إستراحة قانونية رقم (7): الحماية القانونية للأطفال في نزاع مع القانون

الوطن 24/ إعداد: عبد العالي المصباحي محامي عام بمحكمة النقض باحث في الشأن القانوني تخصص نيابة عامة

علاقة الطفل أو الحدث بالقانون تنحصر في ثلاث حالات:

–  إما أن يكون في حالة جنوح

–  أو يكون ضحية جرم

–  أو يكون في وضعية صعبة

وفي جميع هذه الحالات يكون هو الحلقة الضعيفة,

–  إما جانح منبوذ من طرف المجتمع, لأنه موصوم بالإجرام, طبقا لنظرية الوصم أو l etiquetage ؛

–  وإما ضحية جرم ” خصوصا إذا كان جنسي” فيجلب العار لأسرة تفضل كتم الأمر أو التفاوض على تنازل بمقابل مغري؛

–  وإما في وضعية صعبة يدخل في خانة المتشردين والمهملين من طرف المجتمع.

ولأن كل جريمة هي بمثابة عنف في حق ضحيتها أو في حق جسم الجريمة :

–  فالاعتداء على الأشخاص هو عنف على ذواتهم

–  والسرقة هي عنف في حق المال

–  وانتزاع الحيازة هو عنف في حق الملكية أو التصرف

فما هي الجرائم أو مظاهر العنف ضد الطفل ؟

مظاهر العنف ضد الأطفال متنوعة ومتشعبة :

  • –          هناك العنف الجسدي أو المادي :

الإيذاء – الاعتداء الجنسي – الاختطاف والاحتجاز – التهجير – التشغيل المبكر – التجنيد – سرقة الأعضاء البشرية – الإدمان..

  • –          وهناك العنف المعنوي أو النفسي:

التهميش – التشريد – الإقصاء – الإهمال – التهديد – الاستغلال في التسول – المنع من التدريس – التوقف عن الإنفاق – القمع – غياب الأنشطة الفكرية والجسدية -غياب وسائل الترفيه – ……

أسباب تمادي العنف في حق الأطفال:

انحراف الحدث الناتج عن العامل الاجتماعي :

* تفكك الأسرة – الإدمان – الهدر المدرسي – التأثير السلبي للإعلام – التأثير السلبي للشارع والمحيط خاصة في المدن

–  انحراف الحدث الناتج عن العامل الاقتصادي :

الفقر – السكن غير اللائق – غياب الرعاية الطبية – غياب وسائل الترفيه – مفارقات ولا مساوات في التدريس.

 انحراف الحدث الناتج عن العامل المؤسساتي :

غياب سياسة جنائية – مؤسسات إعادة التربية شبه منعدمة – إقصاء الطفل من سياسة المدينة – غياب المادة القانونية في التدريس الابتدائي والثانوي – نهج سياسة الباب المفتوح في مراكز التهذيب وإعادة الإدماج.

 انحراف الحدث الناتج عن جنوح الولي القانوني:

اكتئاب أحد الأبوين – إدمان الأب على المخدرات – العنف في حق الزوجة المرتكب أمام الأطفال – وجود عقدة الربيب – انغماس الأم في الدعارة.

 انحراف الحدث الناتج عن التطور التكنولوجي :

–  الإقبال على الألعاب الإلكترونية المشبعة بالعنف

–  خلق علاقات مشبوهة عبر العالم الافتراضي

–  التأثر بالسينما الغربية المكرسة للغة العنف والبطولة.

مسببات أخرى

غياب مناشير وقوانين تنظيمية تبين طرق التطبيق الفعال للنص؛

–  غياب تغطية إعلامية بجميع القنوات للتعريف بالقانون وبعقوباته؛

–  عدم إدراجه بالمقررات التربوية لاستهداف الفئات المعنية به؛

–  عدم طبع بعض فصول القانون بظهر التذاكر وبأبواب الملاعب؛

–  عدم إشراك النوادي الرياضية للمساهمة في التعريف به لدى جمهورها؛

–  عدم القيام بحملات تمشيطية سابقة لضبط الحالات المخالفة للقانون؛

–  عدم نشر حواجز أمنية للتأكد من انعدام الممنوعات لدى المتفرجين؛

–  انعدام أدوات القيس الجسماني للتأكد من بلوغ السن القانونية؛

–  انعدام المراقبة الإلكترونية لما يجري من مخالفات بغرف الدردشة.

هل استطاع المشرع المغربي سن قوانين لحماية الطفل من كل أشكال العنف ؟

صادق المغرب على المواثيق الدولية الخاصة بالأطفال وهي:

–  اتفاقية حقوق الطفل المصادق عليها بتاريخ 14/ 6/ 1993

–  البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل المتعلقة بإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة المصادق عليه 4/ 12/ 2003

–  البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلالهم وبغاء الأطفال والتصوير الخلاعي المصادق عليه 4/ 12/ 2003

–  الاتفاقية 182 الدولية بشأن حظر أسوء أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها المصادق عليها 3/ 6/ 2003

–  الاتفاقية 138 الدولية بشأن السن الأدنى لقبول الأطفال في العمل المصادق عليها بتاريخ 19/ 5/ 2000

–  الاتفاقية الدولية بخصوص وضع اللاجئين لسنة 1951 المصادق عليها 7/ 11/ 1956

–  البروتوكول الملحق بالاتفاقية الدولية الخاصة بوضع اللاجئين 20/ 4/ 1971.

كما أن الدستور المغربي أصبحت معه السلامة الجسدية والمعنوية للمواطن حقا دستوريا, أي أن توفيره وتأمينه أصبح من واجبات الدولة ومسؤولياتها.

+ الفصل 22 : لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة.

لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية.

ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون.

وفي القانون الجنائي نجده تطرق للأمر على الشكل التالي:

–  حماية الطفل وهو جنين حينما منع الإجهاض الفصل 449 و 454

–  حماية الطفل الوليد من القتل حينما عاقب الفاعل وحتى الأم الفصل 397

–  حماية الطفل من الاعتداء الجسدي الفصل 408

–  حماية الطفل من التعرض للخطر الفصل 459

–  حماية الطفل في هويته حينما عاقب من يحول دون التعرف عليه الفصل 468 وما بعده

–  حماية الطفل من التشرد حينما منع المسؤول عنه من تسليمه لمتسول أو لخيرية الفصل 330 و 465

–  حماية الطفل في عقيدته حينما عاقب من حاول زعزعتها الفصل 220

–  حماية الطفل من استغلاله في التسول الفصل327

–  ضاعف عقوبة الشخص غير المبلغ عن جناية متى كان الطفل ضحيتها الفصل 299

–  حماية الطفل من ظاهرة الإتجار في البشر طبقا الفصل 467-1

–  حماية الطفل من العمل القسري طبقا الفصل 467-2

–  حماية الطفل من الاختطاف والاستدراج والإغراء طبقا للفصل 471

–  أمن للطفل صلة الرحم بمعاقبة الممتنع عن تسليمه لمن له الحق الفصل 476 وما بعده

–  أمن للطفل الرعاية ومورد العيش بمعاقبة الممتنع عن أداء النفقة الفصل 479 و 480

حماية الجانب الأخلاقي للطفل وتأمين المعاملة الحسنة بمعاقبة أحد الأبوين الذي يعطي القدوة السيئة الفصل 482

–  حماية الطفل من الاعتداءات الجنسية وإفساد الشباب الفصل 483 وما بعده

–  حماية الذمة المالية للطفل بمعاقبة كل من استغل حاجته للحصول على التزام الفصل 552

–  عدم قضاء العقوبة الحبسية من طرف الزوجين في آن واحد متى كان لهما قاصر ف 33

–  الإعفاء من الإقصاء لأقل من عشرين الفصل 65

وفي قانون المسطرة الجنائية نجد :

*- إحداث قضاء متخصص للأحداث الجانحين والموجودين في وضعية صعبة

–  رفع سن الرشد الجنائي إلى 18سنة

*-إقرار مسطرة للصلح و إيقاف سير الدعوى العمومية بمبادرة من النيابة العامة أو الأطراف

*- شمل المحاكمة بالسرية بعيدا عن أعين الجمهور

* – منع نشر ما راج بها تحث طائلة المتابعة الجنائية

* – عقوبات بديلة عن الاعتقال

–  ضرورة تعيين محامي للمؤازرة

كما خصه المشرع بالحماية في بعض القوانين الجنائية الخاصة ومنها :

– الظهير المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية وبالهجرة الغير المشروعة

المادة 26 و 29: لا يمكن اتخاذ قرار الطرد والإبعاد في حق :

– المرأة الاجنبية الحامل، – الاجنبي القاصر،

وفي هذا ضمان استقرار وعدم تشريد أي طفل في وضعية صعبة بعيدا عن موطنه

–  قانون الجنسية المغربية الصادر بتاريخ 06- 09 -1958 والمعدل بتاريخ -23 03- 2007

–  يعتبر مغربيا الولد المولود من أب مغربي أو أم مغربية

–  يعتبر مغربيا المولود في المغرب من أبوين مجهولين

–  يعتبر مغربيا المكفول من شخص مغربي و المزداد بالخارج من أبوين مجهولين

–  يفقد الجنسية المغربي -ولو كان قاصرا – الذي له جنسية أجنبية أصلية والمأذون له بموجب مرسوم في التخلي عن الجنسية المغربية ؛

–  القانون المتعلق بالشغل

المادة 143: لا يمكن تشغيل الأحداث ولا قبولهم في المقاولات، أو لدى المشغلين قبل بلوغهم سن خمس عشر سنة كاملة.

المادة 151: يعاقب بغرامة من 25.000 الى30.000 درهم على مخالفة المادة 143

وفي حالة العود تضاعف الغرامة والحكم بحبس تتراوح مدته بين 6 أيام و3 اشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين.

قانون الصحافة

* ضاعف المشرع في الفصل 62 العقوبة برفعها إلى سنتين حبسا وغرامة إلى 100000 درهم متى ارتكبت الجرائم الماسة بالأخلاق والآداب العامة في حق قاصر

* وعاقب في الفصل 65 كل من اقترح أو قدم أو باع للقاصرين نشرات مخالفة للأخلاف والآداب العامة لتحريضها على الفساد أو لصبغتها الإباحية.

قانون تنظيم الإتجار في المشروبات الكحولية أو الممزوجة بالكحول

–  لا تمنح رخصة البيع للأشخاص المحكوم عليهم من أجل جنح ضد الأطفال والمحكوم عليهم من أجل تحريض القاصرين على الفحشاء أو القوادة الفصل 9

–  يمنع تشغيل القاصرين أو استقبالهم أو بيع أو تقديم أو مناولة مشروبات كحولية أو ممزوجة بالكحول للقاصرين تحث طائلة العقاب ومنع رخصة الاستغلال.

رغم هذه الترسانة القانونية المتطورة والمواكبة للمواثيق الدولية، لازالت مظاهر العنف ضد الأطفال في تزايد مستمر، لأن السبب يرجع لعوامل أخرى متداخلة فيما بينها، والتي يجب معالجتها لجعل الطفل آمنا في علاقته مع القانون.

مسؤولية المشرع : لابد للمشرع أن يعيد النظر في بعض المقتضيات حماية للطفل فمتلا :

الفصل 475 : اختطاف قاصر بدون عنف : الحبس من سنة إلى خمس سنوات

–  الفصل 471 : اختطاف قاصر باستعمال العنف : السجن من خمس إلى عشر سنوات – نفس العقوبة بالنسبة للمادة 436

– الفصل 484 : هتك عرض قاصر أو عاجز أو معاق بدون عنف الحبس من سنتين إلى خمس سنوات

– الفصل 485 : هتك عرض قاصر باستعمال العنف : السجن من عشر إلى عشرين سنة

علما أنه لا يفترض في قاصر أن له إرادة وتمييز للقول بأن الاعتداء كان بدون عنف، فهو في حد ذاته عنف ما دام قد ارتكب في حق قاصر.

-الفصل 132: كل شخص سليم العقل قادر على التمييز يكون مسؤولا شخصيا عن الجرائم التي يرتكبها

-الفصل 138: الحدث الذي لم يبلغ سنه 12 سنة يعتبر غير مسؤول جنائيا لانعدام تمييزه

-الفصل 139: الحدث…. لم يبلغ 18 سنة يعتبر مسؤولا مسؤولية جنائية ناقصة بسبب عدم اكتمال تمييزه

المادة 5 من قانون المسطرة الجنائية : … إذا كان الضحية قاصرا، فإن أمد التقادم يبدأ في السريان من جديد لنفس المدة ابتداء من تاريخ بلوغ الضحية سن الرشد المدني.

* في الفصل 308-1 وما بعده من ق ج والخاص بشغب الملاعب, نجد المشرع لم يفرد ولو فصلا واحدا خاصا بالأحداث أو ينص فيه على تدابير بديلة عن العقوبة لتطبق في حقهم, علما أن أعمال الشغب ترتكب أصلا من مرتادين لم يتجاوزوا سن الرشد, فما الجدوى إذن من هذا القانون إذا كان لا يراعي المصلحة الفضلى للحدث, أو أنه يطبق في حقه عقوبات هي أكبر من جنوحه الناتج عن نقصان تمييزه.

مقترحات لحماية الأطفال في نزاع مع القانون

جعل المسألة مشروع مجتمع بكامله، تبدأ من إرادة قوية واهتمام شمولي ومبادرة وطنية وإشراك كلي وتشريع متسلسل، مرجعيته ثوابت الأمة وما استقرت عليه من أحوال اجتماعية, تتضافر فيها جهود كل المؤسسات قال تعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ؛

ـ الاهتمام بالأسرة وتقوية دورها لأنها نواة المجتمع ومحوره, قال تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاما؛

–  الانكباب على الوقاية من الانحراف ومظاهره، قبل علاج الجريمة ومخلفاتها؛

–  إدراج مبادئ الدين الحنيف وأخلاق المجتمع الأصيل ضمن مناهج التربية والتعليم؛

–  إبعاد الحدث عن وليه القانوني المصاب بالاكتئاب أو المنحرف أو المدمن أو الماجن، قال صلى الله عليه و سلم: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه، حَفِظَ أم ضَيَّعَ، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته)؛

–  تقوية دور المجتمع المدني وإعطاء صفة المنفعة العامة والدعم المادي للجمعيات المتخصصة؛

ـ تقوية دور النيابة العامة في المراقبة القبلية والبعدية لمسار الأحداث؛

–  جعل المتابعة والعقوبة استثناء لا يلجأ إليها إلا في الحالات الشادة والموجبة لذلك؛

–  إخضاع الأسر المتفككة أو التي تعاني مشاكل لرقابة الوزارة الوصية والمؤسسات ذات الاهتمام؛

–  جعل الأصل في القضاء تحقيق العدالة بدلا عن تطبيق القانون, والأفضل أن يجتمعا؛

–  تفعيل أهداف أشغال الدورة الاستثنائية للأمم المتحدة حول الطفل التي انخرط فيها المغرب على مدى 10 سنوات (2006-2016)؛

–  سن تشريعات وقوانين تراعي المصلحة الفضلى للحدث؛

–  تعميم وإشاعة المعلومة القانونية, عملا بمبدأ لا يعذر أحد بجهله القانون؛

– إشراك الإعلام والتزامه بنشر التوعية اللازمة والواجبة لحماية الأطفال؛

–  لنستمع للطفل أكثر مما يستمع إلينا فشخصيته تنحت بالتعبير لا بالتلقي، وفي كلامه مرآة لما بداخله، وفي صمته ظلمة لما يشعر به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *