وزير التعليم العالي يصدم البرلمان: جامعات مغربية بدون نظام معلوماتي وطلبة يتغيبون من أجل المنحة فقط!

في عرض أثار صدمة النواب البرلمانيين، كشف عز الدين ميداوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عن معطيات صادمة تفضح الواقع الذي تعيشه الجامعة المغربية، من اكتظاظ خانق وضعف تأطير إداري وبيداغوجي، إلى غياب نظام معلوماتي جامع يعكس عدد الطلبة الحقيقيين، فضلاً عن مؤسسات جامعية لا تصرف الميزانيات التي توفرها الدولة، في ظل استمرار مؤشرات الهدر والفشل الجامعي.

وأمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، لم يتردد ميداوي في دق ناقوس الخطر، مؤكداً أن “القطاع يتطلب الجرأة والواقعية”، مشيراً إلى وجود إكراهات بنيوية تعرقل أي إصلاح فعلي، بدءاً من التشتت الجغرافي الكبير للجامعات، التي يصل عدد الطلبة في بعضها إلى 160 ألفاً، في حين لا تتوفر أي جامعة في المملكة على أقل من 80 ألف طالب.

وأوضح الوزير أن معدل التأطير في الجامعات المغربية متدنٍ بشكل مثير، حيث يشتغل أستاذ جامعي واحد لكل 250 طالباً، وموظف إداري لكل 300 طالب، مقارنة بالمعدل العالمي الذي لا يتجاوز 15 طالباً لكل أستاذ. هذا الوضع، يضيف ميداوي، يؤثر مباشرة على جودة التكوين والمردودية البيداغوجية، ويجعل الحديث عن تعليم جامعي تنافسي مجرد حلم مؤجل.

ولم تتوقف المفاجآت عند هذا الحد، فقد أكد الوزير أن 40 في المئة من الطلبة المسجلين لا يحضرون امتحانات الفصل الأول، موضحاً أن جزءاً كبيراً منهم يتسجل في الجامعة فقط للحصول على المنحة، دون نية فعلية في متابعة الدراسة. كما كشف أن نسبة الهدر الجامعي بلغت رقماً صادماً قدره 49 في المئة، وهي مؤشرات تنذر بانهيار منظومة التعليم العالي إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة وجذرية.

ووجّه الوزير انتقادات لاذعة لبعض الجامعات التي تمتنع عن صرف الميزانيات الممنوحة لها، لأسباب تتعلق بضعف الهيكلة الإدارية، وليس بصعوبات مسطرية، مشيراً إلى أن الدولة تستدين لتدبير هذه الميزانيات، ولا يُعقل أن تبقى مجمدة دون استثمار. ولفت إلى أن هناك جامعة مدينة للدولة بـ40 مليار درهم، وهو رقم يعكس حجم الاختلالات في التدبير المالي.

ومن بين أبرز ما فضحته مداخلة الوزير، هو غياب نظام معلوماتي موحد، حيث تعجز الوزارة عن تحديد العدد الدقيق للطلبة، بسبب عدم توفر قاعدة بيانات متكاملة، وهو ما يعرقل أي تخطيط أو إصلاح مبني على معطيات دقيقة. وقال ميداوي بمرارة: “نحن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ولا نتوفر على نظام معلوماتي شامل. إنها مسألة تحز في القلب”.

ورغم الصورة القاتمة، حاول الوزير الإشارة إلى بعض الإشارات الإيجابية، منها الاعتراف الدولي المتزايد بالجامعة المغربية، خصوصاً في مجالات الطب والاقتصاد والتدبير، إلى جانب تحسن نسبي في توقيع الميزانيات، حيث تم لأول مرة توقيعها جميعاً خلال شهري مارس وأبريل، بفضل التتبع اليومي من قبل الوزارة.

وختم ميداوي مداخلته بالدعوة إلى إعادة النظر في البنية التمثيلية والهياكل الجامعية، التي وصفها بـ”المتجاوزة”، مؤكداً أن بعض المجالس الإدارية تعقد اجتماعات تمتد لـ24 ساعة من أجل اتخاذ قرارات لا تتطلب أكثر من ساعتين، في وقت تفتقر فيه بعض الجهات بالمغرب إلى أي جامعة، وهو ما يتعارض مع مبدأ العدالة المجالية والجهوية المتقدمة.

هكذا إذن، تتعرى الجامعة المغربية أمام نواب الأمة، في انتظار أن تتحول الصدمة إلى قرارات سياسية جريئة تضع حداً لهذا النزيف التعليمي، قبل أن تفقد البلاد رهان الكفاءة والرأسمال البشري.