الجزء الثالث أنماط التدين نتاج التدين الطبقي في الملل الثلاثة

حسن حلحول باحث

الوطن24 

النص المعياري
(النص المقدس في الملل الثلاثة)
القصد من النص المعياري هو ذلك النص المقدس الذي يؤسس للتصورات الكبرى التي تميز الإنسان في علاقته بالله، و نعني بالنص المقدس ما جاء به القرآن الكريم والإنجيل والتوراة من قضايا إيمانية تشتمل على معنى تعبدي، حيث إن الإنسان مطالب بعدم ردها و لا يسأل عنها و يرتبط بها من خلال الصفة العامة: من مستواه العقلي إلى مستواه الوجداني و تبرز في سلوكه تطبيقا عمليا.
و ما تلزم الإشارة إليه أن هذه القضايا الإيمانية التعبدية لها اركان من حيث أساس بنيانها:
الركن الأول: الله، الركن الثاني: الوحي، الركن الثالث: الرسول.
و بذلك تصبح الصفة العامة لهذا النص المقدس أنه موضوع للعابد أو للتعظيم وليس للعبادة فحسب.
و العبادة تستوجب:
عابدا: و هو الإنسان، و معبودا: و هو الله، و علاقة بينهما: هو الرسول.
بهذا المعنى ليس النص المعياري بصفة عامة إلا جملة من الاعتقادات يتوصل إليها عن طريق التسليم لا عن طريق الاستدراك العقلي و التجريبي ، بل إنها مجموعة من الغيبيات تتجسد في الإيمان بالله و رسله و كتبه و اليوم الآخر و هو يوم الخلود، وهذا الإيمان يتجلى على الخصوص في ما نطلق عليه الخبرة الفردية الدينية، إنه المقدس و قد صار ماثلا في النفس و في معزل عن تجارب الآخرين.
النص التاريخي: (الاجتهاد العقلي البشري)
إذا كانت التجربة الايمانية الفردية هي ما يحدد هوية النص المعياري فإن النص التاريخي هو ذلك الخطاب الديني العقلي الذي ينبني على تصورات بشرية نسبية مأخوذة من النصوص الدينية متذرعة به أو مستغلة له، لتمرير ايدلوجية المعبرة عن طبقة معينة للعامة ،مما يخلق الصراع الطبقي الديني في المجتمع.
و هو ليس المعياري في حد ذاته الذي أنزل الله في حينه، و هو متعالي، إنه ذلك الخطاب المبني المرتبط بالزمان و المكان و الثقافة و الأحوال و يشكل كل التأويلات التي مارسها رجال الدين في الملل الثلاثة على امتداد التاريخ و تحركهم داخل هذا التاريخ و صناعتهم للحضارة.
في الواقع إن هذا التحليل لا يدخل في مجال تاريخ تطور الأديان ، و إنما يدلنا على مجال العلوم الإجتماعية، حيث يظهر الارتباط الوثيق و التزامن من بين تطور المؤسسة الدينية و تطور المؤسسة السياسية، و نعتقد أن تأويل النص الديني المعياري لا يعني أننا نستمد التشريع من الدين، و عملية الاستمرار هذه هي عملية بشرية لا يمكن أن نعتبرها عملية إلهية، و من هنا نستخلص أن التأويل بطبيعته و بكل مستويات تجلياته هو تأويل بشري، يعني بمعنى آخر أن هذا التأويل وضعي مهما كانت المكانة الدينية للنص المؤول.
من هنا يستمد التدين التعددية والاختلاف المتدينين في المجتمع، فإذا كان الطبقة البلوريتاريا لها نظرها الخاص بها ،فإنه يحدده وضعها الاقتصادي والاجتماعي في النظر إلى النص المعياري قراءة وتأويلا، وهذا التدين الطبقي نسبة إلى أن كل طبقة لها تدينها، وإن كان الشكل والإطار الممثل في كيفية التدين واحد ، وبمعنى آخر وحدة الطقوس مع الاختلاف معتقد كل طبقة ، ففي الوقت الذي تؤدي فيه الطبقة الفقيرة شعائر الله بشكل من أشكال فيها نوع من الغلو والتشدد فإن الطبقة المتوسطة ( المثقفة) تؤديها بنوع من المرونة والتردد ، خلاف الطبقة البرجوازية التي تؤديها بنوع من الملأ الفراغ الروحي، والترف الديني والتباهي والرياء.سنسوق مثال على ذلك ويقاس عليه على جميع الدول الاسلامية وهذا ليس بجديد وإنما قديم منذ الخلافة فعمر بن الخطاب عطل شرع الله ارجع ذلك الى الظروف الطبيعية كالجفاف ، هو أن المركز الطبقي يحدد نمط التدين ومجاله، إن ما يفسح المجال لاختلاف التدين بين الطبقات، تحديد معنى الواسع لشعائر الله، فهي كل ما يدل عبادة الله لقوله تعالى ( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) فإن تقوى القلوب التي تعظم شعائر الله تختلف من طبقة إلى طبقة ومن شعب الى شعب ،كل يرى التعظيم من خلال النص المقدس حسب تأويله ومعتقده ومصالحه الطبقية ، وحسب الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها، وحسب تأثير وتأثر بين الطبقتين، ومن خلال الاختلاط مع الطبقة التي يتم التبادل الأفكار وأطراف الحديث معها في امور التدين للحفاظ على كل ما هو طبقي، تاركين خطابات العلماء والفقهاء جانبا، باعتبارهم ينتمون الى هذه الطبقة أو الى أخرى، ويأخذون ببعض والوعاظ الذي يتقاسمون هموم التدين الطبقي.
إن النص التاريخي في الملل الثلاث، كان له دور كبير في ترسيم وترسيخ التدين الطبقي في مجتمعاتها.
ففي الديانة اليهودية ويعتبر التلمود اجتهاد بشري معناه التعاليم وهي مجموعة الشرائع اليهودية التي نقلها الأحبار شرحا وتفسيرا للتوراة ويقسم الى قسمين “المشنة “أي النصوص المتن “والجمارا” أي التفسير والشرح،
الأولى هي عبارة عن مجموعة من التقاليد اليهودية في شتى نواحي الحياة اليهودية ، أما الثانية
هي مجموعة المناظرات والتعليم، يزعم اليهود بأنها التقاليد والتعاليم ألقاها النبي موسى عليه السلام، ويمكن إن صحت المماثلة ما يطابقه في الإسلام بالسنة النبوية عند المسلمين أي كل ما صدر عن الرسول صلى الله عليه من أقوال وأفعال وتقرير،
هناك تلمودان : الأول يعرف بالتلمود الفلسطيني .
والثاني : التلمود البابلي، ولكل من تلمودين طابع خاص وهو الطابع البلد الذي وضع فيه الذي يختلف عن الآخر اقتصاديا وسياسيا، ومن ثم فإن الملاحظة الاساسية هي أن التدين الطبقي اليهودي يظهر من خلال التنوع في التلمود والاختلاف في التفسير وفي الشروح الذي يساير مصالح الطبقية الحاكمة وهي الطبقة المسيطرة في المجتمع اليهودي، التي تقوم بتفسير المتن لصالحها للحفاظ على مكتسباتها المتمثلة في الإبقاء على التفاوت الطبقي والسلطة الدينية.
اما في العالم المسيحي فإنه هو أيضا عرف النص التاريخي تطورا كبيرا على مستوى تفسير وتأويل النصوص الدينية، لتكريس الطبقية والتدين الطبقي في المجتمع المسيحي الذي يعتبر أساس الفوارق الطبقية في المجتمع المسيحي، وهو نتاج الفوارق الطائفية بين الطائفتين البروتستانتية والكاثوليكية ، هذه الأخيرة هي أكثر انعزالا عن العالم المادي ،وأنها ترسخ في اذهان معتنقيها لا مبالاة كبيرة تجاه الثروات المادية في هذا العالم المسيحي ،ولهذا نجد الطائفة البروتستانتية تسيطر على التجارة الكبيرة ومستواها الثقافي رفيع ومتميز وأغلبهم من رجال الأعمال ومن الرأسماليين الكبار، إن ما يستفاد من الوضع الإجتماعي للطائفتين،هو ما يحدده الصراع الطبقي الديني المتأثر بظروف الوسط المحيط الاجتماعي ونمط التربية التي يرسخها المناخ الديني لدى الطائفة معينة،لهذا نجد أن المنتمين الى الطائفة الكاثوليكية بصفتهم الطبقة الدينية الفقيرة، يختلفون كثيرا عن الطائفة البروتستانتية المسيطرة على وسائل الإنتاج، بصفتها الطبقة البرجوازية التي تعمل على تكريس التدين الطبقي الذي يساير اديلوجيتها.
أما النص التاريخي في الدين الإسلامي، فهو الذي مارسه علماء من رجال الدين والفقهاء في تأويل النص الديني،لقد كان الفقه وأصول الفقه وعلم الحديث من الحقول المعرفة الدينية التي خاض فيها هؤلاء من أجل الميل الى الطبقة المسيطرة للحفاظ على مصالحها ، لقد نتج عنه التدين الطبقي بين الناس وبين الطوائف، إن الصراع بين عشيرتين بني أمية وبني هاشم قديم وطويل فالاولى مكونة من أغنياء الأمة والثانية من وجهاء بني هاشم والتي لا تضاهي الأولى في الغنى السلطة والقوة، ويظهر هذا الصراع جليا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم خصوصا بين علي عليه سلام الله ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، فبني امية استعملت العلوم الدينية وتوظيفها لخدمة ايدلوجيتها ، بل وتسخيرها لاغراض سياسية،من أجل الاحتفاظ على مصالحها ولو على حساب النص المعياري للبقاء في السلطة ، نتج عن ذلك أنماط التدين خدمة للتدين الطبقي الذي تتبناه كأيدلوجية وعقيدة للسيطرة على وسائل الإنتاج والأسواق والتجارة للسيطرة على السلطة . وهو الشيئ نفسه الذي أفرز صراعات قويا الى الآن بين الطبقتين أو الطائفتين السنية والشيعية للسيطرة على السلطة الدينية ومن ثم السيطرة على السلطة الدنيوية .
1)علاقة الدين بالدولة في الملل الثلاثة دمج أو فصل.
هل هي علاقة محايثة واندماج ام علاقة محادثة وانفصال؟
أ) علاقة الدين بالدولة في المجتمع الإسلامي:
لقد نطرح موضوع علاقة الدين الإسلامي بالمجتمع على الأقل منذ مطلع القرن العشرين، و ترجع مسألة الفصل بين مجال الدين و مجال الدولة الى نقاش المفكر اللبناني الأصل فرح انطون مع الشيخ محمد عبده مفتي مصر،ولقد سبق أن طرحها سليمان السيستاني بشكل أو بآخر، لقد دافع فرح انطوان عن العلمانية الفاصلة بقوة بين الدين و الدولة، و ضرورات إخراج الدين من المجال السياسي و العام، و من التربية و قد استند فرح انطون الى ابن رشد الذي ساهمت أراء في التحرر عندما ترجمت مؤلفاته الفلسفية الى ألاتينية و في المقابل تعرض فيلسوف قرطبة للاضطهاد و التكفير في الدولة الاسلامية.
و الخلاصة التي أود الإدلاء بها في هذا الموضوع المتعلق بمسألة علاقة الدين بالدولة سواء في المغرب أو في العالم العربي الإسلامي، ينبغي أن تقوم بإصلاح ثقافي عميق يقضي بتحديد الفكر الديني قصد تحديد العلاقة بين الدين باعتباره جملة من القضايا الايمانية الفردية و أن هذه القضايا تختلف جوهريا عن الدولة بحسب مؤسسة مكونة من إقليم بالاضافة إلى شعب و سلطة و بالتالي هي ظاهرة عقلانية تخضع للقانون الوضعي. و هذا يعني من الناحية المنطقية أن مؤسسة الدولة لا تفرض الفروض الخمسة للإسلام فهي لا تؤمن و لا تزكي و لا تصلي و لا تذهب للحج و لكن حينما تخول تدبير دور الدين في الشأن العام، في الحياة العامة فالمنطلق هنا مثلا في المغرب كونه بلد مسلم و هو أن الشعب مؤمن .بالدين ينتمي الى الدين الاسلامي.
أيضا يرتبط هذا الاصلاح الثقافي بمؤسسة الدولة و بصفة خاصة بناء الدولة الديمقراطية التي توفر المساواة بين المواطنين و تحقق العدالة الاجتماعية بين الأفراد و الجماعات وبين ابستمولوجيا الجماعات .
و تستند الدولة الديمقراطية الى مجموعة من القيم تمثل ثقافة الديمقراطية و تنهض هذه المبادئ على كل قيم أساسية التعددية الحرية العدل.
يتضح أن الثقافة الاصلاحية للدولة الديمقراطية تتمثل في أن السلطة النهائية تكون في يد الشعب و تمارس لمصلحته، و أن سلطة الحكام مقيدة و حقوق الأفراد و الجماعات و حرياتهم مصونة.