التصور السياسي للجماعة

الوطن 24/ بقلم: *حفيظ زرزان


حفيظ زرزان

لقد فرضت جماعة العدل والإحسان نفسها واقعا، ولم يعد بالإمكان تجاوزها، لكن أساليب دراستها وفهم تصوراتها إعلاميا أو أكاديميا تعرض للكثير من الإجحاف نظرا لما تعانيه. نكمل في هذه المحاولات قراءة كتاب المنهاج النبوي، بما يشكله من مبادئ عامة في تصور جماعة العدل والإحسان في نظرتها للتربية والتنظيم والتغيير، ونقف عند فصل اقتحام العقبة، وفقرة كيف يؤدي حملة المشروع مهماتهم في الجزء الثالث من القراءة، التي نواصل صفحاتها، آملين بسط المفاهيم وتيسير التواصل والتفاهم مع فئات عريضة من القراء تصحيحا للعديد من المغالطات، وتقريبا للتصورات، للتعرف إلى جماعة العدل والإحسان مباشرة من مصادرها ومظان فكرها ومنطقها وسيرها، وكيف ترى الإنسان والواقع وعلاجه، وكيف تدبر مختلف علاقاتها وتحالفاتها وتحركها بالساحة السياسية. 


رأينا في مقالة سابقة، كيف تجاوزت الجماعة “تنظيميا” ما سطر بالمنهاج النبوي عبر تصريح مؤسسها السيد عبد السلام ياسين رحمه الله في حياته الذي قال: “فاته الركب ولم نطبق منه إلا القليل”، أو باقي قيادات الجماعة، كحوار الأستاذ عبد الكريم العلمي وهو رئيس مجلس الشورى لجريدة التجديد الذي عبر فيه عن تطور مؤسسات الجماعة في كل مرحلة وكل وقت، أو مؤخرا على لسان الدكتور عبد الواحد متوكل عبر جريدة الأسبوع. وهو ما ينم عن تماشي الجماعة مع روح عصرها وزمنها، تلتمس الأشكال الحديثة والعمل المؤسساتي بآلياته المتطورة وقوانينه وضوابطه وتدابيره.


اليوم نقف عندما وضعه الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله من خطوط عريضة ومبادئ عامة للتصور السياسي لجماعة العدل والإحسان المتغير، والمتعدد التقدير، بحسب الظرف والسياق، الواضح والمرن في الآن ذاته. الواضح في خطه الرئيسي، المجتهد في جزئيات الحركة. وبين الثابت التربوي في كليات التربية والجهاد، في الخصال العشر وسائر شعب الإيمان، كما سبق ورأينا، والمتغير “شكلا وتقديرا” في الجانبين التنظيمي والسياسي، تتميز الجماعة ولا تجمد. في الخط الرئيسي كما كان على عهد النبوة تأصيلا وتشبثا من الرجل رحمه الله ومن معه، في كل تصوراته ومنطقه الاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام في صغير الأمر وكبيره. ويستشهد فيما كتبه، حين عمد رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي لم يكن ومن معه ملتويين، بل قصد رأس الحكم والظلم، وصانعوا الظروف…وبين المحجة اللاحبة والثمن، والخط السياسي الواضح، المبثوث والمعلن كما تفعل الإيديولوجيات الاشتراكية العلمانية التي لا تواري أهدافها ولا فكرتها ولا مواقفها في إقامة مجتمع اشتراكي، يطلب من الإسلاميين أكثر من ذلك وهم أصحاب قضية.


وأوضح الرجل رحمه الله وألمح إلى الاستراتيجية والتكتيك وقواعد اللعبة السياسية وإلمام الأحزاب بها. ويرجع دائما إلى كيف تصرف رسول الله عليه الصلاة والسلام وكيف استعمل كل وسائل عصره، وعلى منواله يجب أن ينسج المتبع للمنهاج النبوي…
فما هو الخط السياسي لجماعة العدل والإحسان؟
يحصرها الدكتور إحرشان عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان بناء على نفس المرجع (المنهاج النبوي وكتب أخرى) في ثلاث عناوين رئيسية[1] تبعا لما كتبه الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله: الممارسة السياسية للجماعة، ثم موقفها من الديمقراطية، بعدها علاقتها بباقي الفرقاء السياسيين.


1- الممارسة السياسية:
في كتابه أضواء على مشروع الجماعة يتحدث عن مفهوم العصيان، وعن رفض العنف والاغتيال السياسي، ثم عدم الرضا بأنصاف الحلول، بعدها عن رفض كل أشكال المكر والخداع والغش، وعن المرونة ومدلولاتها بما هي قرارات مرحلية لا تنازلات، ثم خصص لمفهوم القومة الأصيل عند الجماعة، خطواتها وطريقها، وعن الشرطين الذاتي والموضوعي، مقابل الثورة عند اليسار. كما أوضح ممارسة “المعارضة” وما يتاح من مساحات…


2- الموقف من الديمقراطية:
إذا كانت الديمقراطية رفضا للتسلط والاستبعاد والاستبداد حسب الأستاذ عبد السلام ياسين فأنعم بها، بما هي تعددية أحزاب، وحرية معارضة تكون ضدا ورقيبا وحسيبا وناقدا وبديلا للحكام القائم، وحرية الشعب في حرية الاختيار، وتمثيلا نيابيا، ومؤسسات تتعاقب عليها القوى السياسية وتقترح، وبما هي حرية التعبير والصحافة المستقلة، ودولة القانون وفصل السلط، واحترام حقوق الإنسان، فلهذا في كتاب العدل يطلب الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله مناقشة هذا على الملأ وصياغة ميثاق يلزم الجميع بالصدق والتنفيذ فيما كل ما يرفع، فقط يتحفظ على لازمتها اللائكية بما هي تعارض واصطدام مع الإسلام. وبهذا، فالمشترك والأرضية مع الآخر كبيرة ومتسعة لاستيعاب الاختلاف والالتقاء على أرضية مشتركة واضحة، وهي قبول آليات الديمقراطية احتكاما لها، بما هي عقد اجتماعي وسيادة للشعب وحقوق مواطنة، ودستور وفصل سلط، وحريات عامة. بما لا يعني بالنسبة للإسلاميين تنكرا للإسلام ولا اصطداما معه، حفاظا على الهوية الإحسانية بالأساس، الوطنية والإسلامية أصالة ومرجعية. ويميز الإمام المرشد بين الديمقراطية وبين مفهوم الشورى الإسلامي.


3- العلاقة مع باقي الفرقاء:
لطالما مدت الجماعة جسور التواصل السياسي في كل مناسبة ممكنة، تقوى ذلك أكثر حين حصل التقاء موضوعي واصطفاف سياسي ضد الفساد والاستبداد بحركة 20 فبراير، وتبددت الكثير من الإشاعات والتشويش. فالجماعة تصورا وممارسة تقبل بالتعددية كمبدأ أصيل لا كتكتيك، ومستعدة للتعاون مع كل ذوي المروءات والصادقين، وهو ما عبر عنه الأستاذ محمد الحمداوي عضو مجلس الإرشاد ونائب رئيس الدائرة السياسية في آخر ندوة حول الكتلة التاريخية الأسبوع الفارط الذي حضرته العديد من الفعاليات “الأقرب إلى ما تدعو له الجماعة من ميثاق”.


وتعتمد بالأساس الجماعة لغة الحوار، بل تلح عليه مستمرا، وتضع رؤيتها للميثاق وطنيا وتقترح شروطا لنجاحه، كما تحذر من المنزلقات التي قد تهوي إليها الحركة الإسلامية عموما والجماعة خصوصا في طريقها إلى التوافق مع باقي القوى بالساحة، كنسيان الوظيفة الأساسية وهي الدعوة إلى الله تعالى أو الرضا بأنصاف الحلول او الحوار على ظهر الشعب أو الابتعاد عن لغة القرآن، كما تتطرق لأهم نقاطه من وجهة نظرها.


تمر السنوات، ويتأكد أن ما كانت تقترحه الجماعة منذ تأسيسها سنوات من ميثاق وحوار والتقاء والبحث عن المشترك من أجل الوطن ومن أجل دولة قانونية راشدة، ديمقراطية بالمعنى الحديث، يزداد يقينا ورسوخا، وأن التجارب تزيده وضوحا وقناعة. 

*إعلامي مغربي وكاتب رأي