الانتقال الجامعي بالمغرب: بين هيكلة المقررات العلمية والتكوينات، ومتطلبات سوق الشغل

يشكل التعليم العالي في المغرب أحد أبرز الرهانات التي يعول عليها لتحقيق التنمية الشاملة. ومع التحولات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة، بات من الضروري إعادة النظر في طريقة هيكلة المقررات الجامعية وتنويع التكوينات الأكاديمية، مع مراعاة احتياجات سوق الشغل المتغيرة باستمرار. هذا المقال يتناول واقع الانتقال الجامعي بالمغرب بين التحديات والإمكانات، مع التركيز على دور تكامل التخصصات، خصوصاً بين كليات العلوم الإنسانية وكلية الحقوق والاقتصاد، في تأهيل خريجيها لولوج سوق العمل.

رغم الجهود المبذولة من طرف الجامعات المغربية لتطوير منظومتها، إلا أن إشكاليات عدة ما تزال تعيق تحقيق الأهداف المرجوة. ومن أبرزها:

الازدواجية بين المقررات وسوق الشغل: يعاني العديد من الخريجين من عدم التوافق بين التكوينات الأكاديمية وحاجيات سوق العمل، حيث يُلاحظ أن المناهج الدراسية في بعض الشعب تركز أكثر على الجانب النظري مع إهمال الجوانب التطبيقية والمهارات المهنية.

بحسب تقارير رسمية، تظل نسب البطالة مرتفعة، خاصة بين خريجي الشعب الأدبية والإنسانية، ما يبرز الحاجة إلى إعادة توجيه التخصصات وربطها بمسارات مهنية ملموسة.

يفتقر النظام التعليمي إلى شراكات حقيقية مع القطاع الخاص من أجل توفير فرص تدريبية وتأهيلية للطلبة خلال فترة الدراسة.

أصبح من اللازم اعتماد إصلاحات عميقة في منظومة التعليم الجامعي تشمل:

ينبغي تعزيز المناهج الدراسية بوحدات تطبيقية، مثل التدريب المهني، وتقنيات العرض، والعمل الجماعي، مما يساعد الطلبة على اكتساب كفاءات عملية تسهل اندماجهم في سوق العمل.

يتطلب الأمر إجراء دراسات دورية حول القطاعات التي تعرف طلباً متزايداً على الموارد البشرية، مثل التكنولوجيا الرقمية، الطاقات المتجددة، والخدمات المالية، وضمان ملاءمة الشعب الجامعية لهذه القطاعات.

يمكن أن تسهم الشراكات مع المقاولات في تقديم تكوينات مهنية قصيرة المدى وإتاحة فرص تدريبية للطلبة، مما يعزز فرص تشغيلهم بعد التخرج.

من بين التوجهات التي يمكن أن تسهم في حلحلة الإشكاليات الحالية، هو إدماج التخصصات بين كليات العلوم الإنسانية وكلية الحقوق والاقتصاد. هذا الدمج يمكن أن يثمر جيلاً جديداً من الخريجين يتمتعون برؤية متعددة التخصصات وقدرة أكبر على مواجهة التحديات المهنية.

مثل الجمع بين مهارات التحليل القانوني وفهم السياقات الاجتماعية، أو إدماج المهارات الاقتصادية في تحليل القضايا الثقافية.

يُعد البحث العلمي في العلوم الإنسانية والاجتماعية عنصراً أساسياً لفهم تحولات المجتمع، ويمكن أن يُوجه نحو دراسة التحديات الاقتصادية والقانونية الراهنة.

إدماج تكوينات حقوقية واقتصادية مع برامج العلوم الإنسانية يتيح للخريجين مهارات في التفكير النقدي، التواصل، التحليل القانوني، وفهم العلاقات الاقتصادية، مما يجعلهم أكثر قدرة على المنافسة في سوق الشغل.

إن الانتقال الجامعي بالمغرب يحتاج إلى رؤية استراتيجية تقوم على التفاعل المستمر بين الجامعات وسوق الشغل، مع إدخال إصلاحات جذرية في هيكلة المقررات والتكوينات. كما أن تعزيز تكامل التخصصات بين العلوم الإنسانية والحقوق والاقتصاد يشكل فرصة ذهبية لإعداد جيل من الخريجين المجهزين بمهارات متكاملة تلبي احتياجات التنمية المستدامة. وحده التعاون بين مختلف الفاعلين في المجال التعليمي والاقتصادي يمكن أن يضمن تحقيق هذا الهدف الطموح.