سوق الأربعاء الغرب.. النقطة السوداء التي تُحرج وزارة الداخلية في خريطة تدبير الجماعات بالمغرب.

في الوقت الذي تشدد فيه وزارة الداخلية المغربية على ضرورة ترسيخ مبادئ الشفافية والحكامة الجيدة في تسيير الشأن المحلي، تبرز مدينة سوق الأربعاء الغرب بإقليم القنيطرة كنقطة سوداء تُثير الكثير من التساؤلات حول واقع التدبير الجماعي وغياب الانسجام داخل المجالس المنتخبة.

فرغم موقعها الاستراتيجي وأهميتها الاقتصادية داخل جهة الرباط – سلا – القنيطرة، تعيش المدينة على وقع اختلالات في التسيير وصراعات سياسية حادة داخل المجلس الجماعي، جعلت مصالح المواطنين رهينة تجاذبات شخصية وحسابات ضيقة، في وقت ينتظر فيه السكان تحسين الخدمات اليومية وتحقيق العدالة المجالية في توزيع المشاريع.

وتشير مصادر محلية إلى أن أجواء التوتر وتبادل الاتهامات باتت السمة الغالبة على عمل المجلس، ما خلق نوعاً من الجمود المؤسساتي الذي يعرقل السير العادي للمشاريع المبرمجة ضمن المخطط الاستراتيجي للتنمية المندمجة لإقليم القنيطرة (2015-2020) الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس، والرامي إلى جعل المنطقة قطباً حضرياً متطوراً.

وفي ظل هذه الاختلالات، تؤكد مصادر من داخل وزارة الداخلية أن الوزير عبد الوافي لفتيت قرر التعامل بحزم مع رؤساء الجماعات التي تعرف فوضى في التدبير أو تبديداً للأموال العمومية، بناءً على تقارير دقيقة توصلت بها المصالح المختصة، تتعلق بمشاريع لم تُنجز كما هو مخطط لها أو أُنجزت بطريقة عشوائية خارج المعايير القانونية.

أسئلة كثيرة ومشروعة تطرحها ساكنة منطقة الغرب على وزير الداخلية، خاصة ما يرتبط منها بإقليم القنيطرة، حيث أفادت تقارير المفتشية العامة للإدارة الترابية والمجلس الأعلى للحسابات والمجلس الجهوي لجهة الرباط – سلا – القنيطرة، إضافة إلى العديد من لجان التفتيش، بأن الميزانية المرصودة للمخطط الاستراتيجي للتنمية المستدامة – والتي تبلغ كلفتها 840 مليار سنتيم – عرفت خروقات عديدة في برمجة الصفقات وتحديد الكلفة المالية وجودة المشاريع المنجزة.

وتشير ذات التقارير إلى أن أكثر من 60% من هذا المخطط عالق أو تم تدويره بتواطؤ مع جهات متورطة في هذا الورش الملكي الكبير الذي أُبرم سنة 2015 وكان من المفروض أن يكتمل بحلول 2020، غير أن الوضع في أواخر سنة 2025 يكشف استمرار نفس الأسباب ونفس الوجوه التي قادت الفشل، وسط صمت غريب من بعض الأجهزة المعنية.

عدسة “الوطن24” وثّقت بالصور ما يعكس واقع هذا العبث التنموي بمدينة سوق الأربعاء الغرب:

  • عند مدخل الطريق الوطنية رقم 1 في اتجاه طنجة، وأيضاً بطريق مولاي بوسلهام، تظهر الأشغال متوقفة وغير مكتملة منذ سنوات.
  • الصور الميدانية توثق حجم الاختلالات، من حفر وسط الطريق الرئيسية رقم 1 المؤدية إلى طنجة ومولاي بوسلهام، إلى أشغال غير مكتملة تركت الإطارات والعجلات كإشارات تحذيرية للمارة والسيارات، مما يعكس الإهمال وغياب المراقبة التقنية.
  • الأخطر أن اللوحة الخاصة بالمشروع، التي يُفترض أن تتضمن معطيات شفافة حول كلفة الإنجاز ومدة التنفيذ واسم الشركة المنفذة، جاءت ناقصة تماماً دون تحديد المبلغ، في خرق واضح لدفتر التحملات الذي ينص على ضرورة تضمين هذه المعلومات بشكل دقيق، انسجاماً مع مقتضيات الدستور المغربي الذي يضمن للمواطن الحق في الحصول على المعلومة.
  • وهنا يطرح المواطنون سؤالاً مشروعاً:
  • هل غياب هذه اللوحات الكاملة بالمعلومات يقتصر فقط على جماعة سوق أربعاء الغرب، أم أن جماعات أخرى مثل سيدي الطيبي، سيدي علال التازي، سوق الثلاثاء الغرب، سيدي محمد لحمر، مولاي بوسلهام، ولاّلة ميمونة، التي استفادت بدورها من نفس المخطط، تعرف نفس التجاوزات؟
  • هناك من يرى أن هذا الوضع ليس مجرد خطأ إداري، بل تقصير جسيم يستوجب العزل والمحاسبة لكل من ثبت تورطه أو تهاونه في احترام القانون ودفاتر التحملات، لما يشكله من ضرب لمبدأ الشفافية والمساءلة واستهتار بثقة المواطنين في مؤسساتهم.
  • وتساءلت ساكنة المدينة عن مصير 87 مليار سنتيم التي رُصدت للمشاريع داخل الجماعة، في وقت مازالت البنية التحتية هشة والمرافق في وضع مزرٍ، بينما تتكرر نفس الوجوه في مواقع المسؤولية دون محاسبة.
  • رسالة المواطنين واضحة: “كفى من العبث، نريد المحاسبة والمساءلة.”
  • إطار عجلة سيارة تم وضعه فوق بالوعة الصرف الصحي وسط الطريق كوسيلة بدائية للتحذير من خطر داهم أثناء مرور العربات، في مشهد يجسد الاستهتار بأرواح المواطنين.
  • أكوام من الزفت المتناثر وبقايا أشغال غير مكتملة تملأ الشوارع، فيما شبكة صرف المياه الشتوية شبه غائبة، ما يهدد بتكرار الفيضانات عند أول تساقطات مطرية.

هذه المشاهد لا تترك مجالاً للشك: ما تم إنجازه لا يرقى إلى المعايير التقنية، بل يثير تساؤلات عميقة حول مصير 87 مليار سنتيم المخصصة لمشاريع الجماعة، وكيف تم صرفها وأين ذهبت الأموال فعلياً.

الوضع الحالي يجعل من جماعة سوق الأربعاء الغرب تجسيداً دقيقاً لما أشار إليه جلالة الملك محمد السادس في أحد خطاباته، حين تحدث عن “المغرب الذي يسير بسرعتين”؛ فبينما مدن تعرف دينامية تنموية قوية، ما تزال أخرى تعيش على إيقاع التأخر واللامبالاة والتسيب الإداري.

إن التذمر الشعبي بلغ مداه، والغضب يتصاعد يوماً بعد يوم. فالساكنة لم تعد تصدق الوعود، بل تطالب بـ محاسبة حقيقية لكل من عبث بمشاريع تنموية ملكية موجهة لخدمة المواطن. وعلى وزير الداخلية أن يُقدّم أجوبة واضحة ومقنعة للمغاربة حول ما يجري في هذه المنطقة التي تُعتبر شرياناً اقتصادياً مهماً في جهة الغرب.

إن سكان سوق الأربعاء الغرب اليوم لا يطالبون سوى بـ تدخل عاجل يعيد النظام والشفافية إلى دواليب التسيير المحلي، ويُنهي زمن الفوضى والصراعات التي أضاعت على المدينة فرصاً تنموية مهمة. فالمغرب الذي يسير بثبات نحو نموذج تنموي جديد، لا يمكن أن يقبل أن تبقى مدينة من حجم سوق الأربعاء الغرب رهينة العبث الإداري والمصالح الضيقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *