الدكتور أحمد جوهري: يقدم المعجم العربي الفرنسي للقرآن الكريم

الوطن 24/ المغرب
الحمد لله الذي أنزل الكتاب رحمة وهدى للعالمين، وفرقانا بين الحق والباطل، وبين الشك واليقين، ونورا للأولين والآخرين، وصلى الله على نبيه محمد المصطفى، القائل: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه”، سيد البريئة وخير الورى شرفا، وعلى آله الأطهار الشرفاء، وصحبه الأخيار الحنفاء، وعلى من تبعهم بإحسان ووفاء.
أما بعد، فإذعانا منا للأمر الإلهي بتدبر كلامه الكريم وإبلاغ معانيه وأوامره ونواهيه، واتباعا منا لسنة من سبقنا من تراجمة القرآن الذين فسروا معانيه وشرحوا أحكامه للفرس والروم والأحباش والترك والصقالبة وسائر أقوام العجم، رأينا في منتصف العقد الثاني من القرن الخامس عشر الهجري الموافق لمنتصف العقد التاسع من القرن العشرين الميلادي أن نؤلف هذا المعجم المزدوج اللغة (عربي- فرنسي) لمفردات القرآن الكريم، قاصدين من ورائه إلى أن نُيَسِّر فهم آياته لناطقي اللغة الفرنسية من الأوروبيين والعرب والأفارقة وغيرهم، وأن نُسَهِّل ولوجهم لمعانيه بأفضل وسيلة، ومتوخين أن يضيف هذا المعجم نفحة قرآنية روحية وأخلاقية عظيمة للغة الفرنسية، ويساهم بذلك في تلاقح الحضارتين الغربية والشرقية على عبير القيم الإسلامية الإنسانية الحنيفة. وتكفي المرء سعادة أن يشعر، وهو ينقل كل كلمة قرآنية إلى لغة أخرى، أنه يمنح نفَسا روحيا ربانيا لتلك اللغة مثل كل من سبقنا لهذا العمل الجليل.
ولاشك في أن هناك أسبابا أخرى حفزتنا على مواصلة العمل الشاق في هذا المعجم طيلة عقدين زمنيين، لكن أهمها يبقى ما وجدناه من أخطاء في ترجمات القرآن الفرنسية الشهيرة التي تتفاوت درجة خطورتها من الخطأ المعنوي البسيط إلى الخطأ الجسيم الذي يحرف كلام الله تعالى ويدلس جوهر أحكامه، سواء كان ذلك عن قصد من المترجم أم عن غير قصد؛ ومن ثم الضرورة العلمية، إن لم نقل الشرعية، لهذا المعجم . كما نريد أن ننبه إلى أمرين مهمين:
الأول: إننا لا نسعى بهذا المعجم المزدوج اللغة إلى محاكاة كلام الله تعالى المقدس والمعجِز الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بسورة من مثله ما استطاعوا، كما أننا ندرك تمام الإدراك مدى اتساع اللغة العربية في ضروب المجاز والكناية وفنون القول، وأن معهودها وعاداتها في الكلام مختلفة عن طرائق التعبير الأعجمية، ومن ثم فإن الفهم الصحيح للقرآن الكريم وتذوقه الفني والجمالي إنما يكون على جهة اللسان العربي وعاداته وبلاغته؛ ولكننا أردنا هنا شرح معاني مفردات القرآن ووصفها باللغة الفرنسية في مختلف سياقاتها الدلالية بغية إبلاغ معاني الآيات الكريمة ومغازيها الصحيحة لناطقي اللغة الفرنسية؛ ولذلك تجدنا نضع أكثر من مرادف فرنسي للكلمة القرآنية الواحدة، ونسمح بأكثر من ترجمة للآية القرآنية نفسها إذا اقتضى الأمر ذلك؛
أما الأمر الثاني فمفاده أن هذا المعجم ليس مجرد رصف لكلمات القرآن الكريم وما يقابلها من الألفاظ الفرنسية، ولا ينحصر غرضه في شرح معاني تلك المفردات في سياقاتها المختلفة باللغة الفرنسية فقط، بل لقد أردناه معجما نقديا يقوم على عملية تحليل معاني الكلمات القرآنية ووصفها باللغة الفرنسية عبر مرحلتين:
– مرحلة أولى عملنا فيها على التقصي الدقيق لمدلول الكلمات في سياقها القرآني وتتبع شروحها في كتب التفسير والمصنفات الدينية واللغوية اعتمادا على تفاسير الإمام زيد ومقاتل والفراء وأبي عبيدة والطبري والزمخشري وابن كثير والسيوطي وأبي حيان والقرطبي والألوسي وابن عاشور والشنقيطي والصابوني وغيرهم، كما قمنا فيها ببحث نحوي خاص ببعض الحروف والأسماء العربية المتعددة الوظائف التركيبية التي التبست على معظم مترجمي القرآن؛
– ثم مرحلة ثانية قمنا فيها باستقراء الترجمات الفرنسية المختلفة لتلك الكلمات القرآنية في ضوء البحث الدلالي والنحوي المنجز في المرحلة السابقة، وذلك قصد انتقاء الحسن منها وتقويم الخاطئ فيها وإزالة ما ترسب فيها من معان ثقافية مسيحية وغربية. وقد كانت الترجمات الفرنسية لكل من دو رييه André du Ryer، وسافاري Claude-Etienne Savary، وكزمرسكيAlbert Felix Kasimirski، وبلاشيرRégisBlachère وحميدالله MuhammadHamidullah، وماسون Denis Masson وشوراقيAndré Chouraqui، وبيرك Jacques Berque، أرضا خصبة لهذا الاستقراء النقدي ساعدتنا على التمثل الدقيق لمسالك الكلمة القرآنية ومجازاتها وتحولاتها في اللغة الفرنسية، وعلى الوقوف على ما وقع أحيانا من تجاوز في فهمها وفي تقدير بعدها اللغوي أو النحوي أو البلاغي.
وحتى يسهل استعمال هذا المعجم راعينا في تنظيمه خطة بسيطة تتجلى في الخطوات التالية:
– اعتماد الترتيب الألفبائي المتداول لحروف العربية.
– ترقيم المداخل المعجمية بالأرقام العربية لتسهيل عملية البحث عن الكلمات.
– تحديد الآيات القرآنية الكريمة برقم أول بين هلالين يشير إلى السورة القرآنية التي تنتمي إليها، ويليه رقم ثان يشير إلى عدد الآية، مثلا:﴿وما هو على الغيب بضنين﴾(81)24: يشير رقم81 إلى سورة التكوير، والرقم24 إلى عدد الآية. وقد وضعنا في بداية المعجم لائحة بأسماء السور القرآنية وأرقامها للرجوع إليها عند الضرورة.
– تسبيق الفعل المجرد على الفعل المزيد في ترتيب المدخل، ثم يليهما المصدر، والمشتقات، والأسماء الواردة في القرآن الكريم.
– إبراز الفعل المتعدي بما يتعدى إليه، وبيان مصدره إن كان ثلاثيا مجردا، أما الأفعال الثلاثية المزيدة والرباعية المجردة فمصادرها قياسية معلومة.
– تبيين صيغة الاسم إفرادا وجمعا، وتأنيثا وتذكيرا إذا اقتضى السياق القرآني ذلك.
– وضعنا الكلمة العربية المراد وصفها في الجانب الأيمن، ووضعنا في الجانب الأيسر جميع المفردات الفرنسية الواصفة لمعانيها في السياقات القرآنية المختلفة، وميزنا بين هذه السياقات بأرقام؛ ثم وضعنا أمثلة من الآيات القرآنية الكريمة الخاصة بكل سياق على حدة مع ترجماتها الفرنسية.
– كتبنا بخط أسود كثيف الكلمات القرآنية المعنية بالوصف،وكذلك بعض التراكيب الخاصة التي استعمل فيها القرآن تلك الكلمات، مثلا:قضى- قَضى تَفَثَه – قَضى نَحْبه – قضى وطرا.
– اعتمدنا على بعض علامات الترقيم والمصطلحات الفرنسية المختزلة لاختصار الوصف الفرنسي للكلمة العربية وتسهيل قراءته: فاستعملنا النقطة والفاصلة (;) للفصل بين المترادفات الفرنسية
الخاصة بسياق معنوي واحد للكلمة العربية، مثلا: أَبابيل: Bandes ; vagues
واستعملنا الفاصلة (,) بين كلمتين فرنسيتين أو أكثر للدلالة على أن الكلمة الثانية أو الثالثة تحل محل سابقتها، مثال:
أَخَذَ ميثاقا: Contracter, conclure, recevoir un pacte
واستعملنا العارضة المائلة (/) بين ترجمتين أو أكثر للدلالة على إمكان أن تحل الترجمة الثانية أو الثالثة محل الأولى. كما استعملنا الخط الفرنسي المائل لبعض المصطلحات الفرنسية المختزلة للإشارة إلى الطبيعة الصرفية والتركيبية للمرادفات الفرنسية، مثال: prép .Sur. وقد وضعنا لائحة لهذه المصطلحات المختزلة في بداية المعجم للرجوع إليها عند الحاجة.
وختاما لا بد من الاعتراف أننا، على الرغم من الجهد الصارم الذي بذلناه والدقة الكبيرة التي توخيناها طيلة عقدين من الزمن، لا نشك مطلقا في كوننا وقعنا في أبسط الأخطاء، إذ تلك علامة من الخالق الكامل، سبحانه وتعالى، في مخلوقاته الضعيفة، فمنه نرجو العفو والمغفرة، ومن أهل العلم نرجو النصح والإرشاد عند المقدرة. وقد أهديت المعجم لروح معلمي الأول، علامة سوق أربعاء الغرب فضيلة الشيخ الحافظ المفتي التهامي الجوهري تغمده الله برحمته، وأسكنه فسيح جنانه، ونحمده تعالى ونشكره أن متعنا بصحة البدن، ونور البصر، ورزقنا الصبر وحسن النظر حتى ختمنا هذا العمل بقدر. وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد أفضل البشر، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان ونظر.
اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم.
تعليق واحد