المغـرب: عامل إقليم القنيطرة يوقف صفقة نفق مشبوهة ويبعث برسالة قوية ضد الريع والفساد.

في سابقة تعكس تحولًا عميقًا في منهجية تدبير الشأن العام المحلي، اتخذ عامل إقليم القنيطرة، السيد عبد الحميد المزيد، قرارًا حازمًا بإلغاء صفقة إنجاز نفق حضري، بعد أن تبين أن إحدى الشركات المتقدمة للمشروع نصبت معدات الحفر بموقع الورش، في تجاوز خطير لمراحل طلب العروض، وقبل فتح الأظرفة الرسمية.

مصادر موثوقة أكدت لـ”الوطن 24″ أن هذا السلوك غير القانوني أثار شكوكًا كبيرة حول مدى احترام معايير الشفافية والتنافسية، ما دفع العامل إلى التدخل العاجل، حيث أمر بسحب المعدات، وأعطى تعليماته باسترجاع الظرف التقني والمالي الخاص بالشركة المعنية، إيذانًا بإلغاء الصفقة رسميًا.

ويأتي هذا القرار ليشكل ضربة موجعة لكل من اعتاد على خرق قواعد النزاهة واستغلال النفوذ لتمرير الصفقات العمومية، ويؤكد التزام المسؤول الترابي الجديد بترسيخ أسس الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.

وتُعد هذه الواقعة الأولى من نوعها، في إقليم لطالما عانى من اختلالات مزمنة، وتأخر ملحوظ في تنفيذ مشاريع التنمية، نتيجة تراكم سنوات من الفساد الإداري والريع. فقد ظلت عقليات “باك صاحبي” تتحكم في مصير الإقليم، ما أدى إلى تعطيل طموحات ساكنته وعرقلة مخططات استراتيجية، من بينها المشروع الملكي التنموي الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس نصره الله سنة 2015، والذي لم يُفعل كما ينبغي بسبب تهاون مسؤولين سابقين.

لكن المثير في قضية الصفقات، أن هذه الحالة قد تكون مجرد رأس جبل الجليد، حيث تشير معطيات متداولة إلى احتمال وجود عدد كبير من الصفقات التي تشوبها اختلالات قانونية ومسطرية، وكانت موضوع شكايات توصلت بها المصالح المعنية بالعمالة في فترات مختلفة، وتمسّ مختلف جماعات الإقليم. هذا إلى جانب مشاريع معطلة أو متوقفة، وأخرى تم إنجازها في ظروف يشوبها الغموض والخرق الصارخ للقانون، وهي ملفات تنتظر تقييمًا شاملًا لا يسقطها التقادم، خصوصًا وأن العديد من المسؤولين المتورطين لا يزالون يزاولون مهامهم، ويواصلون ممارساتهم بعيدًا عن المحاسبة، في تناقض واضح مع مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

وتزداد خطورة الوضع أمام الحرفية العالية في الاحتيال على القانون التي أصبح يتقنها بعض هؤلاء، مستفيدين من التواطؤ و”الغطاء” الذي يحصنهم من المتابعة القضائية. وهو ما يُضاعف مسؤولية عامل الإقليم الذي يجد نفسه في مواجهة أخطبوط فساد منظم، يتمتع بالحماية والنفوذ، ما يجعل المعركة صعبة لكنها غير مستحيلة. فالالتزام بالقانون والتدقيق في المساطر، يبقى السبيل الوحيد لكشف التجاوزات، والضرب على أيدي المفسدين.

القرار خلف موجة ارتياح واسعة وسط الساكنة المحلية، واعتُبر بمثابة رسالة واضحة مفادها أن المغرب الجديد، كما يريده جلالة الملك، لا مكان فيه للفوضى والفساد، بل لربط الفعل العمومي بالمحاسبة وخدمة المصلحة العامة.

ومن المرتقب أن يُعاد طرح المشروع في إطار منافسة مفتوحة تحترم القانون وتكافؤ الفرص، بما يليق بمكانة مدينة القنيطرة ومشاريعها المستقبلية، ويؤكد أن زمن التساهل مع المال العام قد ولى.