تصريحات وزير الأوقاف حول علمانية المغرب تثير جدلاً واسعاً: هل نحن أمام تحول تاريخي في هوية المملكة؟

أثارت تصريحات وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية حول علمانية المغرب جدلاً واسعاً على المستوى الداخلي والدولي. فقد وصف الوزير المغرب بـ “الدولة العلمانية” خلال حديثه عن العلاقة بين الدين والدولة، وهو ما شكل مفاجأة للكثيرين نظراً لأن المغرب يُعتبر دولة إسلامية ذات هوية دينية راسخة. الدستور المغربي ينص في فصله الأول على أن “المغرب دولة إسلامية ذات سيادة كاملة”، ما يثير تساؤلات حول التناقض بين هذه التصريحات والمبادئ الدستورية التي تحدد هوية المملكة.

المغرب لطالما سعى إلى تحقيق توازن بين الدين والدولة، بحيث تظل الشريعة الإسلامية جزءاً أساسياً من النظام القانوني والاجتماعي، بينما تتجه الدولة نحو الانفتاح على العالم المعاصر. ومن هنا، فإن تصريحات وزير الأوقاف تثير العديد من الأسئلة حول دور الدين في الحياة السياسية والمجتمعية. إذا كان المغرب يُعتبر نموذجاً فريداً في العالم العربي في محاولته جمع الدين بالحداثة، فإن وصفه “بالدولة العلمانية” قد يكون مؤشراً على توجهات جديدة في السياسة الداخلية.

على المستوى الدولي، أثار هذا التصريح استغراباً في بعض الأوساط، خاصة من جانب الدول الغربية التي تسعى لتعزيز فكرة الفصل بين الدين والدولة. دول مثل فرنسا عبّرت عن دهشتها من التصريح، مشيرة إلى أن المغرب يقدم صورة مختلفة في علاقته بين الدين والسياسة، ولا يتماشى مع الأنماط العلمانية التي تتبعها بعض الدول. وعلى الرغم من ذلك، تبقى العديد من الدول الغربية تنظر إلى المغرب باعتباره نموذجاً ناجحاً من حيث التوازن بين الحفاظ على الهوية الدينية والنهوض بالتحديث السياسي والاقتصادي.

أما في الداخل، فقد أثارت التصريحات ردود فعل حادة، إذ اعتبر العديد من السياسيين والمواطنين أن هذا التصريح يشكل تهديداً لهوية المغرب الإسلامية. فالإسلام جزء لا يتجزأ من الثقافة المغربية، والتحدث عن العلمانية يعد مساً بالمعتقدات التي توحد الشعب. وقد اعتبر الكثيرون أن تصريحات الوزير لا تعكس إرادة الشعب المغربي ولا تتماشى مع الواقع الدستوري للبلاد.

يظل السؤال مفتوحاً حول ما إذا كانت هذه التصريحات تمثل وجهة نظر شخصية للوزير أو تعبيراً عن توجه حكومي جديد. وإذا كانت تعبيراً عن سياسة حكومية، فإن ذلك سيحتاج إلى توضيح رسمي من الحكومة المغربية، لاسيما أن المغرب يُعتبر من الدول التي تحافظ على استقرارها الداخلي بفضل توافق جميع أطياف المجتمع على المبادئ الدينية والروحية.

وفي هذا السياق، يطالب العديد من الخبراء والناشطين بتوضيح الموقف الحكومي بشكل عاجل، للحفاظ على الوحدة الوطنية وتجنب إثارة الانقسامات في المجتمع. فالتأكيد على احترام الهوية الدينية للمغاربة يُعد من الأولويات التي يجب أن تظل بعيدة عن أي تلاعب سياسي.

إن الخطير في تصريح وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، الذي وصف المغرب بالدولة العلمانية، هو أن هذا التصريح صادر عن مسؤول وزاري مخول دستورياً بالحفاظ على الثابت الأساسي في كيان المملكة المغربية، وهو الإسلام المنصوص عليه دستورياً. الإسلام ليس فقط مرجعية دينية، بل هو أيضاً الميراث السماوي الذي ينظم شؤون الدولة دينياً وتاريخياً منذ تأسيسها الأول. كما أنه يشكل الناظم الأساسي لرباط البيعة الذي يربط الشعب بالملك ويضبط استمراريته. لذا، فإن أي تصرف يخرج عن هذا الإطار يتضمن مخاطر ومحاذير بالغة الدقة، ويجب التعامل معها بحذر شديد. من هنا، أصبح من الضروري على الوزير المعني توضيح المقصود من هذا التصريح في هذا الظرف الزمني، للحفاظ على الوحدة الوطنية واستقرار المجتمع المغربي.