عـــمل المــــــــــــرأة في اليهــــــــــوديـــــــة

الوطن24/ بقلم: رجاء موليو*
المرأة هي ذلك المخلوق الذي احتار الفلاسفة في فهمه، وتعريفه، فأسراره لا تنقضي، وعجائبه لا تنتهي، وسبر أغواره محال، فقد خلقها الله تعالى من الرجل الأول: “آدم عليه السلام” حتى تكون قوة الرجل وفخره واعتزازه، فهي الأم والبنت والخالة والعمة، وهي الزوجة ونقطة ضعفه وسبيل خزيه وطريق ضياعه إن فسد، فلقد وصف علماء اليهود المرأة أنها “إبريق ملئ بالدم، ومع ذلك يجري وراءها الجميع، وكان من دعاء اليهود في كتاب الصلوات الرسمي “بوركت يا إلهي يا من لم تجعلني امرأة”.[1]
والمرأة في حياة الرجل أهم مخلوق فهي الزوجة أي السكن والمودة والرحمة ومحل اللذة وطريق الشهوة، وهي المعين في غدارة حياته وإن كان هو القائد، وهي الأم الحنون الرؤوف التي لو اجتمع كل رجال العالم لما استطاعوا القيام بمهمتها كأم، فرحمها مستودع الأبناء، وصدرها منبع الغذاء، وحضنها كنز الحنان، فلا رعاية النشء بدونها ولا تربية لأجيال إلا بها، وهي الابنة الرقيقة التي ترى والديها كملوك وهي صغيرة ثم ترعاهم في الكبر كأبناء، وهي الأخت الحنون التي تربي إخوتها – في صغيرها- كأولاد، وتجلهم في كبرها كدرع لها وحماة.
ويمكن القول: إن نظرة أهل كل دين للمرأة من احترام وتبجيل وإعلاء قدر، وتشريف ومنح حقوق وفرض واجبات أو العكس يتوقف على ما جاء في كتابه السماوي عن المرأة من إكرام أو مهانة.
وبالرغم من أن الإسلام هو الدين السماوي الوحيد الذي سما بالمرأة وأعلى قدرها ونظم ما يتعلق بها من أحكام، إلا أن أعداء الإسلام الذين دأبوا على الطعن في الشريعة الإسلامية؛ إما عن جهل، وغالباً عن ظلم، وفي كل الأحوال عن تعمد؛ اتهموه بظلم المرأة في شتى ما يتعلق بها من مفاهيم وأحكام.
والحق أن التوراة هي منبع الإساءة للمرأة واحتقارها، حتى أن الإنجيل نهل من هذا المنبع، فاستمر في إهانة المرأة ولم يصل لدرجة إهانتها في التوراة، وذلك لما كان للنساء من دور في حياة المسيح عليه السلام قبل رفعه إلى السماء.
والمرأة من المنظور الديني، تذهب العقيدة اليهودية إلى أن حواء خلقت من ضلع آدم حسب الشريعة اليهودية، لتكون أنيساً له: «فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ فَنَامَ، فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلأَ مَكَانَهَا لَحْمًا. 22وَبَنَى الرَّبُّ الإِلهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ. 23فَقَالَ آدَمُ: «هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ». 24لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. 25وَكَانَا كِلاَهُمَا عُرْيَانَيْنِ، آدَمُ وَامْرَأَتُهُ، وَهُمَا لاَ يَخْجَلاَنِ»[2].
ومن جهة أخرى فإن حواء لعبت دوراً أساسياً في معصية الإله إذ حرضت آدم على أن يأكل من الشجرة. إلا أن موقف الشريعة اليهودية هو أساساً الإيمان بالمساواة الإنسانية الكاملة بين الرجل والمرأة: «فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُم»[3]
صحيح أن الوظيفة الإنسانية للمرأة هي إنجاب الأطفال وتربيتهم، لكن هذا لا يترتب عليه أي تميز بينهما في أمور المعاملات بسبب اختلاف الوظيفة الموكلة إلى كل منهما. فإن ألحق ثور ضرراً برجل أو امرأة أو طفل، يتعين على صاحبه أن يدفع التعويض نفسه، وإن كانت المرأة حاملا فقد يزيد هذا من العقوبة.
ويظهر الاختلاف بين الرجل والمرأة في العبادات فلم يكن هناك كاهنات. وإن كان من المعروف أن النساء اشتركن في موكب استقبال سفينة العهد في القدس. كما كان بينهن نبيات وعرافات، وقد أعفيت النساء من كل الوصايا المرتبطة بزمان ومكان محددين، فلم يكن مكلفات بأداء شعائر الحج، ولا أداء الصلوات في المعبد ولا الالتحاق بالمدارس التلمودية العليا. كما أن شهادتها لا تقبل. بالإضافة أن هناك من يضع المرأة في مرتبة متساوية مع العبيد والأطفال.[4]
ونجد أن هناك شعائر تقوم بها المرأة، وهي شعائر الطهارة الخاصة بالعادة الشهرية: نيداه נידאה، وإيقاد شموع السبت والأعياد، وخَبْزُ خُبز الحلاَّ أي الرغيف الذي يقدم يوم السبت. والشعائر الثلاث مرتبطة بالأسرة، لهذا فمن المفروض أن تكون الأنثى متزوجة.
كما أنه ليس من الممكن عقد قران فتاة على رجل إلا بموافقتها، ومن ناحية أخرى فإن تعدد الزوجات مباح في الشريعة اليهودية، وإن حرمه الحاخامات في الغرب في القرن الحادي عشر. وتحرم الشريعة اليهودية الزنى والبغاء وإن كان التحريم غير قطعي.
وينهل التلمود بنصوص تأكد أهمية وجود المرأة في حياة الرجل والأسرة، ويقرن بين المرأة والشخيناه שכינאה (التجسد الأنثوي للإله).
وحسب النظرة التلمودية فإنه يجب على الرجل ألا يهين زوجته لأن السيدات يَتَّسِمن بحساسية أكبر من الرجال، كما أن إيمان المرأة أعمق من إيمان الرجل. وتتسم النساء برقة القلب؛ لكن نجد في التلمود أن التيار الغالب هو الإشارة إلى جوانبها السلبية، فهن ثرثارات وطماعات وكسولات وغيورات ودائمات الشجار. ومثل هذه الأقوال هي جزء من الفلكلور الشعبي أكثر من كونها تعبيراً عن موقف الشريعة.
أما على المستوى التاريخي، يمكن أن نشير إلى بعض النساء اللائي لعبن دوراً بارزاً، فهناك أولا الأمهات سارة وهاجر، في عصر الآباء وتلعب أخت موسى دوراً بارزاً في فترة الهجرة من مصر إلى فلسطين.
وقد ارتبطت بدايات الأدب اليديشي بالمرأة، فجمهور هذا الأدب كان أساساً من النسوة. ومع حلول القرن الثامن عشر وبداية حركة التنوير قامت بعض النسوة اليهوديات المثقفات بفتح صالونات أدبية مهمة كانت ملتقى كبار المثقفين.
ومن الحقائق التي تستحق التسجيل أن معظم من يؤدون الآن داخل المعابد اليهودية في الولايات المتحدة من النساء لأن أعداداً لا باس بها منهن لا يعملن، هذا على عكس الجماعات اليهودية التقليدية، حيث كان الذهاب إلى المعبد مقصور على الرجال تقريباً. ولا بد أنه مع ازدياد عمل النساء، سيقل عدد المصليات.
وقد اشتركت النساء في حركة الاستيطان الصهيوني في فلسطين مع اشتراكهم في الزراعة المسلحة. وبعد إنشاء الدولة منحت النساء حقوقاً متساوية مع الرجال وهن يجندن في الجيش في مهام غير قتالية، وإن كان بعضهن يعملن في المهام القتالية أيضاً.
كما أن النساء في إسرائيل يواجهون مشاكل كبرى، فيما يخص الأحوال الشخصية التي تدار حسب القوانين الدينية مثل مشاكل الزواج والطلاق.
بالإضافة إلى مشاكل تقسيم العمل الذي يتم على أساس الجنس.
ونجد أن القانون الإسرائيلي يعتبر أن من ولد من أم يهودية هو من يعتبر يهودياً بالأصل ونجد أن هناك عدة جمعيات تهتم بشأن المرأة منها:
-المجلس القومي للمرأة اليهودية.
-المنظمة النسوية الأمريكية لإعادة التأهيل والتدريب.
-الجمعية النسائية في فرنسا.
بالإضافة إلى العديد من المنظمات اليهودية النسائية في ألمانيا وهولندا.
وغيرهما من دول أوربا. وتوجد منظمات صهيونية نسائية في الهاداساه. وجل هذه المنظمات هدفها هو تقديم المساعدة الاجتماعية والثقافية والتربوية والنفسية واستثمار أوقات فراغهن فيما يعود عليهن بالفائدة.[5]
- عمل المرأة في التوراة والديانة اليهودية:
*مشاركة المرأة في القوة العاملة:
استمرت مشاركة المرأة في قوة العمل في الازدياد ببطء في السنوات القليلة الماضية (أي النسبة المئوية للنساء اللاتي يبلغن أو تجاوزن سن الخامسة عشرة من العمر المنتميات إلى القوة العاملة المدنية من أصل مجموع النساء اللائي بلغن سن الخامسة عشرة من العمر)، بينما انخفضت مشاركة الرجال.
وقد تزايدت مشاركة النساء في قوة العمل باطراد، فبلغت 46.3 في المائة عام 1998. ومستوى مشاركة المرأة اليهودية أعلى من المشاركة الاجمالية للنساء، حيث وصل إلى 51 في المائة عام 1998. ومن الجدير بالذكر أن مستوى مشاركة المرأة اليهودية أعلى مستوى في المجموعة العمرية 35-44 سنة (67.9 في المائة عام 1998).
وتتناقص مشاركة المرأة في القوة العاملة مع تزايد عدد أطفالها وترتفع مع بلوغ أصغر أطفالها سن النضج. ففي سنة 1998 بلغت نسبة النساء اليهوديات ممن لهن طفل واحد العاملات في القوة العاملة 76 في المائة، بالمقارنة مع 49 في المائة ممن لهن أربعة أطفال أو أكثر.
لا تزال المرأة تسود مجموعة العاملين بدوام جزئي (الذين يعرفون بأنهم العاملون الذين يعملون بين ساعة واحدة و34 ساعة في الأسبوع)، ولكن على نحو أقل مما سبق.
وبالتالي، كانت نسبة النساء في عام 1998 65 في المائة ممن يعملون بانتظام بدوام جزئي (مقارنة ب 72 في المائة عام 1994).
ومن بين جميع النساء العاملات، كانت 36.4 في المائة يعملن بانتظام بدوام جزئي، بينما لم يعمل سوى 15.5 في المائة من جميع الرجال العاملين بانتظام بدوام جزئي. والسبب الأكثر شيوعاً الذي يعطى لتفسير عمل النساء بدوام جزئي هو رعاية الأطفال والعمل العائلي. [6]
تشريع المساواة في الحقوق:
هناك تطورات هامة حدثت على المستوى التشريعي، قانون مساواة المرأة في الحقوق 1951، الذي خضع لإصلاحات هامة في سنة ذكرى إصداره. وقد تم إدخال تعديل عام 2000 بعد عامين من المشاورات، وبينما لم يلغ هذا التعديل القاعدة الاستثنائية فيما يتعلق بالترخيص والمنع في الزواج والطلاق فإنه يمثل نسخة منقحة تنقيحاً كاملاً تقريباً لقانون 1951. وهذا القانون يتمثل في كفالة المساواة التامة بين الجنسين وتقدم المرأة في جميع مجالات الدولة والمجتمع والاقتصاد والأسرة، ويمضي التعديل إلى منع جميع أشكال التمييز ضد المرأة، سواء عمداً أو يواقع الأمر. ثم يمضي التعديل فيضمن المساواة المادية، بما في ذلك ضمانها من خلال العمل الإيجابي واتصالها بوضوح بالمساواة في الكرامة الإنسانية، بما فيها تعريف الحقوق الاجتماعية. ويكفل التعديل بوضوح حق المرأة في جسدها ويوفر الحماية من العنف والتحرش الجنسي والاعتداء الجنسي والاتجار. ويتضمن التعديل أيضاً طائفة عريضة من الأحكام لتمثيل المرأة تمثيلاً ملائماً في الهيئات العامة، ويختتم بأحكام المساواة في الخدمة في قوات الأمن. والكثير من الأحكام، مثل الحماية من العنف والتحرش الجنسي. [7]
وقد أوضحت التوراة: أن هدف الله من خلق المرأة “حواء” لآدم زوجها، هو أن تكون سنداً وعوناً له، وحتى لا يكون وحيداً فالإنسان كائن اجتماعي يموت لو عزل عن المجتمع، ولكن المرأة في إعانتها للرجل أخطأت في أول اختبار، فكان الجزاء لها أن تحمل أولاده وتخدم منزله، ويكون هو سيدها المطاع.
دور المرأة في حياة الرجل:
هي المعينة: أي المساعدة للرجل لا المنافسة أو المتطاولة عليه:
وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ»[8].
هي التابعة للرجل وهو المتبوع لأنها منه خُلقت:
«فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ فَنَامَ، فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلأَ مَكَانَهَا لَحْمًا»[9].
هي السكن والراحة وموضع الشهوة واللذة:
23فَقَالَ آدَمُ: «هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ». 24لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. 25وَكَانَا كِلاَهُمَا عُرْيَانَيْنِ، آدَمُ وَامْرَأَتُهُ، وَهُمَا لاَ يَخْجَلاَنِ»[10].
إذن المرأة هي معين أي مساعد للرجل، وحيث إنها خلقت منه فلابد من وجود الميل الفطري الطبيعي للالتصاق بالرجل حتى يصيران جسداً واحداً كما كانا، وذلك عن طريق الزواج الشرعي والمعاشرة الزوجية.
فشل المرأة كمعين لآدم:
المعين هو المساعد، والمساعد له حق إبداء الرأي والمشورة، كما أن للمعان حق اجتهاد المعين له في تحقيق رغباته، وقد فشلت المرأة كمعين لآدم في أول تجربة فكانت بئس المعين، حيث إنها أول من غوى وأكل من الشجرة المحرمة ثم ناولت زوجها آدم ليأكل، وبذلك صارت المعينة أول خاطئة وكانت إعانتها لآدم سبب أول خطية له أوردته وذريته الهلاك[11]: «فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ، وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ، وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضًا مَعَهَا فَأَكَلَ»[12].
وهنا يلاحظ ضعف المرأة أمام الاغراءات، فالشجرة لذيذة، شهية للعيون، أي جميلة المنظر، فأكلت أولا ثم أطعمت زوجها.
عقاب المرأة والرجل والذي حدد طبيعة عمل كل منهما في الحياة:
أما عقاب المرأة: فهو أن تكون مهمتها هي الزوجة وأم الأولاد الذين ينجبوا بالآلام: «وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: «تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ، بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَدًا. وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ»[13].
وهنا اكتملت صورة المرأة كزوجة وحددت علاقتها المتبادلة مع الرجل، هو يترك أباه وأمه ليلتصق بامرأته حتى يصيرا جسداً واحداً، وهي تبادله نفس الشعور، فإلى زوجها يكون الاشتياق، وهذان التعبيران من أجمل وأجل أوصاف الشهوة المتبادلة والعلاقة الجنسية المشروعة بين الرجل والمرأة، وفي المجال الزوجي والاجتماعي الرجل سيد المرأة؛ لأنه صاحب القرار.
أما عقاب الرجل: فهو الكد والشقاء والعمل الدائم الدائب منذ قدرته عليه حتى موته: وَقَالَ لآدَمَ: «لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ قَائِلاً: لاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. 18وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ. 19بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ»[14].
إذن فالرجل هو الذي يعمل والمرأة وظيفتها المنزل، فهي محل الشهوة ووعاء الحمل والانجاب، وهو المسيطر وصاحب حق الإدارة “القوامة” وبذلك يتحقق أنها “معين الرجل”.
وتقول الموسوعة اليهودية في ذلك:
“رأى التوراة في أصل المرأة ثم التعبير عنه في كونها خلقت لخدمة الرجل كمساعد مناسب له، فقد تكونت من أحد الأضلاع للرجل الأول “لآدم” ويرتبط جوهر المرأة كمخلوق إنساني بوظيفتها كرفيقة للذكر، ومع ذلك فإنه قيل: إن المرأة لعبت دوراً أساسياً في تقديم العصيان في جنة عدن”.
المرأة كمعينة للرجل كما ورد في التوراة:
بالرغم من الإيمان والأمر باعتبار وظيفة المرأة الأساسية هي الزوجة والأم بكل ما تحمله الكلمتان على بساطتهما المتناهية من معان، وما تحمله من تبعات عظام ومسؤوليات ينوء عنها الرجال مع قوتهم، إلا أن المرأة ساعدت الرجل في أمور أخرى ووظائف في الكثير من مناحي الحياة.
كانت راحيل زوجة يعقوب وأم يوسف راعية أغنام.
«وَإِذْ هُوَ بَعْدُ يَتَكَلَّمُ مَعَهُمْ أَتَتْ رَاحِيلُ مَعَ غَنَمِ أَبِيهَا، لأَنَّهَا كَانَتْ تَرْعَى»[15].
ويجب مراعاة أن لابان لم يكن له أبناء ذكور، فقامت ابنته بالرعي، وزوجه موسى صفورة كانت راعية حيث لم يكن لأبيها ذكور وكان لديه سبع بنات. [16]
«وَكَانَ لِكَاهِنِ مِدْيَانَ سَبْعُ بَنَاتٍ، فَأَتَيْنَ وَاسْتَقَيْنَ وَمَلأْنَ الأَجْرَانَ لِيَسْقِينَ غَنَمَ أَبِيهِنَّ»[17].
المرأة قاضية ونبية:
«وَدَبُورَةُ امْرَأَةٌ نَبِيَّةٌ زَوْجَةُ لَفِيدُوتَ، هِيَ قَاضِيَةُ إِسْرَائِيلَ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ. 5وَهِيَ جَالِسَةٌ تَحْتَ نَخْلَةِ دَبُورَةَ بَيْنَ الرَّامَةِ وَبَيْتِ إِيلَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ. وَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَصْعَدُونَ إِلَيْهَا لِلْقَضَاءِ»[18].
ومعنى نبية: ليس صاحبة رسالة سماوية وشريعة ومنهج، ولكن يوحى إليها “تتنبأ” بأوامر الله في الحرب وضرورة الطاعة، ومصير الحكام والملوك اليهود، وحالهم من الرضا أو الغضب والانتقام وقد كانت أيضاً مريم أخت هارون ومسى عليهما السلام نبية بنفس المعنى، فقد اعترض هارون وأخته مريم على زواج موسى من كوشيه وقالا: فَقَالاَ: «هَلْ كَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى وَحْدَهُ؟ أَلَمْ يُكَلِّمْنَا نَحْنُ أَيْضًا؟» فَسَمِعَ الرَّبُّ. 3وَأَمَّا الرَّجُلُ مُوسَى فَكَانَ حَلِيمًا جِدًّا أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ.
4فَقَالَ الرَّبُّ حَالاً لِمُوسَى وَهَارُونَ وَمَرْيَمَ: «اخْرُجُوا أَنْتُمُ الثَّلاَثَةُ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ». فَخَرَجُوا هُمُ الثَّلاَثَةُ. 5فَنَزَلَ الرَّبُّ فِي عَمُودِ سَحَابٍ وَوَقَفَ فِي بَابِ الْخَيْمَةِ، وَدَعَا هَارُونَ وَمَرْيَمَ فَخَرَجَا كِلاَهُمَا. 6فَقَالَ: «اسْمَعَا كَلاَمِي. إِنْ كَانَ مِنْكُمْ نَبِيٌّ لِلرَّبِّ، فَبِالرُّؤْيَا أَسْتَعْلِنُ لَهُ. فِي الْحُلْمِ أُكَلِّمُهُ. 7وَأَمَّا عَبْدِي مُوسَى فَلَيْسَ هكَذَا، بَلْ هُوَ أَمِينٌ فِي كُلِّ بَيْتِي. 8فَمًا إِلَى فَمٍ وَعَيَانًا أَتَكَلَّمُ مَعَهُ، لاَ بِالأَلْغَازِ. وَشِبْهَ الرَّبِّ يُعَايِنُ. فَلِمَاذَا لاَ تَخْشَيَانِ أَنْ تَتَكَلَّمَا عَلَى عَبْدِي مُوسَى؟»[19].
المرأة كمرافقة للرجال في الحرب وليست محاربة:
تقول التوراة:
« سِيسَرَا فَهَرَبَ عَلَى رِجْلَيْهِ إِلَى خَيْمَةِ يَاعِيلَ امْرَأَةِ حَابِرَ الْقَيْنِيِّ، لأَنَّهُ كَانَ صُلْحٌ بَيْنَ يَابِينَ مَلِكِ حَاصُورَ وَبَيْتِ حَابِرَ الْقَيْنِيِّ. 18فَخَرَجَتْ يَاعِيلُ لاسْتِقْبَالِ سِيسَرَا وَقَالَتْ لَهُ: «مِلْ يَا سَيِّدِي، مِلْ إِلَيَّ. لاَ تَخَفْ». فَمَالَ إِلَيْهَا إِلَى الْخَيْمَةِ وَغَطَّتْهُ بِاللِّحَافِ. 19فَقَالَ لَهَا: «اسْقِينِي قَلِيلَ مَاءٍ لأَنِّي قَدْ عَطِشْتُ». فَفَتَحَتْ وَطَبَ اللَّبَنِ وَأَسْقَتْهُ ثُمَّ غَطَّتْهُ. 20فَقَالَ لَهَا: «قِفِي بِبَابِ الْخَيْمَةِ، وَيَكُونُ إِذَا جَاءَ أَحَدٌ وَسَأَلَكِ: أَهُنَا رَجُلٌ؟ أَنَّكِ تَقُولِينَ لاَ». 21فَأَخَذَتْ يَاعِيلُ امْرَأَةُ حَابِرَ وَتَدَ الْخَيْمَةِ وَجَعَلَتِ الْمِيتَدَةَ فِي يَدِهَا، وَقَارَتْ إِلَيْهِ وَضَرَبَتِ الْوَتَدَ فِي صُدْغِهِ فَنَفَذَ إِلَى الأَرْضِ، وَهُوَ مُتَثَقِّلٌ فِي النَّوْمِ وَمُتْعَبٌ، فَمَاتَ. 22وَإِذَا بِبَارَاقَ يُطَارِدُ سِيسَرَا، فَخَرَجَتْ يَاعِيلُ لاسْتِقْبَالِهِ وَقَالَتْ لَهُ: «تَعَالَ فَأُرِيَكَ الرَّجُلَ الَّذِي أَنْتَ طَالِبُهُ». فَجَاءَ إِلَيْهَا وَإِذَا سِيسَرَا سَاقِطٌ مَيْتًا وَالْوَتَدُ فِي صُدْغِهِ. 23فَأَذَلَّ اللهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَابِينَ مَلِكَ كَنْعَانَ أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ»[20].
المرأة كعاملة في الحقل بشؤون الزراعة:
تذكر التوراة عندما حق الفقر والفاقة براعوث الموآبية مع حماتها نُعمى اضطرت للعمل في الحصاد بالحقل لتعول نفسها وحماتها، فذهبت فقال لها صاحب الحقل: «فَقَالَ بُوعَزُ لِرَاعُوثَ: «أَلاَ تَسْمَعِينَ يَابِنْتِي؟ لاَ تَذْهَبِي لِتَلْتَقِطِي فِي حَقْلِ آخَرَ، وَأَيْضًا لاَ تَبْرَحِي مِنْ ههُنَا، بَلْ هُنَا لاَزِمِي فَتَيَاتِي»[21].
فتعبير “فتياتي العاملات فيه” يوضح أن المرأة كانت تعمل لضرورة وفي حالة الفقر والعوز والحاجة أو العبودية في أعمال الزراعة. [22]
المرأة كمعينة لزوجها في الحفاظ على حياته:
تحدثنا التوراة: أن شاول أول ملك لليهود حاول قتل داود زوج ابنته ميكال، فعلمت الزوجة بالأمر، وساعدت زوجها داود على الهرب والنجاة: «فَأَنْزَلَتْ مِيكَالُ دَاوُدَ مِنَ الْكُوَّةِ، فَذَهَبَ هَارِبًا وَنَجَا»[23].
المرأة كمعيلة زوجها بالنصيحة وحسن التصرف:
أرسل داود إلى نابال زوج أبيجابل يطلب منه إيمانه له ولرجاله ولبهائمه نظير أنه لم يمسها بسوء وقام بحمايتها، فرفض الرجل حيث رأى أن ذلك ابتزاز من داود، فهب داود ورجاله لقتال وإهلاك نابال وأهله وعبيده، فعلمت المرأة بالأمر، فأخذت زاداً وطعاماً وقابلت داود في الطريق واعتذرت له فعفا عن زوجها وقبل ما حملته له، ومن أسلوب اعتذار المرأة عن زوجها ظهرت حكمتها فقالت لداود: «لاَ يَضَعَنَّ سَيِّدِي قَلْبَهُ عَلَى الرَّجُلِ اللَّئِيمِ هذَا، عَلَى نَابَالَ، لأَنَّ كَاسْمِهِ هكَذَا هُوَ. نَابَالُ اسْمُهُ وَالْحَمَاقَةُ عِنْدَهُ. وَأَنَا أَمَتَكَ لَمْ أَرَ غِلْمَانَ سَيِّدِي الَّذِينَ أَرْسَلْتَهُمْ»[24].
المرأة كمساعدة للأنبياء ورجال الله:
كان اليشع يذهب إلى شونم وكانت تقيم هناك امرأة بالغة الثراء، فكانت تستضيفه، فلما تكررت الزيارة اقترحت أن يبن له دوراً ثانياً في المنزل ويجهز: فَقَالَتْ لِرَجُلِهَا: «قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلَ اللهِ، مُقَدَّسٌ الَّذِي يَمُرُّ عَلَيْنَا دَائِمًا. 10فَلْنَعْمَلْ عُلِّيَّةً»[25].
المرأة كملكة وحاكمة:
علمت “عثليا” أم أخزيا الملك بمقتل ولدها، فأبادت منافسيه واستولت على العرش: وَكَانَ مَعَهَا فِي بَيْتِ الرَّبِّ مُخْتَبِئًا سِتَّ سِنِينَ. وَعَثَلْيَا مَالِكَةٌ عَلَى الأَرْضِ»[26].
المرأة كحسناء منقذة لشعبها:
يبدو ذلك جلياً في قصة أستير التي عرضت نفسها للموت لو فشلت في إنقاذ شعبها.
وتقول الموسوعة اليهودية عن عمل المرأة: “كانت المرأة في التقاليد البطولية الإسرائيلية في بعض الأحيان ذوات جمال منقطع النظير، ورغم أنهن غير مناسبات للخدمة العسكرية، فإنهن كن يأتين لتحية المنتصرين العائدين من الحرب، وكان النصر الذي تحققه المرأة يعتبر انتصاراً خارقاً، وسقوط المقاتل في يدي امرأة كان يعتبر عيباً، وكانت المرأة الحكيمة ينظر إليها باحترام، وكانت تستشار في الأمور الهامة، وكان ذلك حقيقاً بالنسبة للنبية، والمثال الأول كان السيدة مريم أخت موسى وهارون ودور المرأة في العبادة المنتظمة كان محدداً بالوظائف الثانوية، ولم يكن هناك قسيسات في إسرائيل، وشاركت الفتيات الصغيرات في الاحتفالات مع الموسيقيين، كما ارتبطت النساء بالسحر والقدسية، وهكذا نرى أن عمل المرأة في التوراة والديانة اليهودية كانت كمعينة ومساعدة للرجل وعند الحاجة والضرورة وفي حدود ضيقة.[27]
*طالبة بسلك الدكتوراه جامعة ابن طفيل القنيطرة المغرب
[1] – المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام، زكي على السيد أبو غضة، دار الوفاء، الطبعة الأولى 1424ه-2003م، ص: 24.
[2] – سفر التكوين: 2/21-25.
[3] – سفر التكوين: 1/27.
[4] – موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، عبد الوهاب المسيري، ص: 245-246.
[5] – موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، عبد الوهاب المسيري، ص: 247-248.
[6] – اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ص: 122-123. CEDAW/C/ISR/3
16November 2001.
[7] – اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ص:12-13- 124-125. CEDAW/C/ISR/3
16November 2001
[8] – التكوين: 2/18.
[9] – التكوين: 2/21.
[10] – التكوين: 2/23-24.
[11] – المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام، زكي على السيد أبو غضة، ص: 187-188.
[12] – التكوين: 3/6.
[13] – التكوين: 3/16.
[14] – التكوين: 3/17-19.
[15] – التكوين: 29/9.
[16] – المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام، زكي على السيد أبو غضة، ص: 188-189-190.
[17] – الخروج: 2/16.
[18] – القضاة: 4/4-5.
[19] – العدد: 12/2-8.
[20] – القضاة: 4/17-23.
[21] – راعوث: 2/8.
[22] – المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام، زكي على السيد أبو غضة، ص: 190-191.
[23] – صموئيل الأول: 19/12.
[24] – صموئيل الأول: 25/25.
[25] – الملوك الثاني: 4/9.
[26] – الملوك الثاني: 11/3.
[27] – المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام، زكي على السيد أبو غضة، ص: 191-192.