تالسينت… حين يتحول المستشفى إلى جدران صامتة والمرضى إلى رحّالة قسراً

الوطن 24 / بقلم : يوسف إيشو تالسينت
في قلب الأطلس الشرقي، حيث تمتد أراضي تالسينت وجماعاتها: بوشاون وبومريم، ينهض “مستشفى القرب” كبناية حديثة تلمع واجهتها في الشمس، لكن خلف الأبواب يخيّم صمت قاسٍ؛ لا أطباء، لا أطقم، لا حياة. كأنما شُيّد المبنى ليكون شاهداً على غياب الحقّ قبل أن يكون جسراً للشفاء.
في أزقة البلدة البسيطة، تُروى حكايات الألم كأنها فصل من رواية طويلة: امرأة حامل تخوض سباقاً مع الزمن على طريق وعر إلى بوعرفة، وشيخ هرم يحمل حقيبته الممزقة متجهاً نحو حافلة تُقله إلى وجدة بحثاً عن دواء لضغط دم لا يرحم. كل رحلة من هذه الرحلات ليست سفراً عادياً، بل امتحاناً بين الحياة والموت.
الطريق الطويلة التي تفصل تالسينت عن المستشفيات الكبرى ليست مجرد مسافة، بل هي مسرح لمعاناة إنسانية يومية؛ صراخ مولود يخرج إلى الدنيا على قارعة الطريق، دموع أم تتوسل أن تصل قبل فوات الأوان، وصمت أب عاجز يراقب فلذة كبده يتألم دون أن يجد طبيباً يمد يده.
“لدينا مستشفى بلا أطباء، جدران من إسمنت، لكن بلا روح”، يقول أحد شباب تالسينت وهو يرفع صوته كمَن يصرخ في وادٍ سحيق. صوته امتداد لأصوات آلاف من سكان المنطقة الذين ما زالوا يتساءلون: لماذا كُتب عليهم أن يكونوا غرباء عن حقهم في العلاج، وهم يعيشون بجوار بناية تحمل اسم “مستشفى القرب” لكنها بعيدة عنهم بُعد السماء عن الأرض؟
تالسينت اليوم ليست فقط بلدة تفتقر إلى الخدمات الصحية، بل قصة إنسانية تفضح هشاشة الحق في الحياة، وتضع المسؤولين أمام مرآة صادمة: مستشفى قائم بلا أطباء، ومرضى يتيهون على الطرقات طلباً للشفاء.