ثغرات في نظام التصريح بالممتلكات بالمغرب: تقرير المجلس الأعلى للحسابات يكشف عن تحديات جديدة

كشف التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات لعام 2024 عن العديد من الثغرات في نظام التصريح الإجباري بالممتلكات في المغرب، مما يعكس التحديات الكبيرة التي يواجهها هذا النظام في ضمان الشفافية والنزاهة في الإدارة العامة. ورغم أن المملكة المغربية اعتمدت هذا القانون منذ 2010 كأداة أساسية لمحاربة الفساد وتعزيز المساءلة، أظهر التقرير أن هناك العديد من النقائص التي تسهم في تهرب بعض المسؤولين والمنتخبين من تطبيقه أو التحايل عليه.

من أبرز ما أشار إليه التقرير هو أن القوانين الحالية الخاصة بالتصريح بالممتلكات لا تتيح تتبع ثروات المسؤولين بشكل دقيق. فقد كشف المجلس الأعلى للحسابات أن بعض المسؤولين يلتفون على القانون بتسجيل ممتلكاتهم بأسماء زوجاتهم أو أبنائهم، مما يعوق التحقق من حجم الثروات الفعلية لأولئك الذين يشغلون مناصب عامة.

إضافة إلى ذلك، أشار التقرير إلى تعدد القوانين واللوائح المنظمة لعملية التصريح، وهو ما يعقد من مهمة تلقي ومراجعة التصريحات بشكل منظم وفعّال. فالتنظيمات المتعددة وعدم وجود قاعدة بيانات موحدة للملزمين بهذه التصريحات يؤديان إلى تضارب في الآليات المتبعة ويضعف من قدرة المجلس على مراقبة البيانات بشكل دقيق.

في إطار تقييمه لنظام التصريح بالممتلكات، أوصى المجلس الأعلى للحسابات بتطوير وتحسين الأدوات التقنية والإدارية الخاصة بهذه العملية. وأكد التقرير على أهمية رقمنة العملية بأكملها، من خلال إنشاء نظام إلكتروني مدمج يمكن من تقديم التصريحات وتتبعها ومراقبتها بشكل آلي. وقال المجلس إن هذا النظام سيمكن من تسريع الإجراءات والكشف المبكر عن المخالفات، كما يسهل على المواطنين متابعة عمليات التصريح من خلال منصات رقمية.

كما دعا المجلس إلى مراجعة نموذج التصريح ليشمل جميع أنواع الممتلكات، بما في ذلك الأصول المنقولة والعقارية، بالإضافة إلى المداخيل بمختلف أنواعها. واعتبر التقرير أن تحديث النموذج سيساعد على تقديم صورة واضحة عن ثروات المسؤولين، ويقلل من فرص التلاعب.

أوصى المجلس الأعلى للحسابات بضرورة إنشاء نظام عقوبات يتسم بالصرامة والتدرج، بحيث يتناسب مع حجم المخالفات المرتكبة من قبل المسؤولين الذين يتنصلون من واجب التصريح بالممتلكات. كما شدد على ضرورة فرض جزاءات مالية وتأديبية على المسؤولين الذين يتأخرون في تقديم تصريحاتهم أو يقدمون معلومات مغلوطة. وأكد التقرير أن غرامات مالية واضحة وقوية، إلى جانب عقوبات تأديبية أو حتى جنائية في بعض الحالات، ستكون رادعاً فعالاً ضد أي محاولة للتحايل على القانون.

وشدد المجلس أيضًا على أهمية وضع جزاءات محددة لعدم الالتزام بالآجال القانونية، وهي النقطة التي يجب أن تكون جزءاً من عملية المراقبة الدقيقة. فالتجاوزات في تقديم التصريحات أو التأخر في تحديث القوائم يجب أن يترتب عليه عقوبات فورية للمساهمة في ضمان حسن سير العملية.

وفيما يتعلق بالتفاعل مع الحكومة، أكد التقرير أن المجلس الأعلى للحسابات وجه مذكرة استعجالية في يوليوز 2024 إلى الوزارة المنتدبة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، وذلك بهدف تطوير النظام القانوني والإلكتروني المتعلق بالتصريح بالممتلكات. ووفقًا للتقرير، فقد تفاعلت الوزارة بشكل إيجابي مع الملاحظات والتوصيات الواردة في المذكرة، وأكدت استعدادها للتعاون مع المجلس لتحقيق إصلاحات ملموسة في هذا المجال.

يبين التقرير أن إصلاح نظام التصريح بالممتلكات في المغرب لا يقتصر فقط على تحديث القوانين والأنظمة، بل يتطلب أيضًا إرادة سياسية قوية تضمن تنفيذ هذه الإصلاحات بشكل فعّال. وعلى الرغم من وجود بعض الخطوات الإيجابية، إلا أن الإرادة السياسية الحقيقية هي التي ستحدد مدى نجاح هذه الإصلاحات في تحقيق أهدافها في محاربة الفساد وتعزيز الشفافية.

إذا كان المغرب يرغب فعلاً في الحد من الفساد وتعزيز النزاهة في مؤسسات الدولة، يجب أن تكون هناك خطوات واضحة وحاسمة على المستوى التشريعي والتنفيذي. وينبغي أن تتضافر الجهود بين مختلف الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة والمجلس الأعلى للحسابات، لضمان تطوير النظام الرقابي وجعل التصريح بالممتلكات أداة فعالة للمساءلة والشفافية.