المغرب في قلب التحولات: هل يصبح البحر الأبيض المتوسط مركزًا للسلام والتعاون؟

في وقت تتسارع فيه التحديات الإقليمية والعالمية، يثبت المغرب مجددًا أنه لاعب رئيسي في صياغة مستقبل منطقة البحر الأبيض المتوسط. من 2 إلى 4 أبريل 2025، شارك رئيس مجلس النواب المغربي ونائب رئيس الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط، راشيد الطالبي العلمي، في منتدى دولي بالغ الأهمية في غرناطة، إسبانيا. المنتدى الذي نظمه الاتحاد البرلماني المتوسطي تحت الرئاسة الإسبانية، كان بمثابة منصة حوار حول مصير البحر الأبيض المتوسط في مواجهة قضايا مصيرية مثل الهجرة، التغيرات المناخية، والمساواة بين الجنسين.

ووسط التوترات والتحديات الاقتصادية التي تواجه المنطقة، كان المنتدى فرصة تاريخية لعرض التزام المغرب بالتعاون المشترك والبحث عن حلول بناءة لقضايا تهم الجميع. في مقدمة هذه القضايا، كان موضوع “تحالف الحضارات” الذي تطرق إلى ضرورة تعزيز الاستقرار والتنمية عبر حدود المتوسط.

لكن ما يلفت الانتباه ليس فقط الموضوعات المطروحة، بل المبادرة الرمزية التي أطلقت في قصر شارل الخامس، حيث غرس كل من رؤساء الوفود شجرة زيتون كرمز للسلام. وكأنها رسالة قوية بأن البحر الأبيض المتوسط، الذي شهد صراعات وأزمات، يمكن أن يكون أيضًا رمزًا للتعاون والتقدم المشترك.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل ستترجم هذه المبادرات إلى حلول واقعية؟ وهل سيستطيع المغرب، بدعمه المستمر للسلام والاستقرار في المنطقة، أن يصبح مركزًا للتعاون بين دول الشمال والجنوب في البحر الأبيض المتوسط؟ إذ يبدو أن هذا المنتدى ليس مجرد اجتماع بروتوكولي، بل خطوة حقيقية نحو بناء جسر بين الثقافات والاقتصادات المتنوعة في المنطقة.

في وقتٍ يعاني فيه البحر الأبيض المتوسط من ضغوطات كبيرة نتيجة التغيرات المناخية وحركات الهجرة الضخمة، يبرز المغرب كنموذج للمشاركة الفعالة في رسم سياسة إقليمية قائمة على التعاون والتضامن. وكما أكد الطالبي العلمي، فإن المغرب ملتزم بتوسيع دائرة الحوار الإقليمي، ليشمل جميع الفاعلين، من أجل بناء مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا للمنطقة.

لكن إذا كان الهدف هو تحقيق هذا المستقبل المشرق، فالمتوسط بحاجة إلى أكثر من مجرد كلمات وخطابات. إنه بحاجة إلى إرادة سياسية قوية، إلى سياسات متكاملة، وإلى التعاون الفعلي بين جميع الأطراف. وهو ما يمكن أن يكون بداية لمرحلة جديدة من التعاون عبر البحر الأبيض المتوسط، حيث يصبح هذا الفضاء الجغرافي رمزًا للسلام المستدام، بدلاً من أن يكون مسرحًا للنزاعات والصراعات.

إن ما يحدث الآن في غرناطة ليس مجرد منتدى عابر، بل هو فرصة للمغرب وللدول المتوسطية الأخرى لإعادة التفكير في مستقبلهم المشترك. في النهاية، المستقبل لا يصنعه الأفراد فقط، بل الشعوب التي تتحمل مسؤولية بناءه.