المغرب: قلعة الفوسفاط التاريخية بخريبكة في حلة فنية راقية..
أبناء “لبيوت” عندما يتحركون يحولون المستحيل إلى ممكن..
الوطن 24/ بقلم: بقلم : عبد الله الفادي
“لبيوت” بخريبكة، ليست مجرد أحياء عتيقة تحوي نوعا من البشر سخروا أنفسهم لاستخراج الذهب الأبيض، وقدموا دواتهم قربانا للمناجم، ليست مجرد تجمعات سكنية لطبقة عمالية عاشت حياة القهر في بطون الأرض، فمن يقول هذا هم عقليات ( المانيرة ) وأقلام منحرفة تحاول عبثا طمس الحقيقة وتزوير التاريخ، وهذا غير ممكن بالمرة لأن “لبيوت لقدام، لبيوت الجداد، ديور لحجر، الطاجات، بيبينيار” كل ساحة وزنقة وزقاق في كل باب وقوس هوية، نحتث في قلوب الأجداد والآباء وتوارثها الأبناء بكل حب ووفاء وإخلاص، وكذلك بمسؤولية ووعي خرج من صلب الرجال ورضع من ثدي النساء.. قد تسهل قراءة السطور ولكن الشعور لا يدركه إلا من عرف عن حق هذه المناطق، إلا من عاش ولو لوقت يسير من الزمن بين ساكنتها وتربى بين أهلها، حيث الحياة تختلف كليا وسط بنيان مرصوص من البشر والنقاء والصفاء يشد بعضه بعضا..
عندما نتصفح تاريخ خريبكة الذي للأسف هناك من يعمل إما عن قصد عن تقزيمه والتقليل من قيمته من خلال تزويره وحصره في مغالطات لشيء في نفوس مريضة ظلمت هذه المدينة، أو عن جهل من أشخاص يهيمون في ما لا يعلمون، نجد هذه الأحياء هي موطن صناعة الكثير من المجد النضالي سواء العمالي الذي ارتبط بالفعل النقابي، أو الإضرابات الخالدة التي ولدت هنا في موطن الأهرامات البيضاء، قبل أن تمتد إلى باقي الجهات أو الكفاح من أجل استقلال الوطن، إلى جانب العطاء في كل المجالات خاصة منها الفنية والرياضية.. هذه الأحياء والقرى المنجمية، هي حضارة لا تقل عن حضارة كل المدن العتيقة بل قد تزيد عن الكثير منها لأنها لا ترتبط فقط بالعمران بل تمتد إلى الكثير من الجوانب منها التي ذكرناها والتي تجعلك تشعر بإحساس خاص وأنت تتجول فيها رغم أن التغيرات التي طالت الكثير من الأمكنة وطمس جانب من الهوية، لكن يبقى الحيف الأكبر والظلم الذي يغلف سماء “لبيوت” ليس ذلك المرتبط فقط بالماضي، وليس الذي طال الآباء وقبلهم الأجداد الذين واجهوا عبودية البشر ومخاطر العمل بداية من “الحشة” إلى كل أنواع الحوادث والأمراض، بأجورهزيلة وتقاعدات مهينة خاصة قبل 79 وما رافق ذلك من أشياء لم تدون، ولكن تختزلها الذاكرة، وكنت في سنوات الصبا وأنا الذي عشت وسط هذه القلاع حقبة مهمة من العمر شاهدا على بعضها، منها طريقة إفراغ بعض المتقاعدين من السكن وما كان يرافق ذلك من تعسف، ولكن الذي طال كذلك جيل اليوم من إقصاء وتهميش وحرمان من حقوق مشروعة وكذلك رسائل مغلوطة من ضمائر ميتة تحاول صناعة واقع ترتزق وتغتني منه، لكن الرد دائما كان حضاريا عبر رسائل من شباب تربى وسط عشق الكفاح الشريف وحب هضاب هذه المدينة والإخلاص للوطن…
مناسبة هذه الورقة المتواضعة التي تبقى مجرد خربشات، هي زيارة لواحد من هذه الأحياء ودعني أقول “الدرب” الذي فتحت فيه العيون، والذي تحول هذه الأيام إلى وجهة للاستماع بالجمال، الذي أبعدته أنامل وسواعد شباب بعيدا عن أي تنظيم سواء سياسي أو جمعوي وبدون أي شعارات، جعلوا من القرية المنجمية التي كانت تتنفس الغبار وتستفيق على الثراب المتناثر عليها من المنشفة المجاورة التي مازلنا نحلم أن يحل محلها المشروع الأخضر، كوكبا خاصا عبارة عن تحفة فنية حقيقية تغدي الروح وتمتلك كل الحواس، الولوج إليها ينقلك إلى عالم من المتعة التي تبهر العيون وسط الألوان السحرية والماء والطبيعة والجداريات التي لكل واحدة منها دلالة ورسائل الوفاء والإخلاص للمكان والأسماء وكتابات تعظم الله وتمجد الوطن والملك..
هؤلاء هم أبناء ” البيوت” كما كل المدينة بأخلاقهم العالية وغيرتهم الوطنية الصادقة وعزيمتهم الفولاذية عندما يقررون يحولون المستحيل إلى ممكن… نفخر بكم ونتمنى أن تقتضي بكم البقية فخريبكة تستحق أن تكون أجل مكان في الكون…