معنى الممارسة السياسية؟

الوطن 24/ بقلم: بوسلهام عميمر

لن نغرق في تعريفات السياسة وممارستها اللغوية والاصطلاحية، فذلك شأن اللغويين والمختصين في العلوم السياسية والأكاديميين بالمعاهد والجامعات. فهم الذين لهم الأهلية للإبحار في تعريفاتها وفي أنواعها وفي تفريعاتها. وإن كان لا بد من فتح قوس صغير، يهم مفارقة واضحة في مشهدنا السياسي، جديرة بالتأمل والدراسة والتحليل، وتتعلق أساسا بالممارسة السياسية ببلادنا. فهل قدرنا أن يمارسها من لا يميز لامها من عصاها، إلا من رحم ربك، ويبتعد عنها من يعرف خباياها وتاريخها وتطورها عبر العصور، وله قدرة كبيرة على تفكيك متغيراتها الوطنية والإقليمية والدولية؟

مفارقة غريبة حقا، فبقدر السعي إليها ممن لا يفقه فيها قطميرا، يركب المستحيل ليضمن له مقعدا بالمجالس القروية أو الحضرية ومن تم في المؤسسة التشريعية، ليتولى النظر في قوانين البلاد والعباد تشريعا وتعديلا وتصويبا، بقدر إحجام من يؤلفون فيها وينتقدون الممارسين لها ويحاضرون فيها بأعرق الجامعات داخل الوطن وخارجه؟

فهل السياسة صنعة، “إن لم تغن فإنها تحفظ ماء الوجه”. كم واحد لا ماضي نضالي له يقتحم سوقها بالكلام والجبهة العريضة، وبين عشية وضحاها تجده يتصدر المجالس، وخاصة لما يجد من يقذف به في معمعان المسؤوليات الجسام لسبب في نفس يعقوبه. سنوات معدودات، فيطوي المسافات لتجده من المنعم عليهم بكرسي من الكراسي الوثيرة بالبرلمان أو المستشارين، ولم لا وزيرا حتى، ضمن تشكيلة حكومية مما لم يحلم به قط في حياته. فتكون وسيلته للاغتناء. فهل من أجل هذا يعارضون مبدأ “من أين لك هذا” حتى لا يتكشف المستور، بما أن السياسة في جوهرها تضحيات وليست وسيلة للكسب وتراكم الثروات.

أعتقد جازما أنه لا مناص لتخليق السياسة من تفعيل هذا المبدأ.أم هل هي حرفة كأية حرفة يرثونها عن الآباء والأجداد “حرفة بوك ليفوتوك”؟ أحيانا الله حتى عشنا لنرى الأب وابنته التي لا يتجاوز عمرها الواحد والعشرين عاما تحت قبة البرلمان، والزوج وزوجته، والرجل وأخوه أو أخته، لتستنبت ظاهرة غريبة بحقلنا السياسي فيما بات يعرف بـ “العائلات البرلمانية”. هل هي ضربة حظ تقذف بأفراد الأسرة الواحدة إلى بحر السياسة؟ أم هل هي جينات سياسية لا يد لهم فيها، تنتقل بينهم بشكل آلي؟ أم هل أصيبت الأمهات المغربيات الأخريات بالعقم ليلدن غير هؤلاء، من يتولى مهمة التمثيلية وتسيير الشأن العام؟

 فالقصة وما فيها بالنسبة لفئة معتبرة من سياسيينا، لا علاقة لها بالسياسة بمعناها النبيل المقترن بالتطوع لخدمة المواطنين. إنها هي أقصر السبل للاغتناء بدون عناء؟  كم منهم بين عشية وضحاها بعد أن لم يكن يملك ثمن فنجان قهوة، أصبح ذو ماليا من أصحاب المشاريع الكبيرة، فينتقل على صهوة السياسة من حياة البساطة بين الفقراء إلى حياة البذخ بين علية القوم، فقط لأنه عرف كيف يتزحلق على كافة حبال تشكيل المكاتب القروية أو الحضرية أو المجالس الإقليمية والجهوية، في إطار سباق الأحزاب المحموم لضمان الأغلبية ومن تم الظفر برئاستها وعضوية مكاتبها التي تبيض ذهبا. فماذا نقول ونحن نتابع رئيس الحكومة السابق في إحدى خرجاته وهو يلمز إلى أعضاء حزبه، يذكرهم بالأيام الخوالي، يوم لم يكونوا يجدون ما يركبونه، غير دراجات هوائية أو نارية، فأصبحوا اليوم ينعمون بفعل الممارسة السياسة، بالسيارات الفارهة.

فهل معظم المتهافتين على السياسة اليوم، حتى لا نعمم، يقدرون معنى المسؤولية السياسية؟ وهل يعرفون معنى أن تكون مستشارا جماعيا، أو برلمانيا، أم الفوز أولا وبعدها ” يتعلموا الحجامة فراس اليتامى”؟

فهل يعرفون أن الاستشارة الجماعية حضرية كانت أو قروية، هي تحمل مسؤولية مدينة أو قرية، من حيث تنميتها، نظافتها، إنارتها، تأهيل بنيتها، تطوير مواردها، استثمار ثرواتها المادية واللامادية، وعقد شراكات داخل الوطن أو خارجه، والسعي لإيجاد حلول لمشاكلها المستعصية، وربط روافدها بالشبكة الطرقية وفك العزلة عن المناطق التابعة لها وغيرها من المهام يصعب حصرها. أما مهام البرلمان فحدث ولا حرج.  

فهل هذه المسؤوليات العظمى في متناول كل من هب ودب ليضطلع بها؟ وإن كان فالمسؤولية العظمى تتحملها الأحزاب التي هاجسها الأساس هو عدد الرؤوس التي ستحصل عليها خلال الاستحقاقات الانتخابية، بما أنه الجسر المؤدي إلى المناصب والمكاسب، لذلك لا يهمها شيء ممن ينعم بتزكيتها ويحمل شعارها، غير من يضمن لها كسب رهان المقعد.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *