اختراق جديد لموقع حكومي يُنذر بالخطر: الأمن السيبراني في المغرب أمام المحك.

تعرض موقع وزارة الشغل والإدماج المهني في المغرب، صباح اليوم، لهجوم سيبراني يُشتبه في تنفيذه من طرف قراصنة جزائريين، في اختراق يعيد إلى الواجهة قضية ضعف البنية الرقمية المغربية، ويطرح مجدداً سؤال الجاهزية الوطنية في مواجهة التهديدات السيبرانية المتزايدة.

هذا الاختراق ليس الأول من نوعه، فقد شهد المغرب في السنوات الأخيرة سلسلة من الهجمات الإلكترونية التي طالت مواقع وزارات ومؤسسات عمومية، ما يُشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي الرقمي ويؤكد هشاشة الأنظمة المعلوماتية الوطنية. فإلى متى سيظل المغرب عرضة لهذا النوع من الاستهداف دون ردع أو تحصين فعّال؟

الاستراتيجيات الرقمية… وواقع الاختراقات
رغم إطلاق المغرب لعدة استراتيجيات في مجال التحول الرقمي، بدءاً بـ”المغرب الرقمي 2013″، ثم “المغرب الرقمي 2020″، وما تخللهما من برامج ضخمة رُصدت لها ميزانيات هامة، إلا أن النتائج على أرض الواقع لا تزال دون المستوى المطلوب، خصوصاً فيما يتعلق بصمود البنيات التحتية الرقمية، وترسيخ الثقة في المعاملات الإلكترونية، وحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي.

ويطرح هذا الواقع أسئلة مشروعة حول مدى فعالية البرامج الحكومية في ميدان الأمن السيبراني، خاصة “برنامج الحكومة الإلكترونية”، الذي كان يُفترض أن يشكل ركيزة صلبة لتأمين المعطيات والمؤسسات، في وقت بات فيه الاختراق الرقمي أداة صراع سياسي وأمني بين الدول.

ولكن، بعيدا عن الاختراقات… أسئلة شائكة
بعيدًا عن الجدل حول الجهات المتورطة في الهجمات، وفيما إذا كانت هذه الهجمات تمثل رسائل عدائية أم مجرد عمليات سيبرانية عادية، يبقى السؤال الأهم: هل يملك المواطن المغربي معلومات واضحة عن حقيقة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لحماية بنيتها الرقمية؟ هل تشعر المؤسسات الحكومية والمواطنون بأن هناك استراتيجية واقعية قادرة على مواجهة هذه التهديدات المتزايدة؟

لقد أصبح الأمن السيبراني اليوم مادة رئيسية ومهيمنة على وسائل الإعلام المحلية والدولية، ولم يعد مجرد خبر عابر. فبصرف النظر عن الجهة التي تقف وراء الهجوم، سواء كانت دولة أو مجموعة قراصنة مستقلين، فإن القضية الأهم تتعلق بمدى استجابة الحكومة لهذه التهديدات وكيفية تدبيرها لهذا التحدي المستمر. فما هي السياسات المتبعة فعليًا لتعزيز الأمن السيبراني؟ وهل تمت ترجمة الاستراتيجيات الرقمية إلى نتائج ملموسة في حماية المواقع الحكومية من هذا النوع من الهجمات؟

صندوق الضمان الاجتماعي: التحديات والشفافية
من جهة أخرى، يواجه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في المغرب تحديات إضافية، تتعلق بالمصداقية والشفافية في ظل هذه الهجمات الإلكترونية. فقد أصبح المواطنون يطرحون تساؤلات مشروعة حول المراجعات والتغييرات التي طالت مالية الصندوق وحقوق الأجراء، بالإضافة إلى الجزاءات التي فرضتها الإدارة على بعض المتعاملين مع الصندوق. الأسئلة تتزايد حول كيفية إدارة هذه التعديلات وأسبابها، مما يُشكل ضغطًا على المؤسسات الرقابية مثل المجلس الأعلى للحسابات، والجهاز البرلماني الذي يتعين عليه لعب دوره في المراقبة والتقييم.

في هذا السياق، لا يمكن تجاوز مسؤولية الأجهزة الحكومية في توفير بيئة آمنة للمواطنين عبر منصاتها الرقمية. كما أن هناك ضرورة ملحة لتعزيز المساءلة الشعبية والنقابية والسياسية تجاه القرارات التي تؤثر على المواطنين وأموالهم.

“المغرب الرقمي 2030″… هل يحمل الجواب؟
الاستراتيجية الرقمية الجديدة، المنبثقة عن تقرير النموذج التنموي الجديد، تعد بتعزيز مكانة المغرب كقطب رقمي إفريقي ودولي. لكن هل يتضمن هذا الطموح ما يكفي من التدابير لحماية السيادة الرقمية للمملكة؟ وهل تم إدراج الأمن السيبراني كأولوية وطنية ضمن هذا المخطط؟

تحديات المرحلة تفرض مراجعة شاملة، ليس فقط للاستراتيجيات، بل أيضاً للمنظومة التشريعية، ولأطر التعاون بين الدولة والقطاع الخاص، ولتكوين رأس مال بشري متخصص في الحروب السيبرانية، في عالم لم تعد فيه الحروب تُخاض فقط بالسلاح التقليدي، بل عبر الكودات الخبيثة والفيروسات الرقمية.

المغرب في حاجة إلى درع سيبراني وطني
في ظل تعقيد الأوضاع الدولية وتزايد التوترات الإقليمية، بات من الضروري أن يُدرج الأمن السيبراني ضمن أولويات الأمن القومي المغربي. فالهجمات الإلكترونية أصبحت أدوات ضغط سياسي وابتزاز اقتصادي، والمغرب مطالب اليوم بإطلاق سياسة سيبرانية متقدمة تُحصّن سيادته الرقمية، وتواكب التحولات الجيوسياسية المتسارعة.

إن ما وقع اليوم ليس مجرد حادث تقني، بل ناقوس خطر حقيقي يتطلب يقظة جماعية وقراراً سيادياً عاجلاً.