بأهمية الإستراتيجية الأمنية التي ينهجها المغرب، والدور الريادي لنموذجه الأمني والاستخباراتي إقليميا ودوليا، في محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه الفكرية والمالية. وقد ساهم، إحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية، بكل فاعلية ونجاعة، في التصدي لخطر الإرهاب وحماية المغرب والدول الصديقة من مخططات إرهابية خطيرة. وبفضل هذه الجدية والفعالية تمكنت الأجهزة الأمنية المغربية من التصدي لخطر الإرهاب وتفكيك خلاياه. فبحسب المعطيات التي قدمها السيد الشرقاوي حبوب، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، في ندوة صحافية بتاريخ 17 مارس 2023، فقد تم تفكيك، منذ إنشاء المكتب (BCIJ) سنة 2015 إلى حدود تاريخ عقد الندوة: 91 خلية (85 تابعة لداعش)، منها 21 خلية (سنة 2015)، 19 خلية (سنة 2016)، 9 خلايا (2017)، 11 خلية (سنة 2018)، 14 خلية (سنة 2019)، و8 خلايا (سنة 2020)، و4 خلايا (سنة 2021)، وخليتان (سنة 2022)، و3 خلايا (سنة 2023). كما كشف تقرير “منجزات وزارة الداخلية” برسم السنة المالية 2023 آخر المعطيات المتعلقة بالعمليات الإرهابية، أن الضربات الاستباقية ساهمت في إفشال مجموعة من المشاريع الإجرامية وتفكيك العديد من الخلايا قبيل تنفيذ مخططاتها الإرهابية، حيث تم منذ سنة 2002، إجهاض أكثر من 500 مشروع إرهابي استهدف المملكة، كما تمكنت المصالح المختصة من تفكيك 215 خلية إرهابية.
مجهود أمني جبار ومشكور تعكسه التقارير السنوية “لمعهد الاقتصاد والسلام” التي نقلت المغرب من صنف الدول ذات “التهديد الإرهابي المنخفض جدا” سنتي 2022 و 2023، إلى صنف الدول التي لا تواجه أي تهديدات إرهابية على المستوى العالمي، وهو ما بوأه الرتبة 89 في تقرير 2024 بحصوله على نقطة الصفر. كما تعكسه نتائج الدراسة التي أجراها المعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية سنة 2023، والتي أظهرت أن ثقة المواطنين في مؤسساتهم الأمنية قد ازدادت بشكل ملحوظ، حيث ارتفعت نسبة تحسن مؤشر هذه الثقة من 77% سنة 2016 إلى 85% سنة 2023.