أبو حفص..الهروب من التكفير عبر التكفير الحلقة(3).

الانتقال السهل من التطرف إلى “حداثة ممسوخة”

الوطن 24/ بقلم: إدريس عدار

كنت أود إغلاق القوس في حدود حلقتين في نقد ونقض كلام رفيقي أبو حفص حول الردة والنص، غير أن رياح “الذباب الالكتروني” سارت بما لا تشتهيه سفن الكتابة..وحمل عليّ مناصرو أبي حفص مثل السيل العرم..لم يزعجني صياحهم وقد ألفت ذلك ولا أشتكي بتاتا منه وإلا لست مضطرا للكتابة أصلا…غير أن الموضوع لبس ثوب المظلومية وكأنني معتد على الرجل، بل ليس هناك حق يسمح لي بمطارحة كلام شيخ “متحول” من التكفير إلى “حداثة ممسوخة”..

ثلاثة أصناف صادفتهم وأنا أكتب عن رفيقي. صنف قال إن ما كتبته ليس في شيء ومجرد “تخرميز”، بل من هذا الذي يتطاول على رجل بحجم “جهادي سابق” و”تنويري” حاليا، وهو عندي “جهادي هارب”..وصنف قال بأن ما نشرته لا يمكن أن يكون من كتابتي لأنه مطروز بطريقة تفوق قدرة صحفي..وصنف قال بأن رفيقي يكفيه أنه يواجه السلفية الجهادية وهذا عنوان كبير يكفي لنشجعه ولا نحطمه..

بداية لم أتطاول على هذا الشخص الذي يسمى رفيقي أبو حفص، ولم أقل فيه شيئا يسيء إليه، وحتى حديثي عن اللوك الجديد يدخل في إطار التحليل النفسي للشخصية، وبالتالي هو من صميم موضوع النقد..ولم أدع إلى إسكاته ولن يسمع أحد مني مثل هذه الكلمة، وما يزعج الرجل وجماعته، هو أنني أنتقده بشكل مختلف عن هجمات السلفية الجهادية وحتى عوام الناس، وهو يبحث عنها “بالريق الناشف”، لأنها تساعده في ملف سأكشف عنه في المقبل من الأيام.

يرتاح رفيقي لمن يكفره، ولكن أنا ذهبت معه بعيدا في تفكيك منهجه، الذي لم يغادر البتة منهج التكفيريين…ومن حق أي واحد أن يصف كتاباتي بما يشاء، لكن من غير العدوان، الذي يهدف إلى إبعادي عن نقد الرجل..وأنا قلت في حق حديثه عن النص بأنه لا يوجد نص يتفق عليه جميع الناس..لكن للأسف الناس تذهب مسالك خبيثة في القراءة، فالحديث كان واضحا عن قضية مركزية وهي أن تحول أبا حفص من شيخ سلفي جهادي، يجعل مكانه الطبيعي هو أن يكون شيخا منفتحا في أقصى تقدير أو من عوام الناس، ولكن هذا لا يجعل منه مفكرا..وسأتحدث في وقت لاحق عن “الزمن الفيزيائي لكي يصبح الشخص مفكرا”..

وعلى ذكر الفيزياء فإن البعض دخله العجب العجاب لما تحدثت عن قاعدة هندسية..كيف لصحفي أن يعرف ذلك..أذكرهم بحكاية قريبة في الزمن…لما أصدر طه عبد الرحمن كتابه عن المرابطة انتقدته في مقالة قريبة من الدراسة، فانبرى لي واحد ممن يتقن الالتواء ليقول إنه لا يمكن لصحفي أن ينتقد طه وهو العالم المنطقي الدولي..فقلت له إن صاحبك ليس منطقيا وإنما مدرس منطق، وأعطيته نموذجا بباقر الصدر الذي حل لغز القياس الناقص، الذي ظل غامضا منذ أرسطو، وللأسف الشديد الناس ترى ما تريد وما ترغب فيه، وهناك صديق مغربي لديه اجتهاد غير مسبوق في القياس، أحتفظ باسمه حتى يصدر عمله، ورغم أنه تحدث عن الموضوع في سياق إحدى المحاضرات لم ينتبه إليه الدارسون..حاصل الكلام أنني قلت للمدافع عن طه أني ابن الرياضيات ولست أرتع من الإنشاء.

من تساءل عن موقعي أنا المتصدي لهذا الجبل “الشامخ” ومعرفتي بالموضوع أحيله على كتاب الكاتب الصحفي الكبير طلحة جبريل “صحافة تأكل أبناءها”، والذي قال إن أول صحفي استقبله وهو يختار هيئة تحرير “الجمهور” هو هذا العبد لله الضعيف ومن ضمن ما قال “إنه على دراية كبيرة بالحركات الإسلامية”..وعلى ذكر الصحيفة، التي كانت صحيفة المثقفين التي يقرأها الجمهور، أنه بعد إغلاقها كتبت مؤلفا كاملا عن جماعة العدل والإحسان باقتراح من الزميل أحمد الجلالي..كان مفروضا أن تنشره إحدى دور النشر لكن لم يتم..ونشرته منجما..كان ذلك في سنة 2002..كان حينها أبو حفص يقوم بتحريض الشباب على القتل.

كنت أرصد المتطرفين يوم كان رفيقي الأب في أفغانستان ولم يكن أبا حفص قد عرف السلفية الجهادية، ورصدته يوم دخلها وكتبت تحليلا لخطاب حسن الكتاني قبيل اعتقاله ألقاه بأحد مساجد القصدير بالقنيطرة..وقبيل ست أو سبع سنوات كنت أكتب عن أبي حفص كشيخ من شيوخ السلفية الجهادية، وكان حينها خارجا من السجن..

فهل هذه الفترة القصيرة كافية ليتحول إلى مفكر؟ هذا ما أتناوله غدا.

وبما أن الجماعة وزّعت أدوارها فقد قال آخرون إن هذا المقال أكبر من أن يكتبه صحفي..هذا تصور بليد للصحفي..في صحافتنا يشتغل مثقفون وكتاب متميزون ومحللون ونقرأ أحيانا مقالات مركزة ومؤسسة..غير تصورك عن الصحافة تم تحدث إلي..

أما الصنف الثالث فأعتبر أنه تم التلبيس عليهم..

لقد تابعنا هذا الرجل منذ كان سلفيا ظلاميا ورأينا انه لم يأت بشيء جديد برسم السلفية واتبعنا المنهج نفسه في التحقيق فاكتشفنا انه يعتمد المنهجية نفسها وهي التقليد والنقل وعدم الإحالة على من يسرق منهم الأفكار فيما يقوله برسم الحداثة…يعني شفار محترف..وسنأتي في نهاية هذه الحلقات على ذكر سرقاته وممن سرقها..وقد نحتاج إلى كتابة “جينيالوجيا السرقة”..وصولا إلى محمد شحرور وصعودا إلى من كتب قبل هذا الجمع..

فلو كان كل “متحول” مفكرا لكان لدينا آلاف المفكرين..كثيرون تحولوا من الإسلام إلى المسيحية والعكس صحيح..وتحول آخرون من مذهب إلى مذهب..ومن الدين إلى الإلحاد..لكن هذا أمر يخصهم أما الفكر فهو عملية معقدة..والمفكرون ليسوا رقما كبيرا..

ولن يجدي معي استعمال مليشيات التطرف البديل..